الدينار الذهبي لن يعيد الخلافة الإسلامية
الصفحة الرئيسية تحليلات

الأسبوع الماضي أعلنت دولة الإسلام في العراق والشام عن خططها لصك نقود معدنية خاصة بها وهي الدينار الذهبي والدرهم الفضي والفلس النحاسي.

يبدو أن تنظيم الجهاديين وزعيمه أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه على الحكم يعتقد أن تأسيس دار صك خاصة بهم أهم خطوة في طريق تحقيق هدفهم النهائي وهو إعادة إقامة الخلافة الإسلامية.

تاريخ العملة الإسلامية

تعود جذور العملة الإسلامية إلى القرون الماضية وهي فجر الإسلام عندما فتح المسلمون بقيادة النبي محمّد صلى الله عليه وسلّم أغلب أراضي المملكة العربية السعودية المعاصرة. بعد ما توفي محمد صلى الله عليه وسلّم عام 632م فتح قادة المسلمين ما يقارب جميع أراضي الشرق الأوسط وبعض المناطق في شمال أفريقيا. كان أبو بكر أول الخلفاء الراشدين ولذلك السبب أخذ زعيم داعش إسمه.

قام أبو بكر وأنصاره الخلفاء الراشدون بتنظيم حكومة دولة الخلافة المتنامية. وفي الوقت الحاضر نشر تنظيم داعش سلطته القوية في أراضي العراق وسورية وهكاذا أعادنا إلى تاريخ إقامة الخلافة. تم إعلان عن صك النقود المعدنية من قبل ديوان المال التابع لداعش وهذا المصطلح مشتقّ من عصر الخليف عمر بن الخطاب الراشد (644-634م) حيث كانت هناك المنظمة خاصة لتحصيل الضرائب والشؤون المالية التي كانت تحمل نفس الاسم.

في عصر عمر بن الخطاب قام ديوان المال بالإشراف على تحصيل ضريبة الزكاة والعطاء اللتين كانتا مقبوضتين لمصلحة الفقراء. ولكن سرعان ما أدرك الخليف أن تنفيذ كل هذه المشاريع ناهيك عن الإدارة العامة ليس فعال للدولة لأنه تم فيها تداول نقود مختلفة من بلدان مهزومة ليست لها صفة رسمية. حاول الخليف أن يصك نقودا الخاصة بدولته ولكن لم ينجح هذا المشروع.

عام 685 تولى عبدالملك بن مروان (705-685م) الخلافة وهو أشهر خليف أموي. نقل عاصمة الدولة من المدينة المنورة إلى دمشق حيث قام بتنظيم جهاز إداري ليقود البلد ذو المساحة الشاسعة من إسبانيا إلى أراضي باكستان المعاصرة.

عندما تولى عبدالملك مقاليد الحكم فتحت الخلافة الإسلامية منطقتين مختلفتين جداً وكان يستخدم هناك نوعين من العملة. حيث قبل ذلك كانت تخضع الأراضي الغربية لسيطرة بيزنطة وتداولت فيها نقود ذهبية باسم "سوليدي" مصكوكة في القسطنطينية. أما الأراضي الشرقية فكانت تستخدم نقودا فضية كانت تدعى "دراخما" مصكوكة في الإمبراطورية الساسانية السابقة في أراضي إيران المعاصرة.

بعد عدة محاولات فاشلة لصك النقود الإسلامية إختار عبدالملك منظومة ثنائية المعادن كما تسمى في وقتنا الحاضر وهكذا تم صك العملة المقبولة في الشرق والغرب وهي الدينار الذهبي الذي كان وزنه 20 قيراطا عربيا أو 4.25 غراما والدرهم الفضي الجديد بوزن 2.97 غرام. كان وزن 4.25 غرام يعادل الوحدة القياس العربية وإسمها مصقال.

وفقاً للدين الإسلامي لا يسمح بوضع صور الإنسان أو الحيوانات على النقود وبدلاً منها كتبت عليها آيات من القرآن الكريم وأشهرها "لا إله إلاّ الله ومحمد رسول الله". وأيضاً كانت ترسم على بعض المصكوكات صور ورق النخيل ورموز أخرى. ظهرت أول نقود ذهبية وفضية في الفترة بين عامي 696 و 698م.

أكّد الخليف عبدالملك قوة الخلافة المنتامية بتبديل نظم عملات الإمبراطوريات المهزومة. وفقاً للمؤرّخ أندري إيرينكرويتز "قبل بدء المآذن الإسلامية الصعود في آفاق البحر الأبيض المتوسط أعلنت الدنانير الإسلامية نهاية عصر التبعية الإقتصادية في الشرق الأوسط وبداية التحول إلى سيطرته المالية العالمية".

عودة العملة بشكل متطرف

إن تصريحات داعش حول الإصلاح النقدي تنقل أفكار الخليف عبدالملك. كما أعلن ممثل التنظيم أن النقود الجديدة ستمثّل الخروج من "النظام المالي الطاغوتي الذي فرض على المسلمين وكان سببا لإستعبادهم".

كما تخطط داعش صك النقود التي سيكون وزنها كما في العصور الماضية وبالإضافة إلى ذلك نفس تصميم الدنانير والدراهم الأموية بنفس الكتابات والرموز.

في وقتنا الحاضر ليست داعش فقط التي تتمنى إقامة النظام النقدي البديل ولكن الليبيراليون الذين يكرهون كل ما يضمن مفهوم الدولة يرغبون في العودة إلى الذهب والفضة كقيمة النقود الأساسية. ولكن كما سيقول أي خبير متخصص في الذهب من الصعب أن يتنافس الذهب مع الأوراق النقدية وسيفهم الجهاديون أن الطريق من "النظام الإقتصادي العالمي الربوي الشيطاني" إلى الحرية صعب أكثر مما كان عليه في عصر الخلافة.

على أية حال إن أبو بكر قرن الواحد والعشرين وزعماء داعش الأخرون متميزون برؤيتهم الإنتقائية فرغبتهم في العودة إلى الخلافة القديمة لا تتضمن تراث الإسلام الغني من نفس العهد، بدءاً من تسامح الخليف عمر مع اليهود في القدس وحتى إهتمام العرب بالعلم والثقافة الغربية.

والآن تستطيع داعش أن تفتخر فقط بقطع الرؤوس وخطف الناس والعبودية وإثارة الرعب في المجتمع. وصك النقود لن يغير ذلك.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق