الكائنات المعدلة وراثيا والأزمة الغذائية
الصفحة الرئيسية تحليلات

إنتقد في الآونة الأخيرة مؤلف نظرية «البجعة السوداء» الكائنات المعدلة وراثياً وأصر على ضرورة تطبيق مبدأ االحذر من هذه الظاهرة " غير المدروسة كفاية في العلوم " لأن حياة البشرية على المحك. لماذا طالب مخطئ، و نحن غير مهددون من قبل الكوارث العالمية والمنتجات المسوخة؟

ذكر عالم الرياضيات الفرنسي بليز باسكال، الذي عاش في القرن السابع عشر، سبباً يعتبر كافيا لتبرير الإيمان بالله وهو توقع المكافأة. العيش وفقا لشرائع الإيمان له وعودا أقل خطرا لأن سعر "الخسارة" في حال غياب الله ليست كبيرة جداً. ومع ذلك إذا كنت لا تؤمن بالله وهو موجود ستذهب في حالة "خسارتك" إلى الجحيم إلى الأبد. حتى لو كان إحتمال وجود الله صغيرا جدا فعواقب الخطأ سيئة لدرجة أن رفض الإيمان هو حماقة.

نسيم طالب مؤلف كتاب «البجعة السوداء» والعديد من الكتب الأخرى يعتقد أننا محاطون بمعادلات مماثلة أخرى. فكرة «البجع الأسود» تجمع بين مفهوم الأحداث النادرة التي تحدث نادرا جدا لدرجة أنه لا يمكن تقدير إمكانية حدوثها من البيانات المتاحة ومفهوم تحديد أسباب هذا الحدوث، فكرة أن المستقبل ليس من الضروري أن يكون مثل الماضي والأساليب التقليدية لإدارة المخاطر لا تعمل إذا كنت لم تتمكن إستخدام الماضي لتحديد المستقبل. لذلك لمكافحة خطر البجعات السوداء إقترح طالب وشركاءه في كتابهم إستخدام «المبدأ الوقائي» و هو مبدأ قريب من إستراتيجية باسكال.

المبدأ الوقائي ينص على أنه إذا يمكن لفعل أو حكم أن يسبب ضرراً خطيراً للمصلحة العامة (ضررلصحة الإنسان أو البيئة في جميع أنحاء العالم)، ويجب رفض تنفيذ هذا الإجراء قبل الحصول على الأدلة العلمية عن سلامته. في هذه الظروف يقع تحديد سلامة هذا الإجراء على عاتق أولئك الذين يقترحون إتخاذ هذا الإجراء و ليس على عاتق خصومهم.

طبق طالب و الآخرون المبدأ الوقائي لقضية الأغذية المعدلة وراثياً أو الكائنات المعدلة وراثياً وقد توصلوا إلى إستنتاج أنه لا ينبغي إستخدام هذه التقنية.

الكائنات والأطعمة المعدلة وراثياً

بالطبع،المبدأ الوقائي بشكل عام معقول، على الأقل في بعض الحالات. ومع ذلك هل يجب تطبيقه على الكائنات المعدلة وراثياً؟

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الكائنات المعدلة وراثياً، بغض النظر عن مزاياها تسبب الكثير من الضررحقا. هذا السؤال ليس له علاقة بنظرية الإحتمال وصنع القرار، ويقع ضمن البيولوجيا كعلم تماماً. طالب و أتباعه لا يعطون وصفاً مقنعاً لكيفية التدمير بإستخدام الكائنات المعدلة وراثياً.

الكارثة الكبرى للكائنات المعدلة وراثياً تتطور على الشكل التالي: تذوب الجينات من المحاصيل المعدلة وراثيا في الأنواع الأخرى لأن النباتات المعدلة وراثياً تتزاوج مع النباتات الطبيعية المحيطة. وهذا يخلق أنواع أحادية عالمية تعرضنا لخطر الوباء، مما يتسبب في نقص كارثي للحصاد وتصبح الإنسانية على شفا الموت جوعاً، والجميع يعاني.

يمكننا إيجاد ثغرات في كل مرحلة من هذه السلسلة من التفكير.

الأنواع الأحادية

لا يوجد أي دليل على أن التوزيع الطبيعي للجينات المعدلة يؤدي إلى ظهور أنواع أحادية عالمية. التوزيع الطبيعي للجينات المعدلة عن طريق التزاوج العشوائي هو عملية طويلة جداً، وستحدث تغييرات تطورية أثناء هذا التزاوج. وفي الوقت نفسه المحاصيل تزرع في جميع أنحاء العالم، وينبغي أن يكون ذلك الإنتشارللجينات المعدلة سريعاً وشاملاً لتتمكن الأنواع الأحادية خلال فترة قصيرة من الزمن من الظهورفي جميع أنحاء العالم و يجب أن تصبح هذه الظاهرة إستثنائية تماماً سواء من حيث الكمية أومن حيث النوعية مقارنة مع أي أحداث أو نظريات مطورة في أي وقت مضى.

بالطبع يمكن للناس زراعة الأنواع الأحادية بأنفسهم كما حدث خلال الثورة الخضراء (التغيرات المعقدة في الزراعة في البلدان النامية، وقعت في الفترة ما بين أربعينات و سبعينات القرن الماضي)، والآن يمكن القيام بذلك مع بعض الكائنات المعدلة وراثياً. ومع ذلك منذ ستينات القرن الماضي تعلمنا تخفيف بعض مخاطر إستخدام الزراعات الأحادية بإستخدام الإحتياطات مثل إنشاء بنوك البذور.

الوباء

خطر ظهور مرض وبائي عالمي الذي سيقضي على كل المزروعات المعدلة وراثياً لا يبدو واقعياً. بالطبع تحدث الأوبئة والجوائح للنباتات، والأنواع الأحادية في الواقع أكثر عرضة لها. ومع ذلك الوباء بالكاد يخرج عن حدود دولة واحدة لأن التشريع الجمركي ينظم نقل النباتات.

بالطبع، هذا لا يجعل إمكانية إنتشار الأوبئة بين الدول غير واقعية من حيث المبدأ، ولكن هل يستطيع الوباء تغطية جميع البلدان التي تزرع نباتات معينة في موسم واحد ليسبب فشل المحاصيل العالمي؟ لا. وإذا تطلب للوباء أكثر من موسم واحد للوصول إلى النباتات، فإنه لا يعد وباء، لأنه بعد الحصاد سيتم زرع نباتات جديدة كلياً تنمو من البذور السليمة وهذا يلغي التهديد.

وأخيراً،فإن السؤال المطروح ما إذا كانت النباتات المصابة بالوباء تستطيع وضع البشرية على حافة الكارثة. الجواب مرة أخرى لا. حتى المحاصيل الرئيسية مثل الذرة وفول الصويا والأرز والقمح، وتوفر أقل من خُمس إحتياجات الإنسانية في السعرات الحرارية .وبطبيعة الحال فإن فقدان أحد المحاصيل الرئيسية في العالم في سنة واحدة سيكون حدثاً رهيباً سيسبب جوعا محليا، ولكن البشرية لن تموت. و يعيدنا هذا من رهان باسكال ومبدأ الحيطة مرة أخرى إلى مجال الحكمة و المنطق السليم.

لا يمكننا القول بأن الكائنات المعدلة وراثياً آمنة تماماً. كما هو الحال مع أي تكنولوجيا جديدة هناك دائما مخاطر في الوقت الحاضر التي لم نتبئها و لن نتمكن تنبؤها. ومع ذلك فإنها لا تؤدي إلى الخطر الكارثي الذي تتحدث عنه مجموعة من المؤلفين برئاسة طالب.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق