الإتفاق الإيراني الأمريكي التاريخي
الصفحة الرئيسية تحليلات

لم تمض إلا بضع ساعات بعد تجاوز المباحثات النووية بين إيران الأجل المحدد لانتهائها الإثنين الماضي، عندما تمخضت بدل انتهائها عن تمديد المفاوضات لسبعة أشهر أخرى، حتى ظهرت ثمة علامة تشير إلى رجوع إيران علناً إلى موقفها المعهود.

كرس القائد الديني الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خلال كلمته إلى رجال الدين المسلمين الزائرين لهذه المباحثات سطرين فقط : «تحالفت أمريكا والبلاد الأوروبية الاستعمارية في الموضوع النووي واستماتوا في محاولاتهم كي تركع الجمهورية الإسلامية، لكنهم فشلوا، ولن ينجحوا في ذلك أبداً».

هذه النبرة الانتصارية، ربما عن السنتين والنصف من المحادثات بين إيران وما يسمى «مجموعة 5+1» (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، والتي قد تبدو نشازاً لأولئك الغربيين الذين يخشون أن تمديد المحادثات يجعلها عرضةً للعرقلة من جهة المتشددين من الطرفين الذين يعارضون الحلول الوسطى. إلا أن المحللين يقولون أن ذلك جزء من الجهود الرامية إلى توسيع الدعم الإيراني الرسمي والشعبي لاستمرار المحادثات وتحضير الإيرانيين ليقبلوا نتائجها مهما كانت.

وقد أقرّ السيد خامنئي خلال هذه العملية كل خطوة من خطوات المفاوضات، وازدادت مساهمته في الأشهر الأخيرة – حتى إغلاق المحادثات في الأجل المحدد في 24 نوفمبر – في تحديد مواقف إيران و«الخطوط الحمراء»، كما ازداد دعمه للدبلوماسيين الإيرانيين.

وصدرت المزيد من العلامات من خامنئي في الأسبوع الماضي تشير إلى دعمه للتوصل إلى اتفاق: التأييد المتناسق على المستوى الوطني من خطباء صلاة الجمعة وحتى كبار الضباط العسكريين، أي الأصوات التي غالباً ما كانت تنتقد المحادثات، دعماً للمحادثات والحل الوسط المحتمل مع القوى الأجنبية بقيادة العدو الأعظم القديم: الولايات المتحدة.

تقول فريدة فرحي المختصة بدراسة إيران في جامعة هاواي:

«يمكن توقع كلا الأمرين: إنهم يمهدون الطريق إما من أجل الوصول إلى اتفاق أو لحالة لا تسمح بعقد الاتفاق بسبب كثرة الاختلافات».

وتضيف فرحي: «هناك دواعي قوية لتدخل المؤسسة السياسية الإيرانية في هذه العملية بصورة موحدة بحيث يسجل الربح أو الخسارة، أو النجاح أو الفشل، على الجميع معاً... لقد قرروا أنهم يسيرون معاً في هذا.»

وأردفت فتحي: «إنه ليس تكتيك المماطلة، فمنطقهم قريب من منطق مجموعة 5+1. باقتراب أجل المفاوضات وبقاء الثغرات كان بإمكان الإيرانيين الخروج، ولكنهم، مثلهم مثل دبلوماسيي مجموعة 5+1، نظروا في أعين بعضهم فقرروا الاستمرار.»

قال وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس، والذي كان الأكثر تشدداً ضد إيران في مجموعة 5+1، أن المحادثات في الأيام الأخيرة «تسارعت»، وأنه لاحظ عند الإيرانيين «إرادة للتوصل إلى اتفاق لم أكن ألاحظها سابقاً».

روحاني يثني على التمديد

سعى الرئيس الإيراني حسن روحاني مباشرةً بعد إعلان تمديد المفاوضات حتى 30 يونيو 2015 إلى تقديم هذا الإجراء بصورة إيجابية، مع أنه يحافظ على تجميد البرنامج النووي الإيراني ويترك أغلب العقوبات الخانقة على إيران سارية المفعول.

صرح روحاني للتلفزيون الحكومي الإيراني في طهران: «لا يشك أحد في العالم حالياً أن إيران لها الحق في النشاط النووي، وأن العقوبات يجب أن تُرفع... وشعبنا انتصر هذه المرة».

وقال روحاني:

«منطقنا منطق التفاوض والتفاعل مع العالم، وسيتم التوصل إلى اتفاق عاجلاً أم آجلاً»، وتنبأ بالتحسن «من الغسق إلى الفجر إلى وضح النهار».

وفسر المسؤولون الأمريكيون كلام روحاني على أنه علامة استمرار مباركة خامنئي للمحادثات.

وعدا عن القضية النووية، يرى بعض المحللين الإيرانيين أن أكثر من سنة من التفاعلات الدبلوماسية الكثيفة بين إيران والولايات المتحدة خلال أول اتصالات من هذا النوع منذ الثورة الإسلامية في إيران في سنة 1979 قد تؤدي إلى الابتعاد عن الموقف الإيراني الحاد المعارض لأمريكا نحو علاقة أكثر فاعلية.

لا يستخدم أحد كلمة «الصداقة» بعد 35 سنة من العداء المتبادل والخلاف المكشوف والمستور بين الولايات المتحدة وإيران؛ ولكن التغيرات السياسية قد تأتي على قدم وساق بوجود عدو مشترك يتمثل بالمقاتلين السنيين للدولة الإسلامية وبوجود رغبة مشتركة في تحقيق الاستقرار في الإقليم.

يقول أمیر محبیان المحلل المحافظ الذي له علاقات وثيقة بمراكز السلطة في إيران أن حل القضية النووية "يسرّع" جميع القضايا العالقة بين الولايات المتحدة وإيران. يمكنك أن ترى أن المفاوضات تجري ليس بين مجموعة 5+1 بل بين الولايات المتحدة وإيران، وهذا يمكن أن يحسن العلاقات بينهما، إلا أن ذلك لن يحصل إلا بالتدريج».

رسالة أوباما ذو تأثير إيجابي

كان للرسالة الرابعة، وهي أحدث رسالة بعثها باراك أوباما إلى خامنئي، والتي تطرق فيها إلى المحادثات النووية وانتشار الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وقعا «جيدا» وأثرا إيجابيا في طهران، حسب قول السيد محبيان.

ولمّح السيد أوباما خلال كلمته في العطلة الأسبوعية إلى نتائج أوسع في حال تم التوصل إلى التوافق.

وقد صرح أوباما لوكالة ABC خلال مقابلة بثتها يوم الأحد: «ما يعنيه التوصل إلى اتفاق هو أننا سوف نستطيع إغلاق جزء كبير من الملفات وربما نبدأ بالعملية الطويلة التي سيبدأ خلالها التغير في العلاقات ليس بين إيران وبيننا فحسب، بل بين إيران والعالم والإقليم أيضاً.»

إلا أن خامنئي نادراً ما يتردد في استخدام الخطاب القاسي المعادي للولايات المتحدة، وكثيراً ما يعد في خطاباته المظالم التاريخية، من دور وكالة الاستخبارات المركزية في انقلاب سنة 1953 في إيران إلى نشر فيروس Stuxnet بهدف تعطيل البرنامج النووي الإيراني، ما يشير حسب قوله إلى أنه لا يجوز الثقة بالولايات المتحدة. ويوجد عند واشنطن قائمة مماثلة لا تقل طولاً عن القائمة الإيرانية.

ولكن الخامنئي سمح بالاتصالات المباشرة مع الولايات المتحدة عندما كان يعتبر أن ذلك يخدم مصالح إيران، مثل تقديم المعلومات الاستخباراتية إلى الولايات المتحدة عن طالبان في أفغانستان في سنة 2001.

ويقول محبيان أن خامنئي يمكن أن يقدم الاتفاق للشعب الإيراني كما يلي: «هذه نتيجة استقلالكم ومقاومتكم: عدوكم يحترمكم. وفي العالم كله، متى احترمكم المرء فهو لم يعد عدواً لكم.»

«هزيمة معاداة إيران»

لقد قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي قاد الفريق الإيراني في المفاوضات في فيينا أن المحادثات أدت إلى «هزيمة معاداة إيران» في العالم وتقويض «الارتياب المتفاقم» بين إيران والولايات المتحدة والغرب.

انتقدت وسائل الإعلام المتشددة روحاني الثلاثاء، وكذلك المحافظون في البرلمان، إلا أن جريدة «الشرق» اليومية الإصلاحية قالت أن حوار إيران الدبلوماسي مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة كان «تغييراً كبيراً»، وهو عبارة عن «انتصار الواقعية والعقلانية والبراغماتية».

وقالت جريدة «اعتماد» الإصلاحية أن الدعم المتناسق للمحادثات النووية بين خطباء صلاة الجمعة وتزامن الرسائل في خطبهم مع مكتب القائد الأعلى كان «غير مسبوق».

قال اللواء حسن فيروزآبادي رئيس أركان القوات المسلحة أن المحادثات «تسير بالطريقة الصحيحة». وبالمثل، قال القائد المتشدد لميليشيا بسيج الإيديولوجية العميد محمد رضا نقدي أن المحادثات «حافظت على كرامتنا حتى الآن».

صيحات المتشددين في البرلمان

لا تزال هناك شكوك عند المتشددين رغم النبرة المعتدلة في الأيام الأخيرة.

وبينما يمكن أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تبدل المواقف الإيرانية الرسمية نحو الولايات المتحدة، لا يزال المخلصون للثورة يصيحون «الموت لأمريكا!» و«الموت لإسرائيل!» في صلاة الجمعة كل أسبوع. وهذا الأسبوع تعالت أصداء هذه الصيحات في البرلمان في طهران أيضاً.

قال أحد قدماء المراقبين في إيران والذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه: «يقول الكثيرون أن معاداة أمريكا جزء من هوية الثورة، لذا فهذا تغير كبير جداً. كيف يمكن أن تبقى [الثورة] على قيد الحياة، كيف يمكنها أن تصل إلى اتفاق [حول القضية النووية] وتحتفظ بهذه الهوية في نفس الوقت؟»

ويعقّب المراقب بتهكم:

«ولا يزال خامنئي يقول: "لا يمكننا أن نثق بأمريكا"؛ إذن، دعنا نجلس لساعات وأيام وشهور ونبذل قصارى جهدنا لنصل إلى اتفاق مع هؤلاء الناس الذين لا يمكننا أن نثق بهم».

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق