كيف يجب قراءة الأخبار المالية؟
الصفحة الرئيسية تحليلات

على الصورة: وليام دادلي، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. ديفيد ستابس/ رويترز

قبل عدة سنوات، عندما كنت أدرس الدراسات العليا وكنت فقيرا ومتواضعا، كنت أدرس في دورات تعليمية للاستعداد إلى امتحانات GMAT وLSAT . كنت أفهم تماما المنطق الداخلي ونظرية الألعاب اللازمة للنجاح في الاختبارات الموحدة، وكان يمكنني أن أفسر التقنيات اللازمة للنجاح في هذه الامتحانات لأي شخص.

كانت إحدى المهارات الأساسية للطلاب في الامتحان هي مهارة الفهم الجيد و السريع للمواد المقروؤة. كنت أعلم ما أسميه بالقراءة النشطة. يحتاج هذا الأسلوب إلى أن يعامل القارئ النص بمنتهى الصرامة والمنطق، إذ عليه فهم الاستنتاجات من كل جملة، و أي من التصريحات كاذبة وما هي الخطوات المنطقية الغير مبررة. طبقت مثل هذا النهج المتشكك على كل النصوص.

أستخدم العضلات العقلية التي ربيتها آنذاك حتى اليوم. يمكنني أخذ أي مقال صحفي عشوائي أو تقرير تحليلي وسأكتشف فيه الثقوب والعيوب المنطقية بمجرد طرح الأسئلة التي لم يجب عليها الكاتب. تمكننا ممارسة القراءة النشطة في كثير من الأحيان أن نرى أن نصوص الأخبار ناقصة وتفتقر للمعلومات المفيدة، والتقارير التحليلية عادة ما تكون مليئة بالتشوهات والأخطاء المنطقية.

وأنا أفهم أن هذا التصريح قوي جدا. لتوضيح ذلك سوف آخذ مادة عشوائية وأحللها باستخدام النهج المتشكك. إن قرأت هذا النص حتى النهاية ستفهم بشكل أفضل لماذا أوصي بتجاهل الأخبارفي غالب الأحيان، وآمل أنك ستغييرعلاقتك تجاه المواد المنشورة في وسائل الإعلام إلى الأبد.

أمس قرر أحد المؤلفين تحليل مخاوف المستثمرين.وإقتبس العديد من الاستراتيجيين والمديرين في مقاله. إخترت هذا المقال لأنه مكتوب بشكل جيد وفيه بحوث. ومع ذلك يمكن أن تفعل ذلك مع أي مادة أو أي بحث، بغض النظر عن من هو المؤلف و ماهو تاريخ النشر.

«ارتفعت أسعار الأسهم عاليا و بسرعة فأثارت قلق المستثمرين ».

ما هو علو ارتفاع أسعار الأسهم بالمقارنة مع الطفرات الماضية؟ أين نحن بالمقارنة مع متوسط السوق الصاعدة؟هل يشبه الوضع الحالي ما حدث خلال دورات السوق السابقة، أوأنه يبرز ؟

لفهم هذا التصريح علينا وضعه في السياق التاريخي.

هل يستند القول عاليا و بسرعة شديدة« إلى بيانات؟ أو أن هذا مجرد افتراض غير مبرر؟

دعونا نواصل:

«أنصح المستثمرين الذين يشعرون بالقلق من النتائج على المدى القصير باتخاذ موقف دفاعي وتخزين عملات نقدية إضافية لزيادة المجال للمناورة،». يقول ديفيد جوي كبير محللي السوق في صندوق Ameriprise Financial، الذي يتحكم بحوالي 810 مليار دولار.

ما هي النتائج المسبقة لديفيد جوي؟هل إاتطاع توليد الألفا أو أرباح أعلى من السوق، واختيار لحظة مناسبة للتوصل الى اتفاق على المدى القصير؟ ما عدد الخسائر التي تجنبها باتخاذه موقف دفاعي؟ ما هي كميات الربح الذي فاته بسبب جلوسه »مخبأً»؟ وبشكل عام، هل يقدر مديرو الأصول الذين يتحكمون بما يقارب التريليون دولاربيع و شراء الأسهم بشكل حاذق للاستفادة من التقلبات قصيرة الأجل في السوق؟

إن الإجابات على هذه الأسئلة سوف تساعدنا على فهم ما إذا يجب علينا تصديق توصيات جوي.

لنواصل:

«توقف المجلس الاحتياطي الاتحادي عن شراء السندات ويستعد لرفع أسعار الفائدة في العام المقبل. يقول جوي أن احتمال ارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن ينشر الفتنة في الأسواق ».

ما هي العلاقة المتبادلة بين ارتفاع أسعار الفائدة وسلوك الأسهم في الماضي؟ ما هي العوامل المهمة: اتجاهات إعادة تقييم العملة، التضخم، أرباح الشركات؟

«قال آدم باركر، وهو خبير بارز في الأسهم الأمريكية في Morgan Stanley أن فترة التراجع قد انتهت بالفعل، وأنه الآن هو الوقت المناسب للشراء».

و تهمنا الأسئلة المشابهة فيما يتعلق بباركرو إنجازاته وخبرته. ليس من الواضح كيفية تفسير تصريحاته و مدى صحتها خارج السياق. وهذه مشكلة شائعة جدا في الأخبار،عدم وجود أي معلومات عن الخبراء المقتبسين و شخصيتهم و السبب الذي يقنعنا بالاستماع إليهم.

«يقلق زبائننا حول نمو السوق في السنوات الخمس الماضية وزيادة أسعار الأسهم،» يقول سكوت رين، كبير المحللين في شركة Wells Fargo Advisors.

هل زادت غلاوة سعر الأسهم بالفعل؟ ماذا يقولون عن تقييمهم المقاييس المختلفة؟ هل تتواجد الأسعار في نطاقها النظامي؟ ما هي العوامل التي يمكن أن تخفف أو تزيد المخاوف بشأن التقييم الغير مبرر؟

ويشار في المقال أنه «زاد الS&P 500 منذ مارس 2009 بثلاثة أضعاف تقريباً»، لكنه لم يذكر أن في مارس 2009، إرتفع السعر بعد انخفاضه بنسبة 57٪. وليس من الواضح، هل هذه الزيادة في الأسعار نموذجية أو شاذة بعد ركود كهذا؟ ما هي أفضل وسيلة لإعطاء السياق في هذا الوضع: إعطاءالمعلومات منذ الركود السابق أو ينبغي أن نذكر فترة زمنية أطول؟

«إن مؤشر الS & P 500 يتداول ب18.5 مرات أعلى من الدخل المعلن للشركات المتواجدة به في الأشهر ال 12 الماضية. تبلغ عن هذا وكالة Birinyi Associates. المعدل المتوسط على المدى الطويل هو 15.5. الأسهم غالية الثمن، ولكن غير غالية بجنون، كما كان الحال في عام 2000، عندما كان الS & P 500 ب40 مرة أكبر من الربح. كانوا بهذه الدرجة من الغلاء قبل فترة وجيزة حتى عام 2008، ولكن لم تكن إعادة تقييم الأسهم آنذاك المشكلة الرئيسية، كانت المشكلة تتعلق بالعقارات والإئتمان».

في هذه الفقرة، يفعل المؤلف تماما الشيء ما كنا ندعو لفعله طوال الوقت إنه يقارن النتائج الحالية مع النتائج السابقة، ويوضح من أين أتت البيانات ويضع المخاطر في سياق طويل الأجل. إن هذه الفقرة تحوي أكبر قدر من المعلومات في المقال بأكمله حتى الآن.

«جوزيف ميزريتش رئيس الاستراتيجية الكمية الاستثمارية في وكالة Nomura Securities، يقيس الزيادة في الايرادات، لفهم ما إذا كان الارتفاع في أسعار الأسهم مبرراً. يتم التداول على الأسهم بسعر 7٪ من نمو الأرباح، وهو أمر طبيعي. يقول جوزيف:"ليس هناك أي فقاعة وفقا لتقديراتي، S & P 500 يمكن أن يرتفع ب5٪ و هذا لن يجعله مبالغاً في قيمته».

سوف تهمنا الأشياء التي كانت مهمة لنا في حال جوي وباركر في حالة ميزريتش أيضاً. خبرته، وإنجازاته، و الأسباب لماذا يجب أن نستمع إليه.

يقول رين من Wells Fargo: »يتشكل مصدر القلق الأساسي بالنسبة لعملائنا في ما إذا كان الاقتصاد سينخفض إلى الركود».

ما هو احتمال بداية الركود في المستقبل القريب؟ ماذا نستنتج من حقيقة أن «الخوف الرئيسي» لعملاء بنك كبيرهو حدوث الركود؟ هل هذه هي نبوءة السوق الهابطة، أم يتوقع أن الأسهم سوف تستمر في النمو؟

السؤال الأهم هو: ماذا سيعني الركود بالنسبة للأسهم؟

«أرباح الشركات تنمو بأقل من 9٪ سنويا، وأبطأ بكثير مما كانت عليه في بداية التعافي من الركود. يقول رين للعملاء أن هذه هي وتيرة طبيعية، لكنهم لا يزالون يخشون ويبقون مالا نقدياً أكثر مما كان يوصي لهم ».

لماذا نمت الأرباح بشكل أسرع من قبل؟هل كان انخفاض الدخل من S & P 500 أثناء أزمة 2008-2009 له علاقة بسرعة الانتعاش؟ معدل نمو الأرباح ب9% سنويا كثير أم قليل؟ ماذا يعني هذا المعدل بالنسبة للزيادة طويلة الأجل في الايرادات بنسبة 6٪ سنويا؟ هل تتعلق مخاوف العملاء بحقيقة أن النمو سريع جداً أو أنه بطيء؟

«أنا لا أعرف أي شخص يؤمن بأن الأرباح في النصف الثاني ستسقط».

على أي أساس يعطينا باركر من Morgan Stanley توقعات ضخمة لنمو الأرباح؟ هل تستند هذه التوقعات على البيانات؟ ما مدى صحة هذه التوقعات؟

« في الماضي كان هناك جانبين من جوانب الجغرافيا السياسية تهم الأسهم فقط: سعر النفط ومشاركة الجيش الأمريكي في الصراع. هذا الأخير غيرمرجح، لذلك يركز المحللون على النفط ».

وهذا مثال آخر عن فقرة مبرهنة توفر السياق والتحليل التاريخي. وسيكون مفيداً جلب الأدلة الداعمة، لكننا لا نراها كثيرا في المواد الإخبارية اليومية (للآسف الشديد).

«القادة في عالم الاستثمارات اليوم هي صناديق التحوط، وتستخدم مصادر القروض التي يصعب تتبعها، يشرح روت. لا أحد يعرف حجم دينها الحالي. إذا احتاجت صناديق التحوط الحصول على النقد بسبب هبوط أسعار الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر التي قاموا بها باستخدام الأموال المقترضة، لا أحد يعرف مقدار الأسهم العادية ذات المخاطر المنخفضة التي سوف يحتاجون إلى رميها إلى سوق الأسهم ».

هذا التصريح غير صحيح. تدير صناديق التحوط أقل من 3 تريليون دولار وإجمالي قيمة الأصول المستثمرة يقارب 100 تريليون دولار. وبالإضافة إلى ذلك، لا يوجد أي دليل على أن صناديق التحوط هي مصدر لعدم الاستقرار المالي.

الشيء الرئيسي أثناء القراءة النشطة هو البحث عن أساس لأي اقتراح لكي يشير إلى ما إذا كان متكاملاً من وجهة نظر المنطق. كما ترون معظم مقتبسات المقال المذكورة في ورطة كبيرة من وجهة نظر المنطق .

البيانات مهمة من أجل فهم ما يحدث في السوق. ولكن البيانات دون سياق لا معنى لها. عادة الافتراضات غير مبررة والخرافات والذاتية يحلان مكان المنطق في هذه الحال.

bloombergview.com

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق