في معظم الأحداث التاريخية العالمية كان لا مفر من الحرب. النزاعات المسلحة كانت امتدادا طبيعيا لهذه السياسة. اليوم إذا لم يعمل الإقناع تبحث القوى السياسية أولا وقبل كل شيء عن الخلاص في النضال الاقتصادي. كيف يعمل هذا؟
في الوقت الذي يفوت فيه الأوان للإدانة العلنية ويكون مبكراً جدا للقصف يحين وقت العقوبات الاقتصادية. إنه من الصعب تنظيمها، و هي لا تضمن التأثير المطلوب ويمكن أن تلحق الضرر بالمواطنين الأبرياء والموظفين الملتزمين بالقانون. ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا أصبحت أحداثا مناسبة للاختبار النهائي لفعالية هذه التدابير.
روسيا ليست أول من يتعرض لذلك
زادت شعبية التدابير المالية كبديل للتدخل العسكري في القرن الحادي والعشرين. منذ عام 2000 الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا واليابان وإسرائيل وروسيا وكوريا الجنوبية والمنظمات الدولية قاموا بفرض عقوبات على مختلف البلدان 20 مرة على الأقل، بما في ذلك ميانمار والسودان وسوريا. وأكثر من استخدم هذا السلاح في العصر الحديث الذي هي الولايات المتحدة، التي قامت في القرن العشرين أكثر من 110 مرة بتقييد الواردات والصادرات والاستثمارات والمعاملات المالية الأخرى لتوجيه السياسة في اتجاه مختلف، وتحويل برنامجها للأسلحة أو تغيير الحكومة في البلدان الأخرى.
أصبحت وزارة الاقتصاد الأمريكية لاعباً مهما في مسائل الأمن القومي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. يدير«ثوارها المطقمون»، كما يسمون أنفسهم، 37 برامج عقوبات مستهدفين الحكومات والأفراد والجماعات الإرهابية أو المنظمات الإجرامية في 20 دولة في العالم. تختلف أساليب هذه المجموعة إبتداء من تجميد أصول أباطرة المخدرات المكسيكية والأليغاركيين الروس إنتهاء بحظر التعامل مع إيران وكوريا الشمالية. العقوبات التي فرضت على إيران منذ عام 2010 من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي أخافت الدول المستوردة للنفط الإيراني، خنقت اقتصادها، بانخفاض العملة، و رفعت التضخم إلى السماء وساعدت حسن روحاني بالفوز في الانتخابات الرئاسية في عام 2013 بسبب وعده أن يضعف هذه التأثيرات. جددت إيران المحادثات حول الأسلحة النووية في غضون بضعة أشهر، و قامت بتنازلات محدودة و لكن مهمة من الناحية التاريخية.
الخلفية التاريخية
يرجع أول إستخدام موثق للضغط الاقتصادي لأغراض سياسية إلى اليونان القديمة (دولة مدينة ميغارا حظرت التجارة مع أثينا في 432 قبل الميلاد).
استخدمت وزارة الاقتصاد الأمريكية العقوبات الاقتصادية لأول مرة قبل حرب عام 1812 ضد بريطانيا. كان وودرو ويلسون الزعيم الحديث الأول، الذي سعى لاستخدام الضغوط المالية كبديل لعمل عسكري. العقوبات الأكثر فعالية (وقسوة) هي تلك العقوبات التي تفرضها عدة بلدان.أدت المقاطعة العالمية لجنوب إفريقيا بسبب سياسة الفصل العنصري في ثمانينات القرن الماضي إلى الانتخابات التي كانت بداية حكم الأغلبية السوداء.
على الأرجح أسوأ مثال على العواقب الغير المقصودة هو الحظر النفطي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان، والذي أدى في النهاية إلى قصف بيرل هاربور. وقد انتُقدت العقوبات ضد نظام صدام حسين في العراق لكونها غير فعالة و موجهة بشكل خاطئ وفاسدة وقد أظهر الوقت أن بفضل هذه العقوبات تم توقيف تمويل أسلحة الدمار الشامل.
تظهر المجادلات حول العقوبات التي يمكن أن تمنع العمليات الروسية في أوكرانيا مدى صعوبة تطبيقها بشكل صحيح. العلاقات التجارية في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الاعتماد على الغاز الروسي أدى إلى الاستنفارمن الحظر التجاري في الدوائر التجارية، لأنه يمكن أن يضر الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا.
- في البداية كانت العقوبات موجهة نحو أفراد معينين أو صناعات أو منظمات، مع استثناءات للمنتجات الغذائية والإمدادات الإنسانية.
- رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في يوليو المعدلات بمرتين عن طريق إدخال القيود على وصول الشركات الروسية إلى الأسواق والإئتمان والتكنولوجيا.
- وفي سبتمبر، شددت العقوبات الجديدة القيود بشأن الشركات المالية وشركات الطاقة والدفاع الرئيسية، وحظرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التعاون مع روسيا في مشروع القطب الشمالي.
- وفي نوفم عندما صرح حلف شمال الأطلسي بأن روسيا قد أدخلت الدبابات والقوات إلى شرق أوكرانيا، اتفق وزراء الإتحاد الأوروبي تجميد الأصول وحظر دخول أفراد معينين لكنه امتنع عن فرض عقوبات أكثر صرامة.
ربما تتمركز الحالات الشديدة للعقوبات في كوبا وكوريا الشمالية، حيث لم يتمكن الحصار التجاري للولايات المتحدة لأكثر من نصف قرن من تغيير الوضع السياسي. تميل الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية التي تهتم بالرأي العام وتعتمد على التجارة والتمويل العالميين للرد على العقوبات، في حين أن الأنظمة الاستبدادية المعزولة لا ترد عليها. بالنسبة للعقوبات المفروضة على روسيا فإنها خفضت أسعار الأسهم الروسية، وضعّفت الروبل وأظهرت خطر الركود. السؤال هوهل يكفي ذلك لكي تغير الحكومة الروسية سياستها الخارجية. تبين تجربة الأزمتين السابقيتين أأن هذا بالكاد يكفي.