العواقب التي من الصعب التكهن بها
الصفحة الرئيسية تحليلات

من الممكن أن يصبح هبوط أسعار النفط من أكثر الأحداث تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد العالمي منذ أيام الكساد العظيم. ولكن كما حدث أكثر من مرة قد تؤدي هذه الظواهر الإيجابية إلى قضايا أكبر مما يمكن أن نتوقعه. فما هو الذي يجب أن نتوقعه في هذه المرة؟

شهدنا مؤخرا كيف كانت ترد الأسواق الأمريكية على التحديات الاقتصادية وكيف كانت الأسواق تدافع عن نفسها حيث انخفضت أسعار الأسهم الأمريكية بنسبة 3% خلال هذا الشهر تقريبا، أما سعر السندات الحكومية فيزداد تدريجيا ما يؤدي إلى انخفاض معدل الفوائد. هذا يحدث عادة إذا كان المستثمرون يستعدون لظروف اقتصادية أكثر قسوة.

ولكن الأمر ليس في النفط فحسب بل تراجع سعر نفط برينت هذا خلال الأشهر الستة الأخيرة على التوالي بنسبة أكثر من 48% هو جزء من الفسيفساء الاقتصادية الجديدة الذي يغير المؤشرات الاقتصادية العالمية بشكل كبير.

أدرك المستثمرون أن الاقتصاد العالمي اليوم يختلف كثيراعن الاقتصاد الذي تعودنا عليه خلال السنوات الأخيرة.

الصين التي كانت تبدو خلال وقت طويل محركا للنمو الاقتصادي العالمي تبدو ضعيفة اليوم حيث يسبب هذا الضعف انخفاض أسعار المواد والسلع الأساسية والموارد الصناعية مثل النفط والحديد. وتزداد نسبة الأموال المقرضة للناس في الدول النامية التي كانت تمثل تلك القوة الاستهلاكية التي كان يحتاج إليها العالم للحفاظ على الطلب العالمي على مستواه المستقر، ولكن في البلدان الغنية تمكن الناس من ترتيب أمورهم المالية جيدا. وسجل الاقتصاد الأمريكي في الفترة الأخيرة نموا مميزا ما أدى إلى تقوية مواقف الدولار حيث ازدادت قيمة الدولار في هذه السنة بنسبة 9.9% حسب المؤشر الأمريكي ICE .

من المنطقي أن نفترض في هذا الصدد أن المستثمرون يختارون إمكانية التعرف على الظروف الاقتصادية الجديدة وعلينا أن نأمل أن الأمور فعلا مثل ما نراها حاليا.ولكن يمكننا أن نعتقد أيضا أن الكثير من الشركات الكبرى والتجار لم يتوقعوا وقوع مثل هذه التغيرات الجذرية في الساحة الاقتصادية ولذلك لن تتمكن اللحاق بالسوق في هذه الأجواء الاقتصادية الخطيرة.

وفي صيف عام 1997 لم يتوقع أحد أن خفض قيمة البات التايلاندي سوف تؤثر بصورة جدية على الأوضاع السائدة في الأسواق العالمية ولكن هبوط العملة التايلاندية أصبح مؤشرا على موجة انسحاب الرأسمال من الدول الآسيوية النامية، وشهدت كل من الفلبين وماليزياوكوريا الجنوبية أزمة مالية قوية حيث بدأت الشركات الآسيوية تعلن عن عجزها عن السداد خلال فترة الخريف على خلفية تزايد تداعيات الأزمة.

ومن ثم اجتاحت موجة الهجوم من قبل المضاربين الماليين روسيا ما أدى إلى هبوط قوي لقيمة العملة الروسية. وعندما أعلنت روسيا عن عجزها عن السداد في أغسطس عام 1998 أعلن صندوق التحوط الكبير Long-Term Capital Management الذي كان يقرض الرأسمال من عدة البنوك من وول ستريت عن إفلاسها وهذا كان تحديا مباشرا لأمن النظام المالي الأمريكي عموما. وما حدث؟ قام مجلس الاحتياطي الأمريكي بشراء الالتزامات المالية بملغ 3.6 مليار دولار على حساب مجموعة من البنوك الاستثمارية الكبرى.

ولم تنس الأسواق حتى الآن تلك الأسطورة مع صندوق Long-Term Capital Management حيث بالرغم من أن أعضاء صندوق Long-Term Capital Management كانوا من أذكى الناس من الدوائر الأكاديمية (بما فيهم شخصان حائزان على جائزة نوبل) ومن وول ستريت (مثلا التاجر الكبير جون ماريفيزيرا من Salomon Brothers)‎ وغيرهم من المحترفين الماليين لم يقدر الصندوق على تكهن تلك الأحداث التي قد أدت إلى إفلاس الشركة.

يعني ذلك أن المشكلة ليس في عدم وجود المحترفين حيث البعض منهم فقط كانوا يتوقعون أن انخفاض قيمة العملة التايلاندية قد يؤدي إلى العاصفة المالية في وول ستريت وإفلاس Long-Term Capital Management.لذلك من الصعب للغاية أن نصدق أن هذه التغيرات والتقلبات القوية التي تشهدها سوق النفط والدولار الأمريكي في نفس الوقت لن تكون لها تداعيات وعواقب خطيرة في المستقبل القريب أو الطويل الأجل.

وهذا هو الذي نتوقعه اليوم. إربطوا حزام الأمان. رحلتنا قد بدأت.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق