التمسك بالسرج الذهبي
الصفحة الرئيسية تحليلات

في غضون الأزمة الاقتصادية لعام 2008 انتشر رأي بأن انهيار السوق الذي وقع آنذاك لم يكن إلا تجربة للانهيار العظيم إثر مستوى عالي من حمولة الديون. في الأشهر الأخيرة أصبح هذا التنبؤ أقرب إلى الصحة وذلك أن الأزمة القادمة الأكثر صعوبة لا مفر منها.

انقسم الاقتصاديون إلى معسكرين بخصوص العواقب الاقتصادية للأزمة: أنصار التضخم وأنصار الانكماش المالي.

يعتبرأنصار التضخم أن الحكومات المنغمرة في الديون ستتصرف كالعادة، وبدلاً من أن يكفوا عن تملئة الاقتصاد بالعملة سيزيدون من كميتها ما سيزيد من التضخم وهذا ما يؤدي إلى انهيار سعر العملة حتماً.

أماأنصار الانكماش فمتأكدون أن انهيار السوق سيؤدي إلى انخفاض الأسعار وبما أن مستوى الدين عالي جداً فالانكماش المالي سيكون عميقاً.

تتم المجادلة حول هذه الطرق سجالاً بين الطرفين ولكن لا أحد يدرك أنه ليس من المهم من تناصر تضخم العملة أم الانكماش المالي. فالأمر مختلف تماماً.

منذ فترة جادل بحرارة بعض الممثلون البارزون لمعسكر الانكماش المالي عواقب الانهيار الشديد المتوقع قريباً لمؤشر Dow في البداية إلى 6000 نقطة ومن ثم إلى 3300، وقد توقعوا أنه نتيجة هذا الانخفاض ستحل الأزمة في سوق العقارات، وسينهار الذهب إلى 750 دولارا، أما مستوى البطالة فسيترفع كثيرا.

رد أنصار التضخم على ذلك أنه في حال حدوث أزمة الحكومات ستشعر باقتراب الانكماش المالي وستبدأ بسك النقد بسرعة جنونية. وتدعمهم في هذا التصريحات المستمرة للرئيس الأسبق للنظام الاحتياطي الفدرالي بين بيرنانكيه بأن الانكماش غير مقبول والمصرف الاحتياطي الفدرالي سيقوم بصك عملة بقدر كاف لتجنب الانخفاض المتوقع للأسعار.

كلا المعسكرين من الاقتصاديين يغفلان عن العامل المهم، فأنصار الانكماش المالي يعللون عواقب الانكماش ويتوقفون عند هذا ، وقلما يعلقون على التطورات المقبلة ألا وهي ازدياد المعروض النقدي.

أما أنصار التضخم فينسون الواقع وأن الأزمة العميقة ستأتي بغتة وستسحب معها سائر الأسواق. والنقد المصكوك حديثاً لن يفيد في اعتراض القوة الانكماشية للأزمة. الشيء الوحيد الذي يجوز أن نأمله في مثل هذه الحال هو أن النظام الاحتياطي الفدرالي وغيره سيكونون على أهبة الاستعداد لرد الفعل السريع يزيادة المعروض النقدي في التداول (وليس فقط بطريقة إقراض المصارف التي تتبع الآن) وذلك ليتولى ارتفاع الأسعار أدباره وللعودة إلى التضخم المسيطر عليه.

هل تقترب أزمة الأوراق المالية؟ بالطبع نعم ويبدو أنها ستكون أكثر تعقيداً من أزمة 2008.

هل يتوقع التضخم بل وحتى التضخم الشديد؟ والجواب نفسه: نعم.

متى ستبدأ الأزمة وكيف سيكون مظهرها؟

هذا هو السيناريو الموجز لتطور الأحداث:

  1. سينهار مؤشر Dow إلى الأسفل على شكل هزات وستتخللها توقفات على شكل انتعاش وهمي.
  2. الانهيار يزداد ويزداد ويظهر عدد لا يحصى من الناس الذين اشتروا الأوراق المالية مستغلين الفروق في الأسعار والذين يبيعون كل شيء لتغطية خسائرهم. وكذلك يضحون بالمشتقات المالية على الذهب حتى ولو بقي ملاك الذهب على ثقة منه. يحاول المستثمرون تغطية خسائرهم بأي ثمن.
  3. تزايد بيع الذهب يؤدي إلى انخفاض سعره البحت.

هذا هو سيناريو أنصار الانكماش المالي وهو منطقي (والتقدير الأكثر انتشاراً للسعر الأدنى للذهب يتراوح من 750 إلى 1000 دولار). ولكن هذا السيناريو سيتحقق إذا اضطر كل ملاك الذهب على بيعه فقط .

ربما سيكون التسلسل الواقعي للأحداث شبيهاً بالتي حدثت ضمن ديناميكية انخفاض سعر الذهب وذلك لأن تطور انخفاض السعر يشجع من يدرك أهمية الذهب فيشتريه بأكبر كميات ممكنة. وهذه المشتريات تغدو أساساً لتشكل الحد الأدنى لسعر الذهب.

كما ويجوز انخفاض شديد وغير متوقع للأسعار وهذا ما سيثبت صواب رأي أنصار الانكماش المالي، ولكن في هذا العصر الرقمي يجوز القيام بالمشتريات بنفس سرعة تطور الانخفاض. وقد تحدث "مسابقة رعاة البقر" أي أن الانخفاض المفاجئ لسعر الذهب ستعقبه مباشرة ارتفاعات سريعة نظراً لازدياد الطلب عليه.

من المرجح جداً أن سعر العقد الاشتقاقي على الذهب سيبقى على حده الأدنى أطول من سعر الذهب نفسه، وهذا سيؤدي إلى تصفية بعض الشركات حتى القوية منها. ولكن كما يفترض أنصار الانكماش المالي سعر الذهب حتى ولو انخفض إلى 750 دولار لن يبقى على هذا المستوى طويلا. قد يكون الانتعاش بعد الأزمة سريعاً إلى حد ما.

السوق متنوعة كما لم يسبق. حتى الآن قليل من الناس اعتبروا الذهب بأنه مثيل للأسهم. كثيرون منهم غادروا السوق من جراء انخفاض المشتقات المالية للذهب وعلى الأرجح أن معظم أصحاب الذهب هم الذين يعرفون جوهره الحقيقة. كلما زاد قسط الذهب الذي بحوزتهم زاد تحديد السعر الأدنى للذهب.

مهما انخفض سعر الذهب فإنه سيستقر بعد فترة. سيؤدي الازدياد الحتمي للتضخم إلى تجدد الاهتمام بالذهب من قبل الذين غادروا السوق وهذا سيكون بداية ازدياد سعر المعدن. عندما سيبلغ سعر الذهب 2000 دولار سيبقى الناس الذين لا يفرقون بين الاستثمار في الذهب والاستثمار في الأسهم يدركون جوهره الحقيقي ولكن سيبذلون قصارى جهدهم للانضمام إلى عداد الناجحين المنتصرين. عندئذ ستبدأ فترة التضخم الجنوني إلى جانب "الحمى الذهبية".

مهما انخفض سعر الذهب نتيجة الانكماش المالي فإنه سيرتفع حتماً من جديد كطائر العنقاء وهذا سيسبق كثيراً عودة أسعار سائر الأصول إلى ما كانت عليه.

الذهب سيصبح الأفضل في الأصول.

وهذا يعني أن المستثمر لا فرق لديه ما الذي ستواجهه السوق التضخم أم الانكماش، إذا كلاهما محتمل. بدأت مسابقة رعاة البقر والفرس تجري بأقصى سرعتها. قريباً ستفتح أبواب الترويض وستحاول الفرس بكل ما لديها من قوة إسقاط راكبها، وإذا نجحت في ذلك فلا فرق لديها إلى أين سيسقط الراكب إلى اليمين أو إلى اليسار، إذ الغرض الوحيد هو التمسك بالسرج.

في مصطلحات سوق الأوراق المالية هذا يعني أنه لا بد للمستثمرين الامتناع عن المدفوعات المعرضة للخطر وتفضيل الاستثمارات التي لن تتأذى عند نهاية سباق الخيل.

إذا كانت الأموال مستثمرة في معدن ثمين فليس من المهم ما إذا انخفض سعره إلى 1000 أو 750 دولار كما ينبأ عليه أنصار الانكماش المالي. الشيء الوحيد المهم هل بمقدور المستثمرين التمسك بالسرج الذهبي حتى نهاية سباق الخيل أم لا.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق