حماية البيئة
الصفحة الرئيسية تحليلات

قد تبدو المقاربة العالمية لمكافحة تغير المناخ التي استعرضت هذا الشهر خلال مؤتمر الأمم المتحدة في ليما مقاربة ساذجة: بدل تعيين الحدود الإلزامية لانبعاث غازات الدفيئة، يعتمد الاتفاق المعقود على أن البلدان ستتصرف بحسن نية فتقوم بتعيين الحدود الخاصة بها بنفسها. هل يمكن أن يكون هذا الاتفاق فعالاً؟

في الواقع، هناك ما يدعو للتفاؤل، فهذا الاتفاق يمكن أن يوصلنا فعلاً إلى الطريق نحو الحل طويل الأمد.

غالباً ما يصنف تغير المناخ ضمن صنف «مأساة الموارد المتاحة للجميع». إن البيئة المستقرة والصحية من مصلحة كل العالم، وهي مشتركة بيننا جميعاً، ولكن كل بلد يسعى إلى الاستمرار في استخدام الوقود الذي يهدد بتخريب بيئتنا. ونتيجة ذلك قد يؤدي السعي وراء المصالح الضيقة إلى تضرر الجميع.

يطرح التحليل المبسط، مثلاً بناء على أبسط مبادئ نظرية الألعاب، حلين اثنين فقط: إنشاء مؤسسة دولية مخولة بتعيين حدود انبعاثات غازات الدفيئة لكل بلد على حدة أو تحديد سعر حجم الانبعاثات وتخويل شركة خاصة بقبض هذه الرسوم، وإلا فسوف تستمر البلدان، كل على حدة، بالسعي وراء مصالحها لأنها تتوقع أن البلدان الأخرى جميعها تسعى وراء مصالحها أيضاً.

ولكن الواقع، ولحسن الحظ، ليس بهذه البساطة. بيّنت المرحومة ألينور أوستروم المختصة في العلوم السياسية والحائزة على جائزة نوبل أن الناس ينجحون في حل مثل هذه المشاكل التي تتطلب تنسيق الجهود.

مثلاً، قام صيادو سرطان البحر في ولاية مين بتطوير نظام حماية المياه يضمن تكاثر سرطان البحر، حيث قسّموا المياه الساحلية إلى سبع نطاقات يدير كل نطاق منها مجلسٌ محلي، ويمكن أن يشارك في جلسات المجلس جميع الصيادين المرخصين. استطاعت هذه المجالس عن طريق المفاوضات أن تطور وتحدد قواعد خاصة بها متوافقة مع الخصائص المحلية من أجل الحفاظ على أعداد سرطان البحر وعلى صيده؛ ولم يكن هذا ليتحقق عن طريق الإدارة الحكومية من الأعلى إلى الأسفل.

وبالتالي يمكن أن ننظر إلى الاتفاق الموقع في ليما على أنه خطوة نحو صيغة طبيعية للتعاون، وضمنها يمكن أن يؤدي التفاعل والتناقش والتفاهم المتنامي إلى القرار المطلوب.

لا يصح حصر البشرية ضمن اختيار إما الكارثة أو الحكومة العالمية نتيجة تمثيلها بنموذج مفرط التبسيط.

لا ننسَ أن البحث عن حل المشاكل الجماعية قد يكون صعباً. يسمح عمل أوستروم بالاستنتاج أن الناس لا يحققون أهدافهم إلا إذا تمكنوا من تبادل الآراء بفعالية بين بعضهم، وعندما تتاح لهم مصادر المعلومات التي يثقون بها، وعندما توجد طريقة لحل الخلافات التي لا مفر منها. تسمح هذه الآليات بدراسة مختلف القرارات الممكنة والمضي قدماً بالتدريج؛ وإلا تجد أطراف النقاش نفسها محبوسة في إطار النظرية المبسطة التي تضمن الفشل.

من دواعي التفاؤل أن هذا الاتفاق يمكن أن يكون دفعةً نحو إنشاء بعض الآليات. مثلاً، يتطلب الاتفاق من جميع البلدان التصريح عن خططها على موقع ويب موحد كي يستطيع أي شخص الاطلاع على سلوك كل بلد، وما هي البلدان التي تعمل بحسن نية وتقوم بالمساهمات الأكبر. يفترض أن يضمن ذلك دور الرأي العام والمعايير التي اعتبرتها أوستروم عوامل رئيسية لحل مشاكل تنسيق الجهود. ويساعد الالتزام بالمعايير المشتركة – كما حدث في مناطق صيد سرطان البحر – في توجيه أفعال جميع الأطراف المشاركة نحو تحقيق الأهداف المشتركة.

وهنا تكمن المفاجأة: يسمح الاتفاق الدولي، سواء بقصد أم بلا قصد، بتحقيق أكثر النتائج فعالية في تأسيس التعاون ودعمه، وقد يتبين أن ما حدث في ليما له أهمية بالغة.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق