ماذا يحدث إذا وزعنا المال على الفقراء؟ هل سينفقونه بلا تفكير على المشروبات؟ أم يستثمرونه فيضاعفون الهدية التي حصلوا عليها؟ هل الصناديق الخيرية تخلق الدوافع أم تفسد الناس؟ حاول الباحثون الإجابة عن هذا السؤال.
يساعد الصندوق الخيري GiveDirectly الفقراء في البلدان النامية بطريقة غير معتادة، فهو يمنحهم مالاً دون أي توجيهات حول طريقة إنفاقه. الفكرة بسيطة: الفقراء يعرفون بنفسهم ما يحتاجونه، وإن أعطيتهم مالاً يستطيعون شراء حاجاتهم.
إلا أن بعض المختصين يعتقدون أن توزيع الأموال نقداً طريقة مثيرة للجدل. مثلاً، تصرح كارول بيلامي، رئيسة اليونيسيف السابقة أن الفقراء قد ينفقون الهبات النقدية على القمار أو المشروبات الروحية.
فأجرى الباحثون تجربة ليتبينوا الوضع الحقيقي، حيث أجروا استطلاعاً بين متلقي الهبات النقدية من GiveDirectly في كينيا واستطلاعاً مماثلاً في عينة مماثلة من الناس الذين لم يتلقوا أي هبات.
يقول أحد مؤلفي الاستطلاع يوهانس هاوسهوفر، عالم الاقتصاد في مجال مكافحة الفقر في معهد ماساتشوستس أن نتائج الدراسة تبعث علي الإلهام:
«لم ينفق الناس النقود على المشروب والتبغ بل استثمروها في تعليم الأطفال وفي صحتهم، وكانوا يشترون غذاء جيداً، وبدؤوا بتربية الأبقار أو فتحوا مشروعاً استثمارياً».
وكان تعليق بيلامي على هذه النتائج:
«هذا يثير الإعجاب. كان مردود المساعدات النقدية أفضل مما كنت أتوقع».
ولكن الدراسة لم تجد تحسناً ملموساً في ناحيتين: حتى عندما ازدادت نفقات الأسرة على الصحة والتعليم، لم يكن تأثير ذلك كبيراً. الناس الذين حصلوا على النقود كان يمرضون بنفس التواتر المشاهد عند من لم يتلقوا هبات، ولم تتغير علامات الأطفال في المدارس بصورة ملموسة. علّقت بيلامي أن هذا يشير، على ما يبدو، إلى أن الإعانات النقدية الإنسانية يمكن أن تفيد على المدى القريب لكنها لا تغير الكثير على المدى البعيد.
يرى بول نييهاوس أحد مؤسسي GiveDirectly أن النقد قد يكون له تأثيرات إيجابية بعيدة الأمد، ويضرب مثالاً على دراسة مماثلة أجريت في أوغندا، حيث قامت الحكومة بتوزيع الأموال على الناس فارتفع دخلهم ثم ثبت عند المستوى الجديد. استخدم الناس الإعانة المالية لافتتاح مشاريع صغرى مثل ورشات الخياطة وورشات حرفية أخرى.
صرح نييهاوس أن أهم اكتشاف خلال الدراسة التي أجريت في كينيا هو تحسن الصحة العقلية والنفسية عند الناس: جعل المال الناس أكثر سعادةً وخفض مستوى الكرب لديهم. يعلِّق نييهاوس:
«نتأكد أكثر فأكثر أن الفقر منبع الكرب المستمر، فهو يمنع الناس من تنظيم حياتهم واتخاذ القرارات الصائبة. وإذا صار الناس بعد حصولهم على مبلغ من المال يتصرفون بطريقة صحية ومسؤولة تجاه حياتهم فذلك ربما أهم ما نستنتجه من هذه الدراسة».