راقب العديد من المحللين والمنظمين لسنوات عديدة التذبذب الشديد في أسواق مصادر الطاقة، و لذلك هم في الكثير من الأحيان يعتبرون الانخفاض الأخير في أسعار النفط كظاهرة مؤقتة وليس كإشارة على تغييرات عميقة وطويلة الأجل. لماذا قد يكون هذا الاعتبار خاطئا هذه المرة؟
إن العالم يراقب ليس فقط انخفاضا مؤقتا في أسعار النفط. ولكن أيضاً التحول في نموذج العرض، سوف تكون هذه التغيرات أساسية وسوف تظهر نتائجها لفترة طويلة.
إعتادت الأسواق لسنوات عديدة أن أعضاء أوبك سيقومون بخفض الإنتاج استجابة للهبوط الحاد في الأسعار. وهنا لعبت السعودية دور البادئ. كونها أكبر منتج، كانت السعودية مستعدة وقادرة على تحمل خسائر كبيرة بشكل غير متناسب من خلال الحد من حجم الإنتاج من أجل تحقيق الاستقرار في الأسعار وتوفير أساس لانتعاشها.
كانت تفعل ذلك بشكل مباشر، بالحد من الإنتاج، أو بشكل غير مباشر، دون النظر إلى أعضاء " أوبك " الآخرين الذين يقومون بتجاوز هذه الحدود من أجل زيادة الدخل. في حالات نادرة كانت المملكة العربية السعودية لا تقوم بهذا الدور، على سبيل المثال في أواخر التسعينات، كانت أسعار النفط تنحدر إلى مستويات تهدد القدرة على الحياة حتى لأولئك المنتجين في منظمة أوبك الذين كانت تكاليفهم أقل من البقية.
إلا أن عبر أدائها لوظيفة البادئ لسنوات عديدة، قد تعلمت المملكة العربية السعودية درسا مهما استعادة حصتها في السوق ليست بهذه البساطة. تصبح هذه المهمة الآن أكثر تعقيدا بسبب ظهور مصادر الطاقة البديلة في السوق بما في ذلك النفط الصخري.
وهذه المعادلة البسيطة هي سبب التعنت الحالي للمملكة العربية السعودية في مسألة خفض الإنتاج. بما أن البلد المصنعة الأولى ليست على استعداد لاتخاذ هذه الخطوات وبقية البلاد غير قادرة أو لا ترغب في أن تصبح المبادرة في خفض الإنتاج، فإن أوبك لم تعد قادرة على خفض الإنتاج على الرغم من أن أسعار النفط قد إنخفضت منذ الصيف بنسبة 50% تقريبا.
يعني هذا التغيير في نموذج الإنتاج أن الانتعاش في أسعار النفط يعتمد على قوى السوق الطبيعية. سيؤدي انخفاض الأسعار إلى إغلاق الحقول التي أصبحت غير مربحة ورفض مصادر الطاقة البديلة، وهذا سوف يقلل الاستثمار في الطاقة الإنتاجية الجديدة وفي نفس الوقت سيزيد الطلب على النفط.
كل هذا سوف يحدث ولكنه سوف يستغرق بعض الوقت. وكما تستقر الأسعار لمستوى أدنى بكثير، سوف يتغير السلوك الاقتصادي حتى أكثر من ذلك.
نظرا بأن الانخفاض في تكلفة إنتاج الطاقة يسبب الانخفاض في تكاليف الأنشطة الأخرى وينفق المستهلكين أموالا أقل على استهلاك الوقود و أموالا أكثر على غيرها من السلع، فإن العديد من البلدان المستوردة للنفط سوف تحقق معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومن المرجح أن هذه الزيادة في النشاط الاقتصادي ستؤدي إلى زيادة الاستثمارات في المصانع جديدة، المعدات والقوة العاملة، على حساب الشركات التي هي الآن مسحوبة من التداول.
سيزيد إحتمال التغيرات الطويلة الأجل إذا أخذنا العواقب الجيوسياسية في الاعتبار.
بالإضافة إلى خلق مشاكل داخلية خطيرة للمنتجين مثل روسيا وفنزويلا، سوف يؤدي الانخفاض في أسعار النفط إلى إضعاف تأثيرها الفعلي أو المتصور على الدول الأخرى. على سبيل المثال، يعتقد بعض المراقبين أن موافقة كوبا على توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة، هي بسبب حقيقة أن قادة الجزيرة يشعرون بالقلق إزاء الانخفاض في المساعدات التي تتلقاها من روسيا وفنزويلا. و في بلدان مثل العراق ونيجيريا، قد يتسبب الانخفاض في أسعار النفط ، بالتمرد و تقسيم البلاد، بالإضافة إلى تقوية نفوذ الجماعات المتطرفة الداخلية والإقليمية .
القليل من توقع أن أسعار النفط سوف تنخفض لهذه الدرجة، خاصة في هذا الوقت القصير. لن تنتهي المفاجآت بذلك. يمكن للفترة الطويلة من الانخفاض في أسعار النفط، أن تؤدي أيضا إلى التغييرات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية العميقة التي لم يمض وقت طويل على اعتبارها بعيدة الاحتمال أو حتى من ضرب الخيال.