كرة القدم أم الكمان؟
الصفحة الرئيسية تحليلات

يمكن للأندية الرياضية أن تطغى على قدرات الأطفال الإبداعية.حصلت على هذا الاستنتاج مجموعة من الباحثين الذين أجروا بحثا وعددا من الاختبارات على تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات. هل يجدر عليك أن تسجل ابنك في فريق كرة القدم أم أن مدرسة الموسيقى ستكون خيارا أفضل؟

إذا قمنا بتصديق الافكار التي توغلت في كل الإذاعات الرياضة والمحاضرات التي يلقيها المدرب في غرفة تبديل الملابس، فإن مشاركة الأطفال في الألعاب الرياضية يعلمهم أن يقدروا قيمة العمل الشاق وتربي شخصيتهم وبعبارة أخرى تعد قادة المستقبل.

وعلى الرغم من أن صحة هذه الادعاءات ما زالت مشكوك فيها، لا يزال الأهالي في كل عام يسجلون الملايين من الأطفال في الأقسام الرياضية. يعتقد الكبار أن الرياضة ستكون مفيدة لأبنائهم.

يقول ماثيو باورز أستاذ الإدارة الرياضية في جامعة تكساس ومؤسس Hook&Ladder Creative Sport Solutions:

"كوني عالم أدرس الرياضة وهذا يجعلني أتواصل في الكثير من الأحيان مع الأهالي القلقين. إنهم قلقون من أن تصور طفلهم عن النشاط الرياضي المنظم يختلف عن تصورهم الخاص. أصبحت الرياضة الشبابية تجارة ضخمة في الولايات المتحدة واكتسبت على مدى السنوات العشرالماضية شكلا مهنيا. في الأيام السابقة كان الأطفال يمضون معظم وقت فراغهم في استكشاف المناطق و اللعب فيها. يمضي الأطفال اليوم في المتوسط وقت فراغ أقل بكثير ووقتا أكثر في البيئة التي هي بشكل أو بآخر منظمة من قبل الكبار.

دراسة: رياضة الأطفال و قدرات الكبار الإبداعية

خلال الدراسة التي نشرت في خريف هذا العام في مجلة Creativity Research Journal قام ماثيو باورز مع زملائه بكتابة مقالة يناقش فيها العلاقة بين نشاط الأطفال في وقت فراغهم و بين القدرات الإبداعية للمراهقين.

هدف الباحثون إلى فهم مدى تأثير مشاركة الأطفال في الأنشطة الرياضية على التطور الإبداعي وكذلك لمعرفة إذا كانت المشاركة في الألعاب الرياضية الغير رسمية (على سبيل المثال، في المنطقة حول المنزل و مع مشاركين عشوائيين)، لها تأثير آخر على الإبداع مقارنة مع المشاركة في النشاط الرياضي التقليدي و المنظم.

كجزء من هذه الدراسة طلب الباحثون من 100 الطلاب بملء استبيان مفصل جدا عن وسائل الترفيه للأطفال مع بيان الساعات التقريبية التي يقضوها في مختلف الأنشطة الترفيهية في السن المدرسي. تراوحت هذه الأنشطة من الأنشطة الفنية إلى القراءة وألعاب الفيديو والمشاركة في منظمات غير رسمية من النشاطات الرياضية. طلب الباحثون من المشاركين أن يجروا أيضا اختبار تورنس للتفكير الإبداعي ‎(ATTA)‎ والذي يستخدم على نطاق واسع لتقييم القدرات الإبداعية ويضمن الرسم و كتابة أربعة نصوص لمواضيع مختلفة.

ثم قام الباحثون بتحليل العلاقة بين نشاط الأطفال في وقت فراغهم و نتائجهم في هذا الاختبار.

كان في الدراسة بعض القيود المتعلقة بالدقة (مثلا طلب من المشاركين أن يتذكروا تحديدا عدد الساعات في الأسبوع التي يقضونها في نشاطات مختلفة في مرحلة الطفولة). لذلك كان العلماء متحفظين جدا عند إجرائهم التحليل بين جميع العلاقات المحددة.

على الرغم من التقديرات المتحفظة جدا كانت النتائج ملفتة للنظر، الوقت الذي يقضى في نشاطات رياضية غير رسمية كان له أثرا إيجابيا كبيرا على مجمل الإبداع، في حين أن الوقت الذي يقضى في الرياضات المنظمة على العكس من ذلك.

الفرق بين هؤلاء المشاركين الذين وفقا لنتائج الاختبار كانوا في الجزء العلوي من نطاق تنمية القدرات الإبداعية و بين غيرهم من المشاركين، هو حوالي ساعتين فقط من نشاطات حرة أسبوعيا في السن المدرسي.

فمن الواضح بديهيا أن الرياضة الحرة في أجواء غير رسمية دون إشراف الكبار تشمل العديد من العناصر التي ترتبط مع الألعاب بجوانب تنموية. في هذه البيئة يملك الأطفال حرية ذاتية في التحكم وإنشاء القواعد ويستطيعون حل المشاكل و النزاعات بشروطهم الخاصة.

من جهة أخرى تستنسخ الرياضات المنظمة في الكثير من الأحيان من النماذج الهرمية التي تهدف إلى التبعية، التكرار،الالتزام بالسلطة وتطوير صفات أخرى التي نظريا من غير المرجح أن تكون مرتبطة مع الإبداع.

كيف يمكن لهذه الدراسات أن تؤثر على نهج إشراك الأطفال في الرياضة ؟ هنا نوعان من الاستنتاجات:

1. كيفية المشاركة في الرياضة لها معنى

بما أن الرياضة الشبابية قد أصبحت أكثر منافسة و تنظيما أصبح تقييم وقت فراغ الأطفال كشيء غير مفيد. وإن ألعاب الأطفال، خاصة كشكل من أشكال الترفيه مع أقرانهم مع اختيار عشوائي للمشاركين، قد اختفت ببساطة في العديد من المناطق .

أظهرت نتائج الدراسات أن الألعاب في جو حر لا تخلو من التأثير المفيد. بل يمكن أن يكون لها تأثيرا إيجابيا على تنمية القدرات الإبداعية. يمكن للأنشطة المنظمة في ظروف مناسبة أن تطور العديد من مهارات الطفل،ولكن ليس كلها (وفي شروط خاطئة قد تكون ضارة على تنميته). قد يصعب على البالغين أن يروا الفائدة على المدى الطويل من تواجد الطفل في بيئة أقل تنظيما لكن لقد تم تحديد هذه الفائدة وتأكيدها عبر عقود من البحث حول الألعاب الطفولية.

2. مفتاح النجاح هو التوازن

ولعل نتيجة الدراسة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن نتائج الاختبارات فوق المتوسطة تظهر لدى المشاركين الذين كانوا بدلا من الرياضات المنظمة ينخرطون أكثر في أنشطة كثيرا ما تقترن بميول فنية (فن، موسيقى، مسرح). إن المشاركين بنتائج عالية هم الذين قاموا بتقسيم متوازن أكثر بين الرياضات المنظمة و الألعاب الحرة.

ذكر أصحاب النتائج العالية في اختبار الإبداع أنهم قضوا 15% من أوقات فراغهم في الطفولة في ألعاب غير رسمية وخصصوا 13% من الوقت للرياضة المنظمة. من جهة أخرى كان المشاركون بنتائج منخفضة يمضون 10% فقط من وقت فراغهم في طفولتهم في الألعاب الغير رسمية ولكن 22% من الوقت في أنشطة رياضية منظمة.

هذا يسمح لنا أن نستنتج أنه يجب على الأهالي الذين يرغبون في تنمية قدرات طفلهم الإبداعية ألا يحرمونه من الأندية الرياضية التقليدية. هم فقط بحاجة إلى أن يتذكروا أهمية التوزيع المساوي لوقت الطفل على النشاطات المنظمة وعلى النشاطات الحرة.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق