إن نقد الاقتصاد كنظام علمي غير كاف جريمة ارتكبت من قبل العديد. ومع ذلك يمكن أن يتم ذلك بشكل صحيح أو بشكل غير صحيح. يقوم أليكس روزنبرغ وتايلر كويرتن بفعل ذلك بطريقة غير صحيحة في مقالتهم في صحيفة نيويورك تايمز.
هذا ما يكتبونه:
"لفترة طويلة ولحد الآن لا يزال السؤال حول السبب في أن الاقتصاد لا يزال غير مقبول كعلم ، ولقد أصبح هاجسا بالنسبة لأصحاب النظريات بما في ذلك فلاسفة العلم مثلنا. المشكلة مع الاقتصاد هو أنه لا يملك أهم السمات المميزة للعلوم وهي تطور الدقة ونطاق التوقعات. في الواقع عندما يتعلق الأمر بتحليل التطورات في نظرية الاقتصادي دقة التنبؤات لا تكون بينها".
لا يسمح الاقتصاد بإعطاء تنبؤات دقيقة، صحيح؟ هذا تماما ما يدعيه الكثير من الناس لكن إذا نظرنا أعمق في الواقع ،فالاقتصاديون لا يستطيعون التنبؤ بالركود و يمكننا أن نرى أن هذا البيان هو ببساطة ليس صحيحا. يستطيع الاقتصاديون أن يتنبؤا بالعديد من الأحداث.
المثال رقم 1
مثال ممتاز هو قصة دانييل مكفادين ونظام نقل BART. في عام 1972 في سان فرانسيسكو تم افتتاح نظام سكة حديدية جديد Bay Area Rapid Transit (BART). توقعت السلطات أن يقوم باستخدامها 15% من سكان هذه المنطقة. لكن باستخدام الأموال المخصصة من مؤسسة العلوم الوطنية و جامعة كاليفورنيا في بيركلي، توقعت مجموعة من الباحثين برئاسة الاقتصادي مكفادين أن عدد الركاب سيمثل 6.3% فقط من مجموع السكان.
الرقم الفعلي؟ 6.2%.
هل هذا التوقع ليس دقيقا بما فيه الكفاية ؟ كانت النماذج التي استخدمها مكفادين مع شركائه لإنشاء التنبؤات هي تطوير نظرية الفائدة البسيطة وهي أقدم خدعة مأخوذة من كتب الاقتصاد. هذه النماذج تسمى بنماذج منفصلة الاختيار من بين عدد عشوائي من الاختلافات و تطبق في مختلف المجالات بما في ذلك تطوير المنتج ،التسعير، التسويق ،استهلاك الطاقة وفي البحث عن الأضرار البيئية. في عام 2000 نال مكفادين جائزة نوبل لعمله.
المثال رقم 2
هال فاريان
تأمل في نظرية المزادات. غوغل قد وضعت خوارزمية بحث ممتازة ولكن الأداة الأكثر ربحا للشركة هي نظامها، الذي ينظم بيع المساحات الإعلانية من حيث مبدأ المزاد العلني . تقام هذه المزادات من خلال المخطط المعروف باسم المزاد المعمم للسعر الثاني المصمم في الآونة الأخيرة من قبل أبرز خبراء الاقتصاد مثل هال فاريان ( يعمل الآن في جوجل). إن هذا المخطط المزادي مثل جميع المخططات الأخرى يقوم على نظرية الألعاب وهو عنصر أساسي آخر من الأدوات الاقتصادية. تحاول نظرية المزاد بالتنبؤ بنوع المزادات الأكثر موثوقية في ما يتعلق بربحية المعاملات. تصبح هذه المسألة ذات أهمية متزايدة لضمان ربحية الشركات التي تقدم الخدمات على الإنترنت وهذا هو السبب في أن العديد من التكنولوجيات الناشئة تقوم الآن بتوظيف خبراء الاقتصاد.
المثال رقم 3
تسمح ما تسمى بنماذج الجاذبية في التجارة الدولية بالتنبؤ الدقيق جدا بحجم التجارة بين بلدين على أساس البيانات الموضحة لحجم اقتصاداتها والمسافة بينهما.
وبعبارة أخرى إن روزنبرغ و كويرتين هما ببساطة مخطئان. لقد سمحت لنا النظرية الاقتصادية بالحصول على العديد من التنبؤات الدقيقة.
لماذا يقوم روزنبرغ و كويرتين باستنتاج خاطئ؟ يقع اللوم جزئيا على أنهم لم يقوموا بدراسة كافية قبل كتابة المقالة. و لكن يقع الخطأ جزئيا على عاتق الاقتصاديين الذين لا يقومون بإخبار العالم بشكل علني عن نجاح تنبؤاتهم . لا يزال البعض منهم يدافع عن فكرة أن النظرية الاقتصادية ليست مضطرة للإدلاء بتنبؤات دقيقة لكي تأكد فائدتها بل هي تهدف إلى توفير نظام لفهم العالم فقط.
هذه الحجة التي لا تفهمها العامة. تفتقر إلى الأدلة العلمية فمن المستحيل التأكد من أن أي نظرية قد توفر نظاما لفهم العالم من دون أدلة تجريبية . على الأرجح سيقوم الاقتصاديون الذين يستخدمون نظريات ضعيفة بمشورة غير فعالة بشأن السياسة الاقتصادية، بغض النظر عن مدى تنظيم أو مدى المهارات العقلية لهؤلاء المختصين.
لكن في الكثير من الأحيان لا ينتبه نقاد الاقتصاد إلى الانخفاض في النشاط النظري في مجال النظرية الاقتصادية. لقد وصلت الأعمال العلمية إلى ذروتها في قسم الأدب الاقتصادي في الثمانينات والآن هي تمثل أقل من خمس جميع المقالات التي تنشر في أفضل المجلات العلمية. كما قال الخبير الاقتصادي جون كوكريين من جامعة شيكاغو:
"أصبح الاقتصاد التجريبي في آخر 20 سنة منصبا على الحقائق. والأطفال العباقرة البالغين الآن ال30 سنة يقومون باستخراج كميات ضخمة من البيانات من شبكة الإنترنت".
لذلك إن تقييم روزنبرغ و كويرتن للاقتصاد كعلم يبدو كرسمة كاريكاتير. تصبح العلاقة بين النظرية والواقع في الاقتصاد أكثر أهمية و تنشأ التوقعات الدقيقة في العديد من المناطق.
إن الاستثناء الملحوظ هو طبعا الاقتصاد الكلي. لا يزال الاقتصاد في الطريق إلى أول نجاح كبير له في تنبؤ الازدهار و الفشل. لكن إذا كنت تعتقد أن مهمة الاقتصاديين الوحيدة هي توقع الركود فربما يجب عليك أن تعيد النظر في وجهة نظرك.