ألغى البنك الوطني السويسري (SNB) سياسة احتفاظ العملة الوطنية بنسبة إلى يورو على مستوى 1.20 وقد ارتفع سعر الفرانك السويسري كثيرا نتيجة لذلك. دعونا ننظر ونفهم ماذا يعني كل هذا.
إن الأسواق المالية في الوقت الحالي تعيش أياما صعبة ومن أهم التغيرات الجذرية في هذا السياق هو ارتفاع سعر صرف الفرنك مؤخرا.
ليس كل يوم يمكن أن نلاحظ ارتفاع قيمة العملة الوطنية لإحدى البلدان المتطورة المستقرة في العالم بنسبة 20% خلال ساعتين تقريبا بالمقارنة مع سعر صرف العملات العالمية الأخرى.وكما تدل نتائج التداولات الفرنك السويسري أمام يورو أن سعر صرف الفرنك قد ارتفع بحوالي 18% حيث تجاوز نمو السعر في بعض الأحيان خلال دورة التداولات الأخيرة 36%.
ولا يمكن للخبراء والمحللين في الأسواق أن يذكروا مثل هذه التقلبات القوية في تاريخ السوق المالية في منطقة الدول الغربية
يدل هذا على الوضع المخيب للآمال للاقتصاد العالمي.ولكن دعونا ننظر إلى الدور الذي يلعبه البنك الوطني السويسري في هذا الصدد.
في عام 2011 شهدت المنطقة الأوروبية أزمة الديون السيادية وكان من الصعب تقييم آفاق البنوك التي تعمل مع اليورو بصورة إيجابية. كانت الكثير من الشركات والعملاء الأغنياء من اليونان وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين والدول العربية يفكرون في تحويل أموالهم إلى البنوك السويسرية.
تأثر التدفق للكميات الكبيرة من الأموال إلى اقتصاد الدولة الأوروبية التي يعيش فيها حوالي 8 ملايين نسمة بشكل سلبي على سعر صرف الفرنك السويسري.ونتيجة هذه الضغوط في الفترة من شهر يناير عام 2010 إلى شهر يوليو عام 2011 ارتفع سعر صرف الفرنك أمام يورو بنسبة 44%.
بالطبع أهل سويسرا أصبحوا أكثر ثراء ولكن تكاليف الشركات في البلاد ارتفعت بنسبة 44%. تضررت الشركات الكثيرة العاملة في مجالات مختلفة منها مثلا صناعة الساعات والأدوية والشركات المقدمة للخدمات السياحية والرياضية في منتجعات التزلج ، كلها ألحقت بها الأضرار المالية الكبيرة بسبب تدفق الأموال الأجنبية إلى البلاد.
اتخذ البنك الوطني السويسري الخطوات اللازمة حيث بدأ من خفض معدلات الفائدة ولكن هذه التدابير لم تؤثر على انخفاض الاهتمام الدولي للفرنك السويسري.وكان من الخطوات التالية وضع أقصى نسبة للفرنك أمام يورو وهي1.20.ولكن لضمان نجاح هذه الخطوة كان من الضروري القيام بشراء اليورو في الأسواق العالمية.
خلال فترة طويلة كانت عمليات الشراء تساعد في الوصول إلى نتيجة مرجوة ولكنه في الوقت الحالي يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يستعد لضخ المبالغ الضخمة من السيلولة للنظام المالي ما قد يؤدي إلى خفض سعر يورو. أما الدولار فينمو تدريجيا لأن اقتصاد الولايات المتحدة في حالته الجيدة حاليا ويخطط النظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع معدلات الفائدة.
مع ذلك يشهد الاقتصاد الروسي اليوم أوقاتا صعبة على خلفية التراجع الكبير لسعر العملة الروسية لذلك يفضّل الروس الأثرياء الحفاظ على ثروتهم المالية في العملات الأخرى.
يعني كل ذلك أن إبقاء نسبة الفرنك أمام يورو على مستوى 1.20 يصبح مصعبا ومكلفا أيضا. في 15 يناير من هذا العام اتخذ البنك الوطني السويسري قرارا تاريخيا.
كما أعلن رئيس البنك الوطني السويسري السيد توماس يوردان الفرانك السويسري لا يحتاج إلى دعم كبير بالمقارنة مع الأوضاع في عام 2011. وصرح البنك في بيانه الرسمي ما يلي:
"في الوقت الأخير سجل البنك تزايد فروق أسعار الصرف للعملات الرائدة بشكل ملحوظ، ومن المحتمل أن يتطور هذا الاتجاه".
بكلمات أخرى يعني ذلك أن الوضع قد يتدهور في المستقبل وليس هناك أي فائدة في الحفتظ على سعر صرف الفرنك أمام اليورو على مستوى 1.20.
إضافة إلى قرار إلغاء احتفاظ سعر الصرف للعملة السويسرية اتخذ البنك الوطني السويسري قرارا حول خفض معدلات الفائدة محاولة التخفيف من آثار السياسة الجديدة على الأسواق المالية. ولكن لم ينجح البنك في ذلك حيث عادت قيمة الفرنك السويسري أمام اليورو إلى نفس المستويات التي كانت قبل وضع النطاقات المحدودة للعملات.قد تراجعت أسهم أكبر الشركات السويسرية مثل شركة Nestle كثيرا حيث تثير كل هذه الأوضاع قلقا كبيرا لدى موردي السلع إلى سويسرا ولدى كل من أراد المشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
لا شك في أنه ينبغي احترام البنك الوطني السويسري لما بذله من جهود على دعم سعر العملة الوطنية بالرغم من الحجم المتزايد من الأضرار المالية حيث يجب الإشارة إلى أن السياسات النقدية التي يمارسها النظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي خلال السنوات الست الأخيرة قد ساهمت كثيرا في التخفيف من حدة الأوضاع في النظام المالي العالمي. ولكن الأهم من ذلك أن تلك الإجراءات المتخذة لها آثار إضافية طويلة الأجل قد تؤثر بشكل ما على جميع مشاركي النظام المالي العالمي حتى خارج حدود المنطقة الأوروبية.