أسرار وادي السيليكون
Beck Diefenbach/Reuters
الصفحة الرئيسية تحليلات

«إذا اعتبرنا فقاعة سنة 2000 تعادل العشرة على سلم القياس، فنحن الآن قرب علامة التسعة».

كان أوضح مثال على فقاعة الدوت كوم هو موقع Pets.com

كان ذلك متجر إنترنت يبيع السلع من أجل الحيوانات، ولم يمض سوى 268 يوماً من تاريخ الاكتتاب العام حتى تصفية الشركة. بلغت الخسائر نحو 300 مليون دولار.

ولكن المستثمرين كانوا يحبونه،في بادئ الأمر على الأقل.

كان Pets.com ينفق أموالاً طائلة على الدعاية، أما رمزه الذي كان عبارة عن دمية كف على شكل كلب صغير فلو ظهر اليوم لسموه فيروساً. كانت الشركة تخسر المال في كل عملية بيع، مع النفقات الباهظة على الدعاية، حيث كانت تبيع بسعر أقل من سعر الكلفة.

وفي فبراير 2000 قبل الكارثة بأيام، طرحت Pets.com أسهمها للاكتتاب العام في NASDAQ بسعر 11 دولاراً للسهم الواحد، وخلال فترة وجيزة وصل سعر السهم إلى 14 دولاراً، أي تجاوزت قيمة الشركة 300 مليون دولار. تقدير جيد لمشروع لا يعرف إلا أن يخسر المال.

حصل الاصطدام بالواقع بعد تسعة أشهر فقط. انهارت الأسهم إلى جزء واحد بالمئة من سعرها، فأعلنت الإدارة عن تصفية الشركة.

يمكننا اليوم أن ننتقد نموذج أعمالهم، ولكن في حينها وثق بهم المستثمرون وصدقوا أن الربح لا يهم. ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة، إذ كانت تظهر هنا وهناك شركات خاسرة قيمتها مئات ملايين الدولارات.

هل تغير شيء؟

لم تكن Instagram شركة رابحة، إلا أن Facebook اشترتها في سنة 2012 مقابل مليار دولار. تطبيق Snapchat لتبادل الرسائل الصريحة لا يكسب شيئاً، ولكن قيمته أيضاً تقدَّر بعشرة مليارات دولار.

وهناك أمثلة مماثلة كثيرة. مثلما كان الوضع في 1999، الجماهير الآن هادئة لامبالية، والمستثمرون من الوادي يكتبون شيكاً تلو شيك. صارت اللايكات مقياس القيمة، لا الأرباح.

إلا أن عدداً من الشخصيات الهامة في وادي السيليكون يدقون ناقوس الخطر.

قال بيل غيرلي أحد أكثر الرأسماليين الاستثماريين نجاحاً في العالم الأسبوع الماضي في مقابلة مع Wall Street Journal أن وادي السيليكون، حسب رأيه، فيه أصول خطرة للغاية أكثر من اللازم، ولا يمكن مقارنة مستوى المجازفة إلا مع سنة 1999.

يكرر فريد ويلسون من Union Square Ventures الفكرة في مدونته يدعو فيها ضد النموذج واسع القبول الذي يعتبر خسارة الأموال أمراً طبيعياً بالنسبة لشركة.

«إنهم يبذرون النقد تبذيراً. يخسرون المال. الخسائر هي الخسائر».

يكتب جورج زكاري من Charles River Ventures: «هذا يذكرني بسنة 2000 عندما تدفقت الاستثمارات سيلاً إلى المشاريع الرائدة فطفا على سطحه الكثير من الشركات غير القادرة على الحياة. إذا اعتبرنا أن فقاعة سنة 2000 تساوي العشرة، فنحن الآن تقريباً بين الثمانية والتسعة».

جميع الفقاعات متشابهة: النظام فيه أموال أكثر مما ينبغي.

يصبح رأس المال رخيصاً جداً فيدفع ذلك الناس إلى اتخاذ قرارات غير رشيدة وحمقاء، فعندما يلتهم التضخم والضرائب أموالك يبدو لك أي خيار بديل جذاباً؛ فترتفع أسعار الأسهم وتعطيك سندات المضاربة 5٪ الهزيلة وتستدين الدول المفلسة بفائدة صفر بالمئة.

وقال جاريد فليزر من Matrix Partners في بالو آلتو في مقابلة مع Wall Street Journal: «لا يمكن أن نسمح لنفسنا بالاستراحة ولو لحظة».

بتعبير أبسط، إذا توفقت ثانيةً واحدةً تخسر المال. في مثل هذا الحال يبدأ الناس بالمغامرة. الوضع بالتأكيد مزعج: إن لم تفعل شيئاً تخسر المال وإن تصرفت فالمجازفات عالية جداً.

المشكلة بالطبع في النظام النقدي الذي تظهر فيه من العدم بإيماءة من يد النخب المصرفية تريليونات الدولارات، ونعرف من التاريخ أن هذه الحفلة تنتهي بعد فترة مخلفة وراءها تخمة وصداعاً فظيعين. حدث هذا مراراً وتكراراً، ولا تبرير منطقي للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون مختلفة عما سبق.

فيطرح نفسه السؤال: ما العمل؟

هل يستحق الأمر محاولة الكسب على الفقاعة أملاً بالخروج في الوقت المناسب؟

ربما. ولكن لا يزال في العالم مجالات آمنة نسبياً.

مثلاً، في سوق العقود الحكومية هناك العديد من شركات التعدين ذات الأسعار الزهيدة بشكل غير متناسب مع أرباحها. إنها Pets.com معكوسة.

وإذا تحدثنا عن القطاع الخاص، فالمشاريع الرائدة في بلدان أخرى، من نيوزيلندا إلى شيلي، تقديرها أكثر معقولية من وادي السيليكون. في بعض البلدان تتجاوز فائدة الحسابات المصرفية بالدولار الأمريكي 7٪، وإحدى الشركات ذات الخطر المنخفض التي تملكها حكومة سنغافورة (التي ليس عليها ديون) تصدر سندات عائدها أكثر من 5٪.

إذن، هناك خيارات

يمكن تشبيه ذلك بالموسيقا. يعتقد الكثيرون أن الموسيقا ماتت: أين اليوم أمثال Led Zeppelin أو Pink Floyd أو Grateful Dead أو بوب مارلي أو بوب ديلان؟

لو تحكم على الواقع من خلال ما تبثه الإذاعات الكبرى، سيظهر لك أن الحق معهم. ولكن الموسيقا حية بالتأكيد. تصادف أحياناً تحف عجيبة، لكنك لن تسمعها على واحدة من الإذاعات الكبرى، فهي لن تبثها.

إلا أن هذا لا يعني أنها غير موجودة، ونفس الكلام ينطبق على الاستثمارات الناجحة؛ لكن لا يكفي أن تبحث عن شيء في مكان مضاء. فلكي تجد الذهب يجب أن تحفر أعمق من غيرك.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق