عشر سنوات صعبة
الصفحة الرئيسية تحليلات, الولايات المتحدة

عشر سنوات كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أصعب بكثير من القرن العشرين بأكمله.

ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي خطابه السنوي أمام الكونغرس الأمريكي تحت عنوان "وضع الدولة".وبدأ الرئيس قائلا ما يلي:

"ها نحن بعد 15 عاماً في القرن الجديد.. 15 عاماً بدأت بهجوم إرهابي على أراضينا أدى إلى حربين طويلين ومكلفيتن وشهدت أمتنا انتشار ركود شديد في بلدنا والعالم.. نعم، كانت هذه الأيام صعبة للغاية وتبقى مع التاريخ. لكن الآن نطوي هذه الصفحة أخيرا".

أليس هذا نوع من المبالغة؟ يتحدث كل رئيس عن الصعوبات التي تواجهها بلاده لتصبح إنجازاته من أجل مصالح وخير الأمة أكثر وضوحا للجميع. ولكن يبدو أن الرئيس أوباما ينتقص من أفضاله.

خلال الفترة من 2000 إلى 2011 واجهت الولايات المتحدة الأمريكية عددا هائلا وغير مسبوق من المشاكل الخطيرة التي تتميز بنطاقها الواسع ويجب أن ننظر إليها بالتفصيل معا:

الصدمات الاقتصادية

في عام 2000 انفجرت فقاعة الدوت كوم و في عام 2008 فقاعة جديدة في سوق العقارات. أدت الأزمتان إلى انخفاض الأصول المالية بصورة جدية حيث وصلت خسائر الدولة إلى 6.2 تريليون دولار. وبالنسبة لقيمة الناتج المحلي الإجمالي كانت الخسائر أكثر من ذلك بكثير وأكثر من انهيار سوق الأسهم الذي أدى إلى الكساد العظيم.خلال السنوات العشر الأخيرة شهدت الولايات المتحدة أزمتين اقتصاديتين في تاريخ الدولة.

ومن عام 2000 بدأت فترة الركود الاقتصادي غير القوي للغاية ولكن المستمر ما أثر سلبا على الأوضاع في سوق العمل.

خلال الفترتين الرئاسيتين للرئيس جورج بوش لم يستقر متوسط الدخل في قيمته الحقيقية بالنسبة للمواطنين الأمريكيين ولم يعد إلى مستواه الأعلى الذي تم تسجيله في نهاية التسعينيات من القرن الماضي.

لم تتميز فترة الركود هذه بالقساوة بالمقارنة مع الركود الذي شهده الاقتصاد الأمريكي نتيجة انعكاسات الأزمة المالية التي اجتاحت العالم عام 2008. لا شك أن نطاق الركود كان لا يصدق منذ أيام الكساد الكبير حيث تراجعت إجمالي قيمة الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 3.9% وانخفضت مدخرات المواطنين الأمريكيين بحوالي مرتين وسجلت الرواتب تراجعا شديدا حيث وصلت البطالة في البلاد إلى مستوى 10% أو حتى أكثر.في ظروف عدم وجود الإيرادات الضريبية ارتفع عجز الميزانية إلى أعلى مستواه رغم كل الجهود التي بذلتها الدولة من ضخ أموال مرة بعد مرة إلى الاقتصاد من أجل انعاشه و تعزيزه.

في نفس الوقت تقريبا تسبب النمو الاقتصادي السريع في الدول المتنامية والتخفيض في إمدادات النفط بارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية حيث كانت قيمة غالون البنزين في بداية القرن أكثر من 1$ ومنذ خمس سنوات وصل السعر إلى 4$.

كانت الحالة الاقتصادية في تلك الفترى أفضل من فترة الثلاثينات من القرن الماضي ومن أي ناحية أخرى كانت تلك الفترة أسوأ مما كان في القرن العشرين بصورة عامة.

الإرهاب والحروب

كان العقد الرهيب من الزمن مرتبطا ليس فقط بالاضطرابات الاقتصادية. لا تزال أحداث 11 سبتمبر تقوض الأسس التي تقوم عليها الولايات المتحدة بصفتها دولة الحرية.

أدت سياسة الإدارة الأمريكية تحت رئاسة بوش عند التحضير للحرب في العراق إلى تدهور شديد في الأوضاع حيث أصبحت أغلبية دول العالم التي كانت تؤيد السياسة الأمريكية دائما تخاف من ممارساتها السياسية ، أما باراك أوباما فتمكن من تحسين سمعة وصورة البلاد العالمية بشكل جزئي فقط. إن عدم جدوى السياسات الأمريكية في العراق بالرغم من النجاحات العسكرية الأمريكية ساهمت في عملية تقسيم البلد بالكامل حيث ولدت هناك تنظيما إرهابيا وهو الدولة الإسلامية.

السياسة الداخلية

لا شك أن بداية القرن الجديد تميزت بتأثيرات سلبية للعديد من المشاكل الجدية في النظام السياسي الأمريكي حيث لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية مثيرة للجدل فحسب بل عدم رضا الناخبين كان أقوى بكثير مما كان عليه في أي وقت قد مضى في القرن الماضي.

بلغ التوتر في العلاقات بين الكتلات البرلمانية المستوى التأزمي الخارج عن النطاق وشهدت الولايات المتحدة انقساما شعيبا بين المعارضين ومؤيدي السياسة الداخلية واجتاحت موجة الاضطرابات الشعبية الشارع الأمريكي ووول ستريت. وقد بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها في عام 2011 حيث كان يبدو أن أعمال الكونغرس الأمريكي قد تؤدي إلى أزمة ديون سيادية خطيرة.

وخلال كل هذا الوقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنافس اللاعبين الجدد في الساحة العالمية ومنهم الصين التي أقنعت العالم بقوتها الاقتصادية الضخمة وروسيا التي شهدت فترة انتعاش سياسي واقتصادي بعد مرور السننوات الصعبة في تاريخها والأفكار الإسلامية المتطرفة.

هذا كل ما حدث خلال عشر سنوات فقط وليس خلال عهد من الزمن.

بالطبع كل المشاكل التي واجهتها الولايات المتحدة لم يتم حلها بالكامل والشعب الأمريكي لا يشعر بأمان ولكن نوعية المواجهة الأمريكية لكل هذه التحديات العصرية مذهلة. تم اغتيال أسامة بن لادن. بذلت أمريكا قصارى جهدها من أجل إضعاف مواقف القاعدة. تمكنت الولايات المتحدة من تصحيح صورتها العالمية بشكل ما.انتهت الحرب في العراق. تنخفض شدة الخلالفات السياسية مثلما شهدتها البلاد في عام 2011. استقر مستوى البطالة على 6%.تسجل قيمة الناتج المحلي الإجمالي نموا وليس من المهم أنه نمو بسيط جدا. شهد الاقتصاد انخفاضا في العجز في الميزانية الفدرالية. وتعود أسواق الأوراق المالية تدريجيا إلى مستوياتها القياسية.

كان أوتو فون بسمارك يقول إن "الله يشفق على الحمقاء والسكارى والأمريكان". ومن يعرف ربما هذه حقيقة. أو ربما النظام السياسي والاقتصادي والثقافي الأمريكي أقوى مما يبدو لنا.

اقرأ أيضا:
الرجاء وصف الخطأ
إغلاق