لا تزال الهند فقيرة جدا ولكن تنمو فرصها في اتخاذ موقف لاعب رائد في الاقتصاد.
منذ عام كان مستقبل الهند يبدو قاتما. لقد ساهم ضعف النمو الاقتصادي المخاوف بشأن التضخم و نقص الإدارة في نيودلهي في تشكل عدم اليقين و التشاؤم. ولكن لقد تغير الوضع في طرف العين عندما أصبح ناريندرا مودي، رئيسا للوزراء، ووعد بإصلاح حكومة الهند وتعزيز اقتصادها المتعثر.
تشير معظم العلامات إلى أن لدى هذا البلد مستقبل مشرق. ولا تستبعد الإمكانية أن الهند قد تصبح قوة عظمى. بالطبع لا تزال مشاكل البلاد كثيرة. لا تزال الإصلاحات التي بدأها مودي في مراحلها المبكرة. ويمكن للعوامل السياسية والثقافية و عوامل الاقتصاد الكلي، أن تبطئ أو حتى تمنع التقدم إلى التطور. ويمكن أن يتضح أن الفساد الحكومي أكثر مما كان متوقعا ويمكن للطموحات الاقتصادية المفرطة أن لا تصمد أمام الواقع القاسي وضعف البنية التحتية وتفشي الفقر. وفي نفس الوقت نمو التوتر المتبادل مع باكستان التي لا تزال القوة القابضة للطاقة النووية وقد يؤدي تنامي القوة العسكرية الصينية إلى إنفاق الهند مبالغ كبيرة على الدفاع ، كما أن هناك احتمالا لصراعات داخلية بين الهندوس والمسلمين. يمكن لكل هذا أن يصرف إهتمام البلاد عن الأولويات الحالية.
ولكن على الرغم من كل هذا لا تزال صورة المستقبل المشرق للهند واضحة جدا. هناك ثلاثة أسباب لذلك.
الاقتصاد
Nisarg Lakhmani/Shutterstock.com
تفرض القوانين القائمة في الهند قيودا كبيرة على الأعمال ولكن يبدو أن مبادرات مودي التي تهدف إلى الحد منها وإلى إنشاء سوق حرة فعالة. على الرغم من أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2014 قد تباطأ قليلا مقارنة مع فترة الصيف، بنحو5.3% ، فهو لا يزال أعلى بكثير مما كان عليه في السنوات القليلة الماضية. وسينمو الاقتصاد في الهند في هذا العام بنحو 1.9 تريليون دولار بنسبة 6.4% حسب توقعات صندوق النقد الدولي . أما وفقا للبنك العالمي، فإن البلاد قد تجاوزت اليابان كثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث القوة الشرائية وهو المؤشرالذي يضبط الفارق في أسعار البلدان.
بالإضافة إلى أنه قد أدى الانخفاض في أسعار النفط إلى الانخفاض في مخاطر التضخم و سيسمح للبلاد بخفض تكلفة دعم الوقود. وكما أوضح تقرير الخبير الاقتصادي نومورا برئاسة سونال فارما في شهركتوبر، التخفيض في سعر برميل النفط ب10 دولارات، يعني للهند، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1% وتراجع معدل التضخم ب 0.5% والانخفاض في العجز على الحساب الجاري . وأيضا ستصبح زيادة الاستثمارات الأجنبية بمثابة تعزيز كبير للاقتصاد ما سيجلب للبلاد المليارات بما في ذلك 33 مليار دولار من المصادر اليابانية الخاصة والحكومية. و لقد أصبح ذلك ممكنا بسبب زيادة المستوى المسموح من الاستثمار الأجنبي من قبل الحكومة وتحقيق الاستقرار في الإيرادات المتوقعة من الاستثمار.
البنية التحتية
من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف وهو حوالي 7%، يتوقع أن تزيد الاستثمارات في البنية التحتية ب 800 مليار دولار والسماح للبنوك بشراء سندات البنية التحتية لتحفيز نشاط التداول في أسواق الدين. في نهاية العام الماضي حقق مودي إيرادات بلغت 20 مليار دولار من الاستثمار في البنية التحتية من الصين. يمكن لهذه المبادرات معا أن تسمح للهند بترقية نظام النقل المثقل ، بتحسين إمدادات الطاقة والمياه المستقرة في العديد من المناطق وبالتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة في جميع أنحاء البلاد.
Zvonimir Atletic/Shutterstock.com
ولكن أهم جانب من جوانب البنية التحتية في الهند هو رأس المال البشري. تملك الهند قيمة كبيرة وهي عدد كبير من الشباب الأصحاء. إن 65% من سكان الهند هم تحت سن ال 35 عاما ما يعطي البلاد ميزة تنافسية غير مسبوقة للعقد القادم.
من أجل تحقيق إمكانيات رأس المالي البشري أطلقت الحكومة عددا من المبادرات التي تهدف إلى تحسين جودة تعليم و تدريب العمال في المناطق الريفية، لكي توفر لهم فرص عمل في القطاعات التي تتطلب أعلى المؤهلات وهي تأمين جميع الهنود بحسابات مصرفية من أجل تعليمهم التخطيط المالي وتقديم التأمين العالمي المجاني على الحياة وتشجيع التوسع في استخدام الحاسوب والإنترنت وعموما تعليم الموظفين لتلبية الاحتياجات المتزايدة في مجال الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتجارة التجزئة.
الجيوسياسة
منذ انتخابه اتخذ مودي جهودا رامية لتعزيز العلاقات مع روسيا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية. تعد الهند شريكا قيما لكل من هذه الدول في التداول بقاعدة استهلاكية وموارد بشرية ضخمة التي في انتظار الاستخدام. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو معرفة إستراتيجية الاتحاد مع هذه الدول.
روسيا التي خرجت من وضع التوازن نظرا للعقوبات الاقتصادية الغربية و للانخفاض في أسعار النفط بحاجة إلى الشراكة مع الهند أكثر من أي وقت مضى، من أجل إنشاء موطئ اقتصادي في آسيا و لمقاومة نفوذ الولايات المتحدة. ترغب الولايات المتحدة بدورها في توسيع التجارة الثنائية مع الهند التي بلغ حجمها في عام 2013 95 مليار دولار و ترغب باستخدام حالة البلاد الديمقراطية من أجل موازنة نفوذ الصين في المنطقة الآسيوية (منذ أسبوع قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة إلى الهند بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين). ويمد مودي يد الصداقة إلى كل هذه البلدان، بدوافع دبلوماسية في نفس الوقت يحتفظ بحرية الاختيار، من أجل إقامة شراكات من شأنها أن تجلب فائدة أكثر للهند ماليا وسياسيا.
قد لا تتمكن الهند من تحقيق الهدف المنشود بالطريقة المرغوبة و في الوقت المرغوب ولكنها من المحتمل جدا أن تصبح قريبا لاعبا قياديا في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية .