توقعات تطور وسائل الإعلام في العشرين سنة القادمة
الصفحة الرئيسية تحليلات

ألقت إيمي ويب المستشارة في وسائل الإعلام الإلكترونية ورئيسة شركة Webbmedia Group كلمة أمام خريجي كلية الصحافة في جامعة فيرجينيا الغربية حكت فيها عما ينتظر الصحفيين وعالم الوسائط المتعددة في المستقبل القريب.

إنه لشرف عظيم لي أن أكون هنا في هذا اليوم الهام لألقي كلمة توجيه لخريجي الصحافة بجامعة فيرجينيا الغربية. وأعتقد أننا يجب أن نتبع العرف العظيم ونبدأ من صورة سيلفي هائلة!

أريد أن أرسل فوراً تغريدة إلى أيلين ديجينيريس (ممثلة وهزلية ومقدمة برامج تلفزيونية)

إن عدداً من خريجي @WVUJournalism يبدؤون قريباً البحث عن عمل @TheEllenShow. لا تدعهم يفوتونك! #mountaineerforlife

أتذكر حفل تخرجي في جامعة كولومبيا، وأتذكر كيف كنت جالسة أرتدي المعطف والقبعة الأكاديمية وأنا أفكر بعملي المستقبلي في الصحافة. سنحت لي فرصة عجيبة للعمل الصحفي في آسيا في وقت كانت فيه كل تلك التكنولوجيا التي تبدو الآن معتادة لا تزال في بداياتها. منذ حوالي 15 سنة كان عندي كاميرا مع مشغل MP3 مدمج. مر وقت وجيز فصار بإمكاني استخدام هاتف خليوي ياباني صغير لأحجز بطاقات القطار. كان ذلك في الوقت الذي اشترى فيه آباؤكم هواتفهم الجوالة الأولى هنا في الولايات المتحدة.

كنت قد أدركت حينها كم سيتغير العالم الذي نعيشه اليوم عن تلك الحقبة. فتنني الإنترنت منذ كان في بداياته والآمال الواعدة للتقنيات الجوالة والإتاحة غير المحدودة للبيانات التي كنت أتوقعها، وكنت مستعدة لتكريس نفسي لهذا العالم بالكامل.

صرت الآن مستشارة في قضايا وسائل الإعلام الإلكترونية. أحاور الخبراء باستمرار وأدرس براءات الاختراع وأجرب النماذج الأولية وأبحث النزعات وأراقب سلوك الإنسان من أجل التنبؤ بالتكنولوجيا الجديدة. تستشيرني شركات من قائمة Fortune 500 ومؤسسات حكومية وغيرهم الكثيرون فأحكي لهم عن النزعات التي أراها وأنصحهم حول كيفية الاستفادة منها. يتلخص عملي في أنني أحاول التكهن بشكل الواقع الجديد، وفي نهاية الأمر أساهم في خلقه.

أريد اليوم أن أقول لكم خمسة أمور هامة ستحدث معكم ومع مظهر الوسائط المتعددة ككل قبل أن تجتمعوا مرة أخرى لتحتفلوا بالذكرى العشرين للتخرج.

الأخبار ستصبح مخصصة

لن يبقى هناك قصص موجهة للجميع، وبدل ذلك ستحدد تياراتكم من البيانات الشخصية كالأذواق والتفضيلات والقناعات ودائرة معارفكم وعمركم وجنسكم والكثير غيره يحدد الأخبار والدعاية التي تتلقونها. سوف تراقب سلوككم خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة. وهذه النظم هي التي تحدد ما هي المواضيع التي سترونها ومتى تُعرض عليكم، وليس المحرر أو المنتج.

لقطة من فيلم «الشبكة الاجتماعية» التي يبرمج فيها مؤسسو الفيسبوك أول موقع مشترك لهم. قبل عدة أسابيع من هذه الكلمة أطلق الفيسبوك خدمة FB Newswire الذي يهدف إلى مساعدة الصحفيين في نشر الأخبار.

الأخبار ستجدك بنفسها، وستصلك من جميع الوسائل: لوحات الإعلان الإلكترونية التي ستتعرف عليكم بواسطة نظم التعرف على ملامح الوجه؛ من العدسات اللاصقة ذات الكاميرات والشاشات؛ من النافذة الأمامية لسياراتكم... ستحدد مقاييس التسارع إن كنت جالساً وراء مكتب وستقيس المستشعرات مدى انشغالك. إذا كنت تمارس الجري في الحديقة فسيكون لديها علم بذلك. وحسب نشاطك في كل لحظة تحصل على نسخ مختلفة من الأخبار؛ مثلاً قد يصلك ملف صوتي مدته دقيقتان فيه تعداد للعناوين، وقد تكون مقالة تحليلية طويلة مع روابط إلى المعلومات عن الشخصيات الرئيسية.

سيكون شكل هيئات التحرير ووكالات الدعاية مختلفاً تماماً بعد 20 سنة. لن تعمل بمفردك وراء مكتبك أو في المكتب بل ستضطر إلى التعاون ليس مع المحرر فحسب بل كذلك مع المختص في البيانات ومصمم التفاعلات والمختص في التكنولوجيا والمسؤول عن مراقبة الالتزام بالمفاهيم.

لن تعود تتفرج على الأخبار أو تسمعها أو تقرؤها بل ستعيشها

بعد عشرين سنة وربما قبل ذلك ستشعر بالصحافة والدعاية بكامل مضمونها. جميعكم سمع بالتأكيد عن Oculus Rift، نظارات الواقع الافتراضي. هذه النظارات في الواقع تحتال على دماغك فتجعله يفكر أنك جزء من المشهد الذي تعرضه لك. التشبيه التالي موجه لمن يتابع مسلسل «صراع العروش» ويتصورون الجدار: تعطيك Oculus تجربة الوقوف هناك على الجدار. تنظر إلى الأسفل وترى كل شيء وكأن قدميك على حافة الجدار. إنها تجربة رهيبة حقاً.

في الحاضر Oculus والمنتجات المنافسة له لا يمكن شراؤها بعد، ولكن تصوروا كيف ستغير هذه التكنولوجيا إلى الأبد صميم رواية القصص. فكروا عن الانهيارات الطينية في سياتل أو الإعصار كاترينا. تقوم بعض المؤسسات الإخبارية بعمل جبار حقاً لتوصل إلينا قصصاً كهذه، مثل سلسلة التقارير الخاصة Rising From Ruin التي كانت تبثها MSNBC على الإنترنت مباشرة والتي كانت من أفضل هذه المشاريع. عرفنا قصص الناس الذين بقوا على قيد الحياة بعد الكارثة، ولكننا ما زلنا نتفرج على الشاشة ذات البعدين فبقينا مستهلكين منفعلين للأخبار. فكروا الآن كيف يمكن أن تتغير نظرتنا إلى الأشياء إذا صار عندنا إمكانية ارتداء جهاز الواقع الافتراضي فننتقل إلى وسط الأحداث؟ سنستطيع أن نعيش القصة مباشرة، وستصبح حقيقةً بالنسبة لنا.

تقدمت Google بطلب الحصول على براءة اختراع عدسات لاصقة مع كاميرا مجهرية ومستشعرات أخرى مدمجة فيها. تعرفون عن Google Glass؛ هل يمكن أن تتصوروا عدسات لاصقة تتصف بالإمكانيات نفسها، لكنها تبث على كامل الساحة البصرية؟ إن المحتوى الذي سنعيشه كما هو بدل أن نكتفي باستهلاكه سيغير موقفنا من الدعاية والتسويق. لمن يريد أن يعمل في هذين المجالين: سيكون بين زبائنكم آلات، ومن ثم ستقومون بتطوير استراتيجيات تسويقية من أجل نظم الذكاء الاصطناعي وليس للماركات الكبرى فقط.

جزء من براءة اختراع Google للعدسات اللاصقة المجهزة بجهاز الواقع المزيد

سوف تكون المستشعرات البيومترية في السيارة قادرة على تشخيص النعاس، فتوجه إلى شاشة النافذة الأمامية إشعاراً أن هناك مقهى قريب. يكفي أن تنظر إلى مطعم لترى آراء الناس عنه في Yelp. أو يكفي أن توقف نظرتك على وجه شخص ما بضع ثوان لتعرف من هو وعما يفكر. وفجأة يمكن أن يصبح كل شيء يحيط بنا ماركة أو دعوة تسويقية.

سوف تستطيعون في المستقبل استخدام هذه الأجهزة من أجل إرسال التقارير ونقل المعلومات في الزمان الحقيقي إلى أي شخص كان. إذن، عندما تكون في المرة القادمة في مهرجان Coachella وتجد ليوناردو دي كابريو يرقص قربك لن تضطر إلى التنقيب في حقيبتك بحثاً عن تلفونك لتصوره: يكفي أن تنظر إليه – وهذا ما كنت ستفعله في أي حال – ثم تشاطر تجربتك مع أصدقائك.

التحديات للخصوصية

ستتدخل التكنولوجيا مع تطورها في تلك المجالات التي اعتدنا أن نعتبرها ضمن حياتنا الشخصية. لو اقترح علي أحدهم عندما كنت أدرس في الكلية أن أحكي للناس الغرباء عن مكان وجودي في كل لحظة وأشاطرهم آرائي عن الوقائع الجارية والمطاعم والمآكل التي أحبها والموسيقا التي أفضّلها لضحكت في وجهه. ولكن اليوم لن تحتاجوا إلى أكثر من دقيقتين لتعرفوا عني أنني متزوجة وأقود سيارة Audi سوداء وفشلت مراراً في محاولاتي لتحضير المكارون الفرنسي.

ستبقى تصوراتنا عن الخصوصية تتغير خلال السنوات العشرين القادمة، مما يؤثر على الصحافة والتسويق والدعاية والعلاقات العامة، بل على مجتمعنا ككل. أغلبنا سيحمل معه على الدوام كاميرا ممتازة، وربما تكون خفية. سيكون عليكم اتخاذ القرارات حول المواقف عندما يكون استخدامها مقبولاً والمواقف التي يؤدي استخدامها فيها إلى خرق حدود الأخلاقيات. سيكون عليكم تحديد مدى خصوصية البيانات التي تجمعها بحثاً عن الدعاية والتسويق، وبصفتك مستهلكاً سيكون عليك أن تقرر ما هي المعلومات التي تحب أن تشاطرها مقابل الحصول على خدمات مجانية.

إن النقاشات حول العلاقة بين المعلومات والأخلاقيات التي شاركتم فيها خلال فترة دراستكم لم تكن إلا بداية. يجب عليكم التفكير في ذلك باستمرار، ويجب أن تحافظوا على صفاء عقلكم لتجدوا الإجابات الصحيحة.

سوف تستمرون بالتعلم

أعرف أن هذا الكلام آخر ما تتمنون سماعه في حفل التخرج، ولكن هذه هي الحقيقة. لا أقول أن عليكم التسجيل فوراً في برنامج اختصاص أو الحصول على شهادة Ruby On Rails في هذا الصيف. ولكن يجب أن تستمروا بالتعلم المستقل، من جهة لأن تعلم شيء جديد ممتع للغاية، ومن جهة أخرى لأن خير وسيلة لتفيد مستقبلك الشخصي هي الالتزام بتوسيع آفاقك باستمرار.

والطريقة المثلى لذلك بسيطة جداً: يجب أن تبقوا فضوليين بشراسة. صدقوا أو لا تصدقوا، إنها الحالة التي بقيتم فيها خلال السنوات الأربع الماضية وأنتم طلاب عندما بدأتم بدراسة الأفكار الجدية وانغمستم في مجالات كانت جديدة عليكم تماماً، مثل نظرية الاقتصاد الجزئي أو الأنثروبولوجيا. بل حتى عندما تفحصتم ما هي أنواع البيرة في البار.

أفضل طريقة للتحضير للمستقبل هي أن تقوم بتربية الفضول في نفسك. انتبهوا للعالم حولكم.

لا داعي للحملقة في جوالك باستمرار، بل عندما تتجه إلى مكان ما انظر حولك وانتبه للإشارات والشاخصات المرورية ولوحات الإعلانات وحتى حاويات القمامة. عندما تكون في المطار انتبه كيف يسير طابور الناس. في أي مواضع تتعرقل حركة الطابور؟ ولماذا؟ إذا سمعت بمقطع فيديو حاز على ملايين المشاهدات على اليوتيوب لا تعبّر عن استيائك بل شاهد عدداً من المقاطع الفيروسية واسأل نفسك ما الذي جعلها تحظى بهذه الشعبية.

هذا ما أفعله باستمرار. أنا أسأل أسئلة كثيرة، أكثر مما تسأل بنتي، وهي في الرابعة من عمرها، وهذا قد يتجاوز حدود اللباقة. إذا ذكر أحدهم لي اختصاراً لم أسمع به من قبل أسألهم ما معناه. إذا حصل أن جاري في الطائرة أو القطار أخرج هاتفه النقال أطلب منه أن يريني التطبيقات المفضلة لديه. اسألوا ثم اسألوا ثم اسألوا.

كقاعدة، الابتكارات الأفضل ليست أفكاراً جديدة بالكامل إنما تحسينات صغيرة، أي أنها أفكار تحل مسألة بسيطة. تم إنشاء تويتر لمساعدة المشاركين في مهرجان SXSW على أن يجدوا رفاقاً لأن إرسال رسائل قصيرة بالجوال إلى عدد هائل من الناس كان صعباً. ظهرت OpenTable من أجل تيسير إمكانية البحث عن طاولة في مطعم مساء أيام العطل بلا الحاجة إلى الاتصال الهاتفي بأعداد كبيرة من المطاعم... فضلاً عن اختيار المطاعم التي يوجد فيها نظام حجز مصدوق. وفي سياق الصحافة والتسويق والدعاية والعلاقات العامة سيقودكم فضولكم الشره إلى أفضل الأفكار. ستجدون جواهر لم يلاحظها أحد قبلكم وتروون هذه القصص بأسلوب جديد ساحر. ستعرفون كيف تجعلوا عالم الوسائط أفضل.

لا ضرورة لمحاولة التنبؤ بطريق تطور التكنولوجيا كما أفعل أنا، ولكن عليكم أن تشاركوا في ترسيخ التكنولوجيا في مراحلها الأولى. اقضوا نصف ساعة في متجر الإلكترونيات كي يحكي البائع لكم عن جهازه المفضل. سجلوا في دورات أونلاين في كل لحظة فراغ. اسمحوا لنفسكم بقراءة الكتب من خارج نطاق عملكم المباشر وتعرفوا على روايات الخيال. يجب أن تصبحوا من أنصار التعلم المستمر.

لن تجري الأمور أبداً وفق الخطة

إن التكنولوجيا التي أتحدث عنها ستغير مسيرتكم المهنية. بعضكم سيبدأ عمله من التقارير الصحفية ومجموعات الوقائع من أجل صحيفة أو برنامج أخبار. ولكني أعتقد أن مفهوم العمل الصحفي سيتغير قبل أن تبلغوا الثلاثين من عمركم، والشيء نفسه ينطبق على من سيكرسون أنفسهم للتسويق والدعاية والعلاقات العامة. هذا ليس سيئاً، لأنه يعني أن فرصاً أكثر ستتاح لكم لتطبقوا مقدراتكم الإبداعية وتعملوا مع أدوات قديرة تجعل عملكم في النهاية أكثر متعة.

«شاشة الموت الزرقاء» في ويندوز 8. يعتبر الكثيرون هذا النظام فاشلاً تماماً

ليس من الضروري أن يتجسد النجاح الذي تعملون من أجله باذلين كل هذه الجهود والذي كنتم تأملون به أنتم وأهلكم. يوماً ما سترتكبون خطأ فظيعاً، فظيعاً حقاً. قد يؤدي هذا الخطأ إلى فصلكم من عملكم. أو ربما قد تنجزون شيئاً عظيماً، مثلاً تكتشفون حقيقة هامة أو تحصلون على اعتراف صحفي لزبونكم... ولسبب مجهول تحصدون من وراء ذلك الطرد من العمل أو تخفيضاً وظيفياً. هذا أمر عادي. إذا كنتم أذكياء وأقوياء ستأخذون فترة راحة من أجل التأمل. الهزيمة تعزز إدراك نقاط القوة. وبالتأكيد، حدث في حياتي هزائم أكثر من مرة.

من حسن حظي عندي دائرة أصدقاء وزملاء يقدمون لي التهانئ وليس التعازي عندما يسمعون بفشل أصبت به. لقد أدركت أنني سأثير حتماً الاستياء عند بعض الناس عندما أقوم بعمل كبير لمصلحة المجتمع. كل واحد من أبطالي الذين كانوا مبدعين حقيقيين كانوا كذلك يستفزون الناس. بنجامين فرانكلين سرحوه من منصب نائب مدير مكتب بريد لأنه كان يهرب من العمل ليقوم «بالعمل الدبلوماسي» في لندن. كاد ستيف جوبز يقضي على شركته لأنه كان يطالب أن يعمل الفريق بأقصى جهد ممكن، ولأنه كان يريد إنتاج منتجات أفضل من الجميع. صنع توماس إديسون 10 آلاف نموذج أولي للمصباح الكهربائي قبل أن حصل على مصباح يعمل. أتعرفون ماذا قال؟

«لم أفشل ولا مرة في حياتي، إنما اكتشفت عشرة آلاف طريقة غير فعالة».

في لحظة ما ستفشل، ثم تدرك أن ذلك كان أفضل ما حدث لك. في كثير من الأحيان يمهّد الفشل الطريق إلى النجاح الكبير. إن لم تكن تخطئ فأنت لا تتطور ولا تبدع ولا تخاطر ولا تبذل قصارى جهدك، بل لا تعيش.

أتنبأ أن لديكم الأدوات الضرورية لتحقيق النجاح، ولذا ستكون الخطوة القادمة في حياتكم هي اتخاذ عدة قرارات هامة:

  • أن تستخدم التكنولوجيا.
  • أن تحدد لنفسك أهدافاً سامية أكثر رقياً من أي هدف كان يمكن أن يفرضه عليك أي شخص آخر.
  • أن تكتشف حماسك وكامنك الإبداعي ودوافعك.
  • أن تعمل دائماً بجد أكثر وتفكر بعمق أكثر من الشخص الذي يجلس في جوارك.
  • أن تلقي نظرة راجعة في مثل هذا اليوم بعد 20 سنة لتفتخر بالمستقبل الذي كنت تنتظره فخلقته.

أحر التهاني للجميع، وشكراً لإصغائكم.

المصدر: Medium.com

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق