الصعود والهبوط والأزمة الوجودية للعملة الموحدة.
في الآونة الأخيرة بدا اليورو محكوما عليه بالزوال. خلال أزمة الديون في منطقة اليورو في عام 2012، عندما انهارت اليونان،ترنحت بنوك إسبانيا أما ألمانيا فتساءلت عن السبب لماذا يجب أن تدفع حساب الآخرين، شك العديد في مستقبل اليورو. العملة الأوروبية الموحدة؟ حاول أن تتذكر متى كانت أوروبا موحدة بالفعل. و لآن عندما يتواجد النمو الاقتصادي في منطقة اليورو في حالة من الركود تثور اليونان مرة أخرى وهذا هو بمثابة تذكير لجميع المشاكل الناجمة عن عملة اليورو. يظهر السؤال نفسه مرارا وتكرارا: هل يمكن للتجربة المالية العالمية الأكثر طموحا أن تصبح ناجحة ؟
الوضع الحالي
لقد وعد حزب سيريزا اليوناني الذي فاز في انتخابات شهر يناير تحت شعار سياسة التقشف، بإلغاء الديون العامة والقضاء على القيود المفروضة على الميزانية المرتبطة بالحصول على المساعدات الخارجية. على الرغم من أن غالبية اليونانيين لا يدعمون رفض اليورو. إن أفعال الحكومة تزيد من خطر خروج اليونان من الاتحاد النقدي. في فبراير تمكنت البلاد من إبرام اتفاق مع الدائنين على تأخير دفع الديون لمدة أربعة أشهر.
في نفس الوقت تضغط فرنسا و إيطاليا على الاتحاد الأوروبي من خلال مطالبتهما بتخفيف القواعد المالية أو لإعطائهما المزيد من الحرية في الإنفاق وفي دعم الركود الاقتصادي. إن توقعات النمو الاقتصادي في 19 من بلدان الاتحاد النقدي هي 1.3% فقط في عام 2015 ، أي ثلث مؤشر الولايات الأمريكية المتحدة. لا تزال البطالة عند مستوى قياسي بنسبة 12% بينما 25% من الشباب لا يمكنهم العثور على عمل.
في يوليو عام 2014، قام البنك المركزي الأوروبي بفرض أسعار الفائدة السلبية وفي يناير عام 2015 أعلن عن برنامج إعادة شراء السندات الحكومية بهدف تحفيز النمو الاقتصادي لمكافحة الانكماش. إن احتمال التوسع في الحوافز النقدية- القرضية تسبب في هبوط عائدات السندات الحكومية في منطقة اليورو (باستثناء اليونان) في بداية عام 2015 إلى مستويات دنيا قياسية جديدة وأصبح سعر صرف اليورو مقابل الدولار في أدنى مستوياته خلال أكثر من عقد.
لحظة من التاريخ
لقد تم إنشاء الاتحاد الأوروبي في عام 1958، عندما وعد قادة القارة رسميا بالقضاء على إمكانية حدوث أي حرب. لقد ظهرت عملة اليورو بعد 41 عاما عندما رفضت 11 دولة الماركات، الفرنك و الليرة و قامت أيضا بتسليم التحكم في أسعار الفائدة إلى البنك المركزي الأوروبي. لقد سمحت العملة الموحدة لأعضاء الاتحاد بتوسيع النفاذ إلى الأسواق العالمية لضمان الاستقرار في أسعار الصرف.لكنها لم تتطلب نفس سلوك الانضباط المالي من الدول الأعضاء في الاتحاد. نظرا لسيادتهم الوطنية ، قام السياسيون في الكثير من الأحيان بالخروج عن القواعد العامة للنفقات الحكومية وعن تنظيم العمل المصرفي.
إن الأزمة العالمية عام 2008 أضعفت اليورو عندما اعترفت اليونان بأن العجز في الميزانية يتجاوز التوقعات بمرتين. سارع المستثمرون في التخلص من الأصول في الدول التي كانت الأكثر تثقلا بالديون ما أدى إلى الزيادة الحادة في تكلفة الاقتراض. لقد جعل اليورو تخفيض قيمة عملات أضعف البلدان أمرا مستحيلا، من خلال الحد من مجموعة أدواتهم الخاصة في إجراءات مكافحة الازمة. أتت في الواجهة سياسة التدابير على شكل تقديم المساعدة المالية إلى اليونان، إيرلندا، البرتغال و قبرص و إلى إنقاذ البنوك في إسبانيا. لقد أدى الذعر إلى زيادة المخاوف من انهيار منطقة اليورو نظرا لأن البنوك الضعيفة قد كانت في خطر لفقدان رأس المال المفاجئ في اليورو. هدأت العاصفة في يوليو عام 2012 ، عندما وعد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي بأن "يفعل كل شيء ممكن" لإنقاذ العملة الموحدة.
الآفاق
يؤكد قادة منطقة اليورو بأن الأسوأ قد انتهى. لقد أنشأت أنظمة جديدة لمركزية الرقابة والتنظيم المصرفي وبنيت الشاشات الواقية بين مشاكل المقترضين ودافعي الضرائب. لكن لم يتعمق المنظمون بما فيه الكفاية. لم يتم تنفيذ المقترحات بتعزيز التكامل بما في ذلك زيادة السيطرة على الميزانيات الوطنية وتوطيد التزامات الديون مما قد يخلق أرضا خصبة للأزمات المستقبلية.
إن عدم المساواة في الوضع الاقتصادي للدول الأعضاء في الاتحاد يعقد تنفيذ سياسة البنك المركزي، نظرا لأنه يمكن للتدابير المحفزة أن توقف الجهود الرامية إلى زيادة الإنفاق أو أن تؤدي إلى تضخيم الفقاعات في أسواق الأصول المختلفة. خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي الآن لن يخلق مخاطر أنظمة كالتي حدثت عام 2012. لكن عدم اليقين بشأن الوضع يثير شائعات حول إمكانية خروج غيرها من الدول الضعيفة. تبقى الشكوك حول جدوى العملة الموحدة سارية المفعول.