سياسات إيران الشرق أوسطية
الصفحة الرئيسية تحليلات

إثنتين من أهم القوى الفاعلة في النزاع في سوريا التابعة لتنظيم القاعدة و هما جبهة النصرة وداعش والجماعات السنية المتطرفة التي جذبت الآلاف من المجندين الأجانب تختلفان حول كيفية شن الجهاد العالمي.

هناك وجهة نظر جهادية ثالثة تخوض المعركة السورية، وفقا لدراسة جديدة نشرها فيليب سميث لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ويمكن القول أنها الأكثر نجاحا من بينهم.

كما يشرح سميث، استخدمت إيران الحرب الأهلية السورية لتوسيع نفوذها على المجتمعات الشيعية في الشرق الأوسط وتحقيق الأهداف الإستراتيجية والأيديولوجية. دعم إيران لنظام بشار الأسد موثق جيدا.

ولكن دراسة سميث تتعمق في كيفية تحويل إيران الصراع إلى الاتجاه اللاهوتي تقريبا منذ البداية، وتم تحقيق ذلك خلال جرعات كبيرة من الخطابات المناهضة للولايات المتحدة والطائفية للتخويف. وفي الوقت نفسه، حشدت إيران شبكة واسعة من الجماعات المسلحة العراقية واللبنانية جنبا إلى جنب مع عناصر أجنبية أخرى متنوعة لمساندة نظام الأسد وتعميق نفوذ طهران في المنطقة.

إن دراسة سميث تنفي الاعتقاد الخاطئ بأن سوريا هي مصدر المشاكل لإيران، أو «الفيتنام» الثانية لها، كما ادعى بعض المحللين. «بالمعنى السياسي الأوسع، كانت إيران المنتصر الحقيقي للحرب السورية و العراقية، انتصارا الذي على الجمهورية الإسلامية أن تشكر قوات الميليشيا التابعة لها لتحقيقه»، يكتب سميث. نجحت طهران في تحويل الحرب في سوريا إلى صراع طائفي واستفادت بشكل كبير نتيجة لذلك.

وهنا كيف فعلت ذلك.

مؤيد لقائد حزب الله السيد حسن نصر الله في لبنان يحمل ملصق وهو يظهر على الشاشة لحديث في حفل أقيم لإحياء ذكرى مقتل ستة من مقاتلي حزب الله والجنرال الإيراني الذين قتلوا في غارة جوية اسرائيلية في سوريا في 18 يناير.

حولت إيران الدفاع عن الأسد إلى واجب ديني للشيعة

إيران والأسد هما حليفين استراتيجيين، ولكن إيران حولت بعناية دعمها للنظام إلى التزام ديني للشيعة تقريبا منذ بداية النزاع. كما يروي سميث تستخدم طهران الدفاع عن مرقد السيدة زينب، محج للشيعة في دمشق، كمبرر لتشجيع وكلاءها من الميليشيات. سميث يقتبس مجموعة من قادة الميليشيات، والأغاني المسلحة، وغيرها من البيانات التي تبين التركيز على الدفاع عن الضريح في مرحلة مبكرة في الحرب، في وقت مبكر من منتصف عام 2012، وهي فترة طويلة حيث لم تكن داعش حتى موجودة في شكلها الحالي.

بعد فترة وجيزة ظهرت مبررات دينية آخرى عندما بدأ حزب الله اللبناني شمل الدفاع عن المجتمعات الشيعية في سوريا إلى خطاباته. «الموضوعات المتعلقة بالدفاع و«المقاومة الإسلامية» التي بدأتها إيران، أبعدت الحرب السورية عن الدوافع السياسة الواقعية وبالتالي خلطت الأمور ببعضها» ، يكتب سميث. «وهكذا تحول الصراع إلى رومانسية الجهاد الذي يقاوم تهديدات وجودية متنوعة».

(ومن الجدير بالذكر في هذه المرحلة أن الأسد والعديد من كبار المسؤولين في النظام هم علويون. وبينما أعلن موسى الصدر، رجل دين شيعي لبناني وأحد الشخصيات الرئيسية في الشيعية، أن العلويين هم شيعة في الأصل في سبعينات القرن الماضي، لدى ممارساتهم ومعتقداتهم الدينية فعلا القليل من القواسم المشتركة و ربط العلويين مع المذهب الشيعي هو إلى حد كبير ظاهرة سياسية حديثة عجيبة).

رجلين يعرضون أصابعهم التي رسمت عليها ألوان العلم السوري أمام صورة ضخمة للرئيس بشار الأسد خلال تجمع الالآف في مارس 2011، عندما بدأت المعارضة التي من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهلية.

حولت إيران المعارضة السورية أنصارها إلى أعداء الوجودية.

كما يروي سميث، معارضة إيران ووكلائها للنظام السوري تتألف بالكامل من «التكفيريين» أو المسلمين الذين يؤمنون بأن أولئك الذين يفشلون في الالتزام الديني وفقا لتفسير الإسلام السني يجب أن يقتلوا.

ويعني هذا التعميم أن المعارضة السورية ومؤيدوها هم أعداء الشيعة في كل مكان.

كان هذا صحيحا حتى إذا لم يلتزموا بصراحة بالإيديولوجية التكفيرية: «في هذه الأيام، التكفيريون الجدد سواء كانوا أصوليين إسلاميين أو أصوليين ليبراليين أو أصوليين يساريين يلجؤون إلى نفس الأسلوب. هل تؤيد النظام السوري؟ إذا كانت الإجابة «نعم»، سيحكم عليك بالسجن إن لم يكن الموت»، كما كتب رئيس تحرير صحيفة لبنانية موالية لحزب الله «الأكبر» في شهر أغسطس من عام 2012.

كانت الولايات المتحدة غير صارمة في صياغة الاستجابة إلى الفوضى في سوريا. ولكن ذلك لم يمنع طهران من ربط الولايات المتحدة وحلفائها بهذا الخطر التكفيري. «في هذه الرواية»، سميث يكتب، «وكثيرا ما تورط الغرب باعتباره المحرض للتكفيريين».

العراقيون الشيعة من الجماعة المدعومة من قبل إيران «كتائب حزب الله» يلوحون بأعلام الحزب في حين سيرهم في موكب.

في الوقت نفسه،إيران تقوم ببناء شبكة من الميليشيات التي يمكن توجيهها

استخدمت إيران للحاجات الثورية حزب الله اللبناني كأداة لسياساتها في بلاد الشام لأكثر من 30 عاما. ولكن تقريرسميث يتعمق في التفاصيل الدقيقة حول الشبكات الإيرانية الأخرى المعروفة أقل في المنطقة. وعبأت شبكة ليوا أبو الفضل العباس الميليشيات الشيعية العراقية للقتال في سوريا وغالبا ما تدرج «مستشارين من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني» من أجل «التأثير على التنمية العسكرية والأيديولوجية للمجموعات».

لقد توغلت إيران بعمق في جهاز أمن العراق وحتى أرسلت الأجهزة الأمنية العادية العراقية إلى سوريا: «أيا كانت الأسباب يوجد احتمال قوي جدا أن عناصر من القوات الحكومية العراقية استخدمت منذ بداية التعاقدات المفتوحة من قبل الوكلاء الإيرانيين والمنظمات الشيعية الأخرى في سوريا»،

وقد أصبح هذا ممكنا جزئيا عن طريق أنشطة الجماعات العراقية المتحالفة مع إيران مثل منظمة بدر، واحدة من الميليشيات الطائفية الأكثر وحشية ظهرت في العراق خلال العملية الأمريكية في العقد الماضي. كما يلاحظ سميث، محمد الغبان، قيادي في بدر يعمل حاليا وزيرا للداخلية في العراق.

وتتراوح الجماعات المتحالفة مع إيران من وكلاء مباشرين مثل حزب الله لأصغر حجما، وأقل خضوعا للمساءلة، والمزيد من العناصر المسلحة المحلية. وقد انشقت بعض هذه الجماعات. ولكن جميعا تصب في الإستراتيجية الإقليمية الإيرانية الكبرى: «ما يبدو كانحلال في الصفوف هو بدلا من ذلك يذكرنا أكثر بتكرار الخلية، مع مجموعات جديدة ببساطة توسع حجم وتأثير شبكة الحرس الثوري الإيراني ونماذجه».

مقاتل الجيش السوري الحر يختبئ خلال الاشتباكات مع الجيش السوري في حي صلاح الدين.

مع أخذ جميع البيانات في عين الاعتبار إيران تنتصر بشكل واضح

الشيء الأكثر مدعاة للقلق حول إدارة وتأطير الصراع في سوريا من قبل إيران هو أنه يعمل فعلا. كما يكتب سميث، «النجاحات في ساحة المعركة» من قبل داعش و جبهة النصرة "قد تسببت بشكل فعال بأن إستراتيجية الرسائل الإيرانية والأسدية ظهرت وكأنها نبوءة تحقق ذاتها بدلا من كونها عملية متقدمة لتغيير الوائع حول ماهية المتمردين».

والمتمردون العلمانيون الذين دعتهم إيران وحلفاءها ب «التكفيريين» بالكاد يتحكمون بالأراضي القليلة التي لا يزالون يسيطيرون عليها. وتخاض الحرب على طول خط الصدع الطائفي الذي يفضل في إيران مع المتطرفين السنة الذين يقاتلون شبكة من المحاربين الدينيين الشيعيين مرسلين إلى حد كبير من طهران.

التحكم: نظام الأسد (أحمر)؛ المتمردون الأساسيون (أخضر)؛ الأكراد (أصفر)؛ جبهة النصرة (بني)؛ داعش(أسود)

الولايات المتحدة قامت حتى ب«التفاوض» مع القوات الجوية السورية والإيرانية في العراق وسوريا. وهذا لا يرقى لتبني السرد الإيراني للحرب، وإنما هو علامة على كيفية استجابة سياسة الولايات المتحدة للشروط التي أقراها إيران والأسد على الصراع.

تقرير سميث هو نظرة مهمة في كيفية وأسباب قدرات إيران قادرة على النجاح.

كانت طهران قادرة على إشعال ومن ثم توجيه المقاتلين الطائفيين الشيعيين من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. ولكن كما يوضح سميث الأهداف النهائية لإيران لها طابع دنيوي وسياسي في الطبيعة: «ما قد يبدو كتدفق مفكك أو حتى عضوي من المقاتلين الشيعة إلى سوريا، بحجة الدفاع عن المقدسات الشيعية في البلاد هو في الواقع محاولة جيواستراتيجية إلى درجة عالية من التنظيم و جهد إيديولوجي من قبل إيران لحماية حليفها في دمشق وضمان تحقيق مشروعها ضمن سوريا والعراق وجميع أنحاء الشرق الأوسط ».

المصدر: businessinsider

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق