أحد الجوانب الأكثر مأساوية من التمدد الحالي لما يسمى بالدولة الإسلامية في سوريا وشمال العراق هو التطهير العرقي الديني الذي يرتكب تحت حجة السنية التي نصبت نفسها في "الخلافة". وهذه هي أصداء القمع الأخير للمسيحيين الأقباط في مصر تحت راية الإخوان المسلمين والضعف المتزايد للأقليات الدينية في سوريا، بما في ذلك المسيحيون والدروز والنخبة الحاكمة العلوية.
أحد الجوانب الأكثر مأساوية من التمدد الحالي لما يسمى بالدولة الإسلامية في سوريا وشمال العراق هو التطهير العرقي الديني الذي يرتكب تحت حجة السنية التي نصبت نفسها في "الخلافة". وهذه هي أصداء القمع الأخير للمسيحيين الأقباط في مصر تحت راية الإخوان المسلمين والضعف المتزايد للأقليات الدينية في سوريا، بما في ذلك المسيحيون والدروز والنخبة الحاكمة العلوية.
مع تقارير كثيرة عن هذا العنف تأتي الصفات مثل "بربرية" و "العصور الوسطى"، جنبا إلى جنب مع الإيحاء أن هذا النوع من التعصب هو سمة إسلامية تتناقض مع العلمانية المستنيرة والعقلانية في الغرب.
ولكن وحشية هذا العنف الطائفي تتناقض مع حقيقة أن هناك الكثير من الأقليات الدينية في الشرق الأوسط تقف شاهدة على أنه على الرغم من العداوات الطويلة الأمد والجماعات العرقية والطوائف الدينية التي لا تعد ولا تحصى المنطقة لم تنجو فحسب، بل حتى ازدهرت خلال حوالي 1.500 سنة من الهيمنة الإسلامية. ثراء الثقافة حيث يوجد العديد من الطوائف القديمة واللغات الغامضة (التي بقيت على قيد الحياة في كثير من الأحيان فقط في المجتمعات المحلية الصغيرة للغاية) التي تسبق المسيحية والإسلام واليهودية الحديثة ليس له مثيل في أوروبا. الديانة الإيزيدية، على سبيل المثال، ترجع إلى فترة البلاد ما بين النهرين. الآرامية، لغة السيد المسيح، لا يزال يتحدث بها في عدة قرى قريبة من دمشق.
هذا لا يعني أن الشرق الأوسط الإسلامي قد كان "معقلا" للتسامح؛ إن تاريخه مليء باندلاع العنف العرقي الديني. ولكن على العموم، كانت هذه ظاهرة نادرة، ونادرا ما كان العنف مميتا للمجتمعات المعنية. قد تزاوج السنة والشيعة وتداخلوا لألف سنة، والعلويون والدروز قد عاشوا بسلام. وبصرف النظر عن بعض نوبات القمع المؤقتة، ازدهرت اليهودية في الشرق الأوسط المسلم حتى الآونة الأخيرة والمسيحية هنا لديها تنوع لا مثيل له في أي مكان آخر.
اللاجئون العراقيون من الطائفة اليزيدية يصلون إلى معسكر بجيد قندلة في بلدة فيشخابور بالقرب من الحدود السورية العراقية، 9 أغسطس، 2014. ( AP)
من ناحية أخرى،في أوروبا الغربية الحديثة، عندما اتخذت فكرة القومية شكلها الحالي وظهرت الديمقراطية الشعبية، التي تأسست على فكرة أن كل دولة لها لغة واحدة، شعب واحد ودين واحد. راهن الحكام الأوروبيون شرعيتهم على مطالبتهم بالسلطة الأخلاقية العالمية والعقيدة الدينية.بعد ذلك اعتبر أولئك الذين لم يكونوا أرثوذكسيين دينيا مشتبهٌ بهم، و تم اضطهادهم، وفي بعض الحالات القضاء عليهم. واستهدفت الجاليات المسلمة واليهودية للقضاء عليهم. ثم تم القضاء على الجماعات المسيحية المهرطقة. وأدى انقسام البروتستانت و الكاثوليك إلى سلسلة من الحروب الدموية. والأيديولوجيات العلمانية التي ظهرت في القرن الماضي مثل الستالينية والفاشية التي لم تكن أكثر تسامحا.
في منطقة الشرق الأوسط والمناطق الإسلامية على البحر المتوسط تم إنشاء التنوع الديني كجزء من ثقافة المنطقة باعتبارها ضرورة عملية، إن لم تكن فضيلة في حد ذاتها منذ فترة طويلة.التصورات التقليدية حول الدولة هنا هي مجموع الطوائف العرقية والدينية المتميزة، مع مجموعة واحدة مهيمنة وأخرى تابعة رسميا. تاريخيا كانت الأقليات أو المجتمعات المحلية "المحمية"، تملك حقوق منصوص عليها في القانون وكانت نظمها الخاصة موازية لنظام العدالة الدولي. كانت المجتمعات العرقية والدينية بدلا من الفرد متميزة ومحمية، وبينما قد تم تقييد الحريات الشخصية كان الاستقرار الاجتماعي مكافأة لتحمل هذه القوائد. التساوي بدلا من المساواة هو الطموح في مثل هذا الترتيب، لأنه هو الإنصاف الذي يضمن بقاء المجتمعات الضعيفة. وبالتالي فإن المسيحيين الأقباط من مصر لم ينجوا فحسب بل حافظوا على التماسك وهويتهم ونفوذهم في قطاعات إدارية ومالية حتى يومنا هذا.
وهذا يعكس نموذج مختلف تماما من تسوية سياسية من تلك التي وضعت في الغرب وأنه قد يبدو تنازليا بالنسبة لنا. ولكن هذا النظام الذي نشأ بشكل طبيعي قد عمل لمدة 14 قرنا.
إذاً انهيار التسامح الديني والتعددية في الشرق الأوسط اليوم ليس مظهرا من مظاهر بعض الهمجية الإسلامية بشكل خاص أو دليل على العودة إلى العصور الوسطى. كما أنه ليس ديني المنشأ، وعلى الرغم من أنه يبدو على هذا النحو. بل هو عرض من أعراض ما نسميه التحديث وإطاره السياسي: النزعة الدينية.
لم يفرض النمط الأوروبي من القومية في الشرق الأوسط بل كانت الطبقات السياسية المحلية الناشئة تطمح إلى القومية كنموذج من أواخر القرن التاسع عشر فصاعدا بسبب ارتباطه مع الحداثة والازدهار. في الواقع، عن طريق الصدفة، كان فرض الحدود التعسفية للدولة بعد الحرب العالمية الأولى يكبح الحركات الوطنية عن طريق رسم الحدود التي لم تتزامن مع "الدول" المتجانسة عرقيا، وبالتالي تم ضمان أن العديد من الدول الجديدة ستبقى متنوعة.
اليوم يبدو أننا نشهد عملية إعادة القومية في باقي دول الشرق الأوسط ووهي عملية قمنا بتسريعها منذ عام 2002 عن طريق تقويض مصطنع الدول التي كانت تمثل تركة الاستعمار الأوروبي. إذا كانت هذه هي الحال فيمكننا أن نتوقع المزيد من "بربرية القرون الوسطى" على الأقل خلال المدى المتوسط. ولكن ما هو البديل؟ هل يجب علينا دعم الأنظمة الاستبدادية التي هي قمعية في حد ذاتها؟
اليوم يبدو أننا نشهد عملية إعادة القومية في باقي دول الشرق الأوسط ووهي عملية قمنا بتسريعها منذ عام 2002 عن طريق تقويض مصطنع الدول التي كانت تمثل تركة الاستعمار الأوروبي. إذا كانت هذه هي الحال فيمكننا أن نتوقع المزيد من "بربرية القرون الوسطى" على الأقل خلال المدى المتوسط. ولكن ما هو البديل؟ هل يجب علينا دعم الأنظمة الاستبدادية التي هي قمعية في حد ذاتها؟ نحن نقول أننا نريد الدول العربية الإسلامية أن "تنمو"، ولكن هل نريد شرق أوسط مستعمر من قبل النخب الوهابية؟
الدروس من ماضينا ليست مشجعة بشكل خاص. استغرقت أوروبا 500 سنة (والعد مستمر) لوضع حدود لها و تطلب ذلك نصف الألفية الحرب والإبادة الجماعية على نطاق واسع. حتى الآن تشير استمرار كراهية الأجانب والعنصرية ومعاداة السامية وكراهية الإسلام أن مجتمعاتنا لم تنجح بالكامل تعدي تحديات التنوع. ومهما كان الشر الذي يكمن في قلب الدولة الإسلامية هو نفس الشر الذي يتربص في قلب البشرية جمعاء.
ربما كل ما يمكننا القيام به الآن هو تشجيع تطوير المؤسسات على أساس الشمولية ولكن التي يتردد صداها مع ثقافات هذه الأراضي، بدلا من محاولة الفرض عليهم النماذج التي تنبع من تجربتنا الخاصة التي لن يشعروا تجاهها بأي تقارب أو جاذبية . مع أخذ ذلك في الاعتبار، يجب أن نعد أنفسنا للأسوأ.