تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الدول استقرارا في الشرق الأوسط، مع سمعة دولية كمركز تجاري ووجهة سياحية. ولكن وراء هذه الواجهة من البريق يتبين أنها لا تتسامح مع المعارضة، يكتب خبير الخليج كريستوفر ديفيدسون.
في منتصف فبراير تم استدعاء ثلاث شقيقات إماراتيات، أسماء و مريم و اليازية السويدي إلى مركز للشرطة في أبوظبي ولم يراهن أحد منذ ذلك الحين.
كانت تكتبن على التويتر دعما لشقيقهم، عيسى السويدي الذي يقضي حاليا حكما بالسجن لمدة طويلة مع العديد من الآخرين لدوره المزعوم في "مؤامرة الانقلاب".
كتبت أسماء في التويتر: "لقد بحثت و لم أقرأ في قضية أخي أي حجة معقولة أدت إلى عزلته وسجنه التي حرمته من الحياة لمدة 10 أعوام",
وفي الوقت نفسه، اليازية وذلك باستخدام هاشتاغ #innocent_people_behind_bars، ترجت أن يطلق سراحه من السجن لأنهم "دمروا حياته".
لكن ما الحاجة إلى مثل هذه الاعتقالات في دولة عربية "معتدلة" مثل الإمارات العربية المتحدة؟
دولة عربية نموذجية؟
مهما كان الأمر إنها بلا منازع واحدة من أغنى والأكثر استقرارا في المنطقة، وتذكر بانتظام كنموذج للدول العربية الفقيرة التي يمكن أن تستفيد منه.
في نوفمبر الماضي فقط تمت المجادلة في فقرة توماس فريدمان في صحيفة New York Times بأن دبي المدينة الأفضل نموا وصاحبة أعلى ناطحة سحاب في الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت بطريقة أو بأخرى مسؤولة عن الربيع العربي عام 2011.
نقلا عن استطلاع أجرته شركة العلاقات العامة مقرها دبي إلى جانب آراء رجال الأعمال المغتربين قال فريدمان أن الشباب العرب الذين أدركوا أنهم إذا لن يحصلوا على تجربة ديمقراطية فيمكنهم "على الأقل أن يحصلوا على دبي".
ما الذي كان يقصده، بطبيعة الحال هو أن دبي والإمارات الأخرى كانت لا تزال على قيد الحياة كنوع من ملصق شخصية مهورة للحل "الليبرالي الجديد" التي كانت تقترحه معظم المؤسسات المالية الدولية الرئيسية على بقية العالم العربي لمدة العقد الماضي أو نحو ذلك.
ببيع الأصول الوطنية لشركات القطاع الخاص بما في ذلك المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات وخلق بيئات العمل خالية من الروتين، كان من المأمول أن السياسة يمكن أن تفصل عنالاقتصاد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطريقة ما عن الحكومات الاستبدادية القادرة على تقديم الخدمات وتحقيق دورا لتصريف الأعمال لبلوغ حداً أساسياً من الازدهار والرفاه.
وقد افترض أن الحريات والحقوق يمكن أن تتبع في نقطة غير محددة في المستقبل.
ولكن يمكن القول أن هذه الإستراتيجية للعالم العربي هي واحدة من العوامل الرئيسية وراء الاضطرابات التي وقعت بعد الربيع العربي حيث رد الملايين من الناس على المجتمعات غير المتكافئة على نحو متزايد في مصر وتونس وأماكن أخرى.
ومما لا شك فيه أن دولة الإمارات كانت قادرة على الالتفاف من التأثير المباشر للانتفاضات الجماهيرية التي امتدت إلى الأجزاء الأخرى من العالم العربي والتي حتى أدت إلى احتجاجات شوارع واسعة النطاق في دول الخليج مثل البحرين والكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية.
دولة سخية
وكان الأمن النسبي في الإمارات العربية المتحدة في الغالب نتيجة قدرتها على المحافظة على عمليات توزيع الثروة إلى عدد صغير نسبيا من المواطنين من باب المجاملة في أبوظبي و هي أكبر إمارة ذات عائدات نفطية هائلة.
ورغم أن هذه الدفعات لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، إذا ما استمرت أسعار النفط على مستوى 20 دولارا تحت "نقطة تعادل السعر" في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد لعبت بالتأكيد دورا هاما خلال السنوات الأربع الماضية.
تم الإعلان عن زيادات ضخمة في الرواتب للقطاع العام والذي يبقى حتى الآن أكبر رب عمل للمواطنين، في حين ارتفعت استحقاقات الرعاية الاجتماعية بأكثر من 20٪. كما أدخلت اتفاقيات مغفرة القرض للمواطنين الأكثر فقرا.
فلماذا هناك حاجة واضحة لمثل هذه الحملة لقمع أولئك من يتحدثون عن رأي مختلف؟
الجواب يكمن في عزم دولة الإمارات العربية المتحدة على عدم السماح لأي نقاش سياسي حيوي للتدخل بالهدف المتمثل في توفير بيئة اتستثمارية خالية من المعارضة.
على هذا النحو يتم خنق تقريبا أي علامة على المعارضة.
و الشيء الأكثر حزنا هي المحاكمة الصورية الكبرى في عام 2013 التي حوكم خلالها 94 مواطن من قبل المحكمة التي منعت الصحفيين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان من الحضور.
تسعة وستون رجلا بينهم عيسى السويدي، جنبا إلى جنب مع القضاة والأكاديميين والطلاب حكموا لمدة تصل إلى 15 عاما على جريمة "المساس بأمن الدولة".
محمد الركن، وهو محام معروف الذي كتب مقالات عن حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة لـOpenDemocracy كان من بينهم.
ومنذ ذلك الحين العديد من الآخرين قد اعتقلوا في ظروف عادة ما يشار إليها باسم "الاختفاء القسري" في منظمة العفو الدولية وHuman Rights Watch.
القاسم المشترك هو أن معظم هؤلاء السجناء تابعون لمؤسسة إسلامية معتدلة في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي يعود تاريخها إلى ستينات القرن الماضي.
كانت حركة الإصلاح تتمتع مسبقاً بعلاقات جيدة جدا مع الأسر الحاكمة وحتى كان تملك ترتيب طويل الأمد الذي أعطاها تأثيرا كبيرا على الشؤون الإسلامية والتعليم في البلاد.
لكن التزام تجمع الإصلاح بمتابعة الضغط من أجل التطور نحو الديمقراطية (بما يتماشى مع البند في دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971) قد وضعه بشكل فعال في مواجهة مباشرة مع الأسر الحاكمة الملتزمة بالمحافظة على الحيادية السياسية في البلاد.
و هناك أمر أقل وضوح،خدم الإصلاح أيضا دورا إخافة مفيد، لأنه ألقي باللوم على معظم الاعتقالات علنا (وهذا دون وجود أدلة موضوعية على ذنب المعتقلين) على نوع من المؤامرة الخارجية التي تنطوي على الإخوان المسلمين المصريين.
و بالمناسبة ذكر في برقية دبلوماسية عام 2006 نشرت على ويكيليكس أن ولي عهد أبوظبي كتب إلى مسؤولين أمريكيين أنه "إذا أجريت الإنتخابات غدا، فإن الإخوان المسلمون [في الإمارات العربية المتحدة] سوف يفوزون".
في الواقع، منذ عام 2011 اعتقل العشرات من الإسلاميين المصريين والمغتربين الليبيين المفترضين وحتى القطريين العابرين من خلال مطارات الدولة حدثت بالتوازي مع تلك من أنصار تجمع الإصلاح.
التدخل الأجنبي
وهذا يتناقض مع دول الخليج مثل البحرين، حيث كان الإسلاميون من الأقلية السنية إلى حد كبير يدعمون الحكومة وبدلا من ذلك تم تجريح مجتمع الأغلبية الشيعية للصلات المفترضة للقوى الأجنبية الشيعية مثل إيران أو حزب الله في لبنان.
ومن المرجح أن السلطات الإماراتية كانت قد فعلت الشيء نفسه، ولكن السكان الإماراتيون الشيعيون أقل من ذلك بكثير و مندمجون بشكل جيد في الحياة السياسية والاقتصادية ويعدون مواليين للسلطة.
على الصعيد الخارجي استجابة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الربيع العربي تثير الدهشة.
على مدى العامين الماضيين اتخذت الإمارات دورا أكثر نشاطا بكثير وتدخلت في شؤون الدول العربية الأخرى في دور المُصالح الذي بررته بأنها "معادية للثورة".
قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بأفعال أبعد من مساهماتها العامة للضربات الجوية التي نفذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية والقصف من قبل القوات السعودية في اليمن، وأرسلت طائراتها أيضا لاستهداف الجماعات المعادية في ليبيا.
وفي الوقت نفسه يجري استخدام خزائن الدولة لتمويل النظام العسكري في مصر الذي ساعدت في تثبيته بعد الإنقلاب عام 2013 ضد الإخوان المسلمين المنتخبين ديمقراطيا وهم، بالرغم من عدم كفاءتهم جماعة مدنية.
مرة أخرى، للوهلة الأولى،هذه المساعي المحفوفة بالمخاطر تماما مثل الحملة المحلية تبدو عديمة المعنى.
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة على نطاق واسع بدولة تتمتع بحماية قوية من القوى الغربية، ليس فقط بسبب دورها كمركز مستقر لتداول رأس المال، ولكن أيضا بسبب تاريخها لضمان أن قسما كبيرا من عائدات النفط سيتم إعادة تدويرها إلى الغرب .
سخاءها واضح من المبالغ الكبيرة التي تنفقها على واردات الأسلحة والامتيازات التي منحت لشركات النفط متعددة الجنسيات، وحتى من العلاقات مع العلامات التجارية الرائدة الثقافية والتعليمية مثل متحف اللوفر وغوغنهايم وجامعة نيويورك.
ولكن مع الاستيعاب المتنامي في قيادات الدولة الخليجية أن تحالفاتها قد لا تصمد إلى الأبد في مواجهة الاكتفاء الذاتي بالنفط من قبل الولايات المتحدة والصفقات الكبرى بين القوى العالمية وإيران، تأخذ الإمارات وبعض جيرانها على نحو متزايد الأمور في أيديها بينما يستمر جيرانها بأفعال معادية لمصالحها.