سبب انخفاض أسعار النفط ليس فقط الصراع بين الأوبك ومنافسيها.
بصدد قرار أوبك المتخذ في العام الماضي وهو الحفاظ على مستوى الإنتاج في ظروف السوق المشبعة بالنفط فوق الحد وقعت مناقشات كثيرة. في ذاك الوقت اعتبروا أن هذا القرار ضربة مباشرة لمنافسي أوبك بما فيهم روسيا وإيران والولايات المتحدة. من الظاهر أن كبح المنافسين بطريقة انهيار أسعار النفط كانت من ضمن أغراض المنظمة ولكن ليست وحيدة. فبالدرجة الأولى أدى انخفاض أسعار النفط إلى عامل آخر وهو أن الطلب على النفط كان يزيد بصورة أضعف مما كان متوقعاً ولا سيما في آسيا. تدرك أوبك أن الدواء من الطلب القليل هو الخفض الشديد للأسعار.
تخفيض قسط السوق
في حقيقة الأمر تعرضت سيطرة أوبك على سوق النفط إلى هجوم شديد من جبهتين. فمن جهة كان هنالك صراع على سيطرة المنظمة على القسط الكبير من سوق النفط. كانت المنظمة خلال سنوات كثيرة تستغل نفوذها لكي تحافظ على أسعار النفط المكونة من ثلاثة أرقام وذلك بدعم مستوى الإنتاج كان يجوز بموجبه موازنة السوق بحيث أن لا تنخفض الأسعار إلى ما دون مئة دولار. لكن هذا السعر شجع المنتجين الآخرين غير أعضاء الأوبك على الاستثمار في زيادة إنتاجها للنفط وفي نتيجة ذلك كما هو موضح في الرسم البياني أدناه ازداد الاستخراج في الولايات المتحدة وروسيا وكندا.
بما أن هذه البلدان قد حفزت زيادة استخراج النفط عندها زاد عدد منافسي أوبك في الطلب على النفط. ويجوز أن نرى مثالاً على ذلك في الرسم البياني التالي: لقد تم إخراج نفط أوبك من سوق الولايات المتحدة حين حدث أنه في نتيجة زيادة الإنتاج إلى جانب العمل من أجل الانفاق الفعال للوقود قلت حاجة أمريكا في نفط أوبك.
يبدو من هذا الرسم البياني أنه خلال السنوات العشر الأخيرة زاد استخراج النفط من قبل أوبك بنسبة 3%، في حين أن كمية استيراد الولايات المتحدة لنفط أوبك انخفض بنسبة 50%، عقب ذلك احتيج إلى البحث عن مشترين وكان الهدف الرئيسي هو آسيا ولا سيما الصين حيث يزداد الطلب بسرعة.
المشكلة التي واجهتها أوبك في السنوات الأخيرة هو الواقع أن زيادة الطلب على النفط في الصين يتباطأ، فأدى ذلك إلى بدء صراع جديد في سبيل تحفيز الطلب.
تحفيز الطلب
في الفترة الممتدة ما بين العامين 2003 و2012 كان الطلب على النفط في الصين يزداد تقريباً بنصف مليون برميل يومياً حسب معطيات الإدارة الإعلامية للطاقة في الولايات المتحدة. وهذا يعني أن كل برميلين من أصل خمسة التي يزداد الطلب عليها هي زيادة الطلب في الصين. بيد أنه حين نضج اقتصاد البلاد وتباطأ توقف إثر ذلك هذا الاستهلاك الشره للنفط. وليس هذا فقط بل وكذلك الأسعار التي حافظت بعناد على ثلاثة أرقام أيضاً ساندت السيطرة على زيادة الطلب في البلاد. لذا تشيد الإدارة الإعلامية للطاقة أنه في آخر العقد ستنخفض زيادة الطلب في الصين إلى النصف بالنسبة لما كان خلال العقد الأخير. ظهرت أول دلائل التباطؤ في الخريف الماضي ما أدى إلى بداية انخفاض أسعار النفط.
ليس من مصلحة أوبك انخفاض الطلب في الصين مما لها من أهمية في التطور العام لسوق النفط. لذا قررت المنظمة عدم تخفيض الإنتاج حين بدأ انهيار الأسعار. بل العكس صحيح لقد رأت أوبك في هذا فرصة ليس فقط لتوجيه ضربة إلى منافسيها بل وكذلك بأن هذا نقطة انطلاق لزيادة الطلب في الصين وفي العالم أجمعه. وهذا مشترط أنه حسب تقديرات الاقتصاديين إن كل انخفاض بعشرة دولارات يزيد من الناتج العالمي الإجمالي بنسبة 0.2% وهذا كما يتوقع يجب أن يشجع إضافياً الطلب على النفط. الصحيح أنه حسب تقديرات الاقتصاديين تؤدي كل هذه الدولارات العشرة من انخفاض أسعار النفط إلى استهلاك 300 ألف برميل إضافي يومياً. ومن هنا يظهر الافتراض بأن أوبك تجهز السوق للتوسيع بمليون ونصف برميل نفط ولأجل ذلك سمحت المنظمة بأن تنهار أسعار النفط بخمسين دولار. يبدو أن الخطة قد نجحت وذلك لأن الإدارة الإعلامية للطاقة زادت من حجم الطلب المنبأ بسبب تسارع زيادة الطلب من 700 ألف برميل في العام الماضي إلى 1.1 مليون برميل في هذا العام.
المخلفات الجافة للمستثمرين
لقد تعرضت سيطرة أوبك على سوق النفط لتهديد كبير من جانبين. أولاً كان منافسوها يزيدون استخراج النفط بسرعة، وثانياً حان الأوان حين تباطأت زيادة الطلب. قررت المنظمة بأن الطريقة الأفضل للتغلب على كلتا المشكلتين هو السماح بأن تنهار أسعار النفط، وبعد ذلك ستبدأ المنظمة بتحفيز زيادة الطلب وإزاحة اللاعبين الآخرين من السوق لكي تستفيد كثيراً عندما ستتغير بعد عدة سنوات نسبة العرض والطلب.