لا أمل في نهاية النزاع في سوريا
Mohammed Badra/Reuters
الصفحة الرئيسية تحليلات

في مارس 2015 مضى أربع سنوات من بداية الحرب الأهلية في سوريا. لماذا تستمر هذه الحرب كل هذه السنين، وما السبيل إلى إنهائها؟

تسمي منظمة الأمم المتحدة النزاع في سوريا «أفظع كارثة إنسانية منذ انتهاء الحرب الباردة». ورغم كل الدمار والدماء المهدورة، الوضع الآن ليس أفضل مما كان عليه في ربيع 2011 حين بدأت الانتفاضة في سوريا. وكان قمع الاحتجاجات السياسية التي بدأت سلمية بدايةً لأعمال العنف التي تحولت لاحقاً إلى حرب أهلية تدوي أصداؤها بعيداً خارج حدود سوريا.

نزاع يستعصي على الحل

هناك ثمة عوامل تجعل المشكلة مستعصية على الحل، ونورد أدناه ثلاثة منها، مع ثلاثة سيناريوهات لأفعال المجتمع الدولي التي يمكن أن تساهم في وقف تصعيده.

امرأة سورية تقف على أنقاض بيتها الذي دمرته قذيفة هاون أطلقها الجيش العربي السوري، القصير

1. إنها لعبة محصلتها الصفر

كان من دوافع الانتفاضة التفاوت الاجتماعي وخوف القمع. كان المتظاهرون يدعون حكومة سوريا ورئيسها بشار الأسد شخصياً بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة، وردت الحكومة بتدابير صارمة ضد المشاركين في الاحتجاجات، فتحول هدفها بسرعة إلى إسقاط النظام. تزايد عنف المواجهة وبدأ استعمال الأسلحة ثم العتاد العسكري الثقيل، وتحولت ديناميكية النزاع إلى لعبة محصلتها الصفر عندما يعني ربح أحد الطرفين بالضرورة خسارة الطرف الآخر، والاتفاقات التي يمكن أن تجلب الفائدة للجميع لا يراها أحد قابلة التنفيذ في الواقع. الأطراف المتصارعة اليوم منهكة، إلا أنها جميعها تشعر أن لا حل بديل للحرب، وليس من خيارات سوى الموت أو النصر.

والأسوأ أن أغلب المشاركين في النزاع ينتمون إلى طوائف دينية مختلفة. تتمثل الطوائف الدينية الرئيسية في سوريا بالأغلبية السنية، وكذلك أقليات علوية واسماعيلية ودرزية ومسيحية، بالإضافة إلى أكراد سوريا الذين يناضلون بالدرجة الأولى من أجل أراضيهم في شمال البلاد، وكل واحدة من هذه القوى تشكل لديها سمعة بكونها إما مع الحكومة أو ضدها؛ وبالتالي يعتبر أغلب الجماعات أن نصر أو هزيمة بشار الأسد ستحدد مكانتهم في سوريا المستقبل. ومع استمرار الأعمال القتالية وتزايد أعداد الضحايا من جميع الأطراف يزداد الارتياب المتبادل بينها فتصبح فرص التسوية السياسية أبعد منالاً.

مخيم لاجئين في حلب، ديسمبر 2013

2. لا تقتصر المشاركة في الحرب على السوريين

لم تكن الحرب الأهلية يوماً شأناً داخلياً بامتياز لسكان سوريا؛ فمنذ البداية كانت القوى الإقليمية والدولية تتدخل في النزاع داعمةً شتى الأطراف المتنازعة. سوريا واليمن في طليعة الحرب التي تجريها مستعينةً بأيدي الغير المملكة العربية السعودية التي تسعى إلى السيادة في المنطقة. تدعم إيران مالياً نظام الأسد، أما السعودية فتدعم مناوئيه. تصبح الأحزاب المحلية معتمدة أكثر فأكثر على المعونات الخارجية، وفي الوقت نفسه تفقد السيطرة على مجريات العمليات القتالية.

وباعتبار الوجود الواسع لرؤوس الأموال الأجنبية، لا يمكن حل النزاع إلا بمشاركة من الطرفين بالإضافة إلى داعميها الخارجيين. ويزيد الطين بلة صعود الجماعات الإسلامية الأجنبية، وعلى رأسها الدولة الإسلامية، فنشاطها يضعف سيطرة المشاركين الداخليين في النزاع على الأوضاع وتعرقل جميع محاولات التوصل إلى التسوية السياسية.

3. كثرة اللاعبين

إن كثرة الأطراف المتنازعة في سوريا تجعل التوصل إلى اتفاق سياسي يقبل به جميع الأطراف صعباً للغاية. لا تزال القوات المعارضة للأسد متشتتة، وتنشغل بالصراع السياسي والعسكري فيما بينها بدرجة لا تقل حدة عن صراعها مع النظام الحاكم. ويزيد الطين بلة صعود المنظمات الجهادية، جبهة النصرة أولاً، وهي «الفرع السوري» لمنظمة القاعدة، ثم داعش مؤخراً. تشارك الجماعتان دورياً في المعارك ضد القوات المعارضة الأخرى وضد قوات الحكومة. وتشكل قلة الأسلحة والإمدادات مصدراً إضافياً للخلافات بين مختلف الجماعات المسلحة.

من الواضح في الحاضر أن فرصة النصر الحاسم لأحد الأطراف مع فرض السيطرة على كامل أراضي سوريا لا تزيد على فرصة الاتفاق السياسي نتيجة المفاوضات. أعداد اللاعبين في تزايد، ولكن العامل الرئيسي يبقى ثابتاً: لا يوجد عند أي من الأطراف قوى كافية للتغلب على جميع خصومه. قد يتغير الوضع إذا استطاعت المعارضة أن تجد مصادر مستمرة للمساعدات العسكرية والاقتصادية وأن تتحد للقيام بالأعمال القتالية. ولكن باعتبار تشتتها العميق وعدم رغبة المجتمع الدولي في التدخل في النزاع، فهذا أمر مستبعد.

كيف يمكن قلب الأوضاع؟

ما الذي يمكن للمرء أن يأمل به في هذا الوضع المأساوي؟ على المجتمع الدولي أن يحاول تجاوز طور استعصاء الحل في هذا النزاع، ويتطلب ذلك التوقف عن التركيز على النزاع العسكري الجاري والانتصار على داعش وحصر الأزمة ضمن الحدود السورية، فقد أثبتت الفترة الماضية أن هذه المقاربة لا تجدي نفعاً.

1. التفكير بالحياة بعد الحرب من الآن

لقد تم تدمير اقتصاد سوريا وبنيتها التحتية وأسلوب الحياة السابق للحرب. تحولت البلد إلى اقتصاد حربي، فباتت الأعمال القتالية واحداً من مصادر الدخل القليلة للسكان. تقدر أعداد المهجَّرين في سوريا بأكثر من 7 ملايين، وعدد من يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بأكثر من 12 مليوناً، وحجم التمويل الدولي، بما فيه المساعدات الغذائية، أقل بكثير من المطلوب ويجب زيادته. ويجب أن تكون أولوية المجتمع الدولي تأمين وصول العاملين الإنسانيين، لأنهم في الوقت الحاضر لا يستطيعون الوصول إلى جزء من السكان في سوريا بسبب العراقيل من جانب النظام السوري أو داعش.

ستشكل مساعدة السكان المدنيين ودعم القوى المحلية البناءة التي تهدف إلى إعادة بناء البلد والمجتمع أساساً للاستقرار والانطلاق إلى المستقبل بعد الحرب. وأكثر المحتاجين إلى الدعم هي القوى التي تصبو إلى النماء الاقتصادي وتوزيع صلاحيات السلطة والعدل خلال المرحلة الانتقالية.

تفتناز، سوريا

2. اتخاذ التدابير للحد من نفوذ داعمي النزاع الخارجيين

إن الأسلوب الذي تتبعه القوى الدولية في الحاضر يهدف إلى التجميد التدريجي للنزاع في المنطقة عن طريق مفاوضات وقف إطلاق النار مع الجماعات المحلية، مما يسمح بإيصال الإمدادات إلى تلك المناطق. ولا تكون مثل هذه الأفعال ناجعة إلا إذا امتنعت جميع الأطراف المتنازعة عن استغلالها من أجل بسط نفوذها. ويجب أن تترافق الاتفاقات المحلية حول وقف إطلاق النار بمحاولات جادة من طرف المجتمع الدولي لمنع الجهات الخارجية من تأجيج النزاع، وهذا يتطلب بالدرجة الأولى أن تسمى بصراحة الجهات التي تمول النظام السوري وتحميه من العقوبات الدولية.

3. تبسيط اللعبة: استبعاد من لا جدوى من التفاوض معه

بما أن النصر العسكري لأي من الأطراف مستحيل، يبقى الحل السياسي الفرصة الوحيدة لإنهاء النزاع، مهما كان هذا الخيار صعب التحقيق. سيكون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق عملية طويلة ومعقدة تتطلب بالضرورة مشاركة الجهات المعنية الرئيسية في المنطقة. يستطيع المجتمع الدولي دعم هذا التوجه بالتوازي مع تعسير القيام بالعمليات القتالية على قوات الأسد والاستمرار في كل الإجراءات الضرورية لإضعاف داعش لأنها الجماعة التي سوف تسعى لا محالة إلى إفشال أي مفاوضات ترمي إلى السلام في سوريا. ولكن هذا لا يكفي: فالمعارضة السورية القوية وغير الجهادية هي الوحيدة التي ستكون قادرة على الصراع من أجل السيطرة ودعم السكان مع الجماعات المتطرفة من داعش والنصرة وتجلس إلى طاولة المفاوضات. إذن، يجب دعم الجهود لتقوية العلاقات بين طوائف المعارضة وتشجيع التحالفات ضد داعش.

الحرب الأهلية في سوريا مأساة إنسانية ذات مقياس هائل لها تأثيرات مدمرة تزعزع الاستقرار في كل المنطقة. إن خفض تصعيد النزاع يصب بلا شك في مصلحة كل المجتمع الدولي، فالرهان حالياً على مستقبل ليس سوريا وحدها بل كامل المشرق العربي.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق