ما هو سبب ردود الفعل السريعة للحكومة الروسية على الاتفاق النووي بين دول الغرب وإيران ؟
تم التوصل إلى اتفاق نووي مرحلي مؤقت بين إيران وست قوى عالمية كبرى مؤخرا. وبعد ذلك بشكل مباشر قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقيع قرار برفع الحظر عن توريد منظومة صواريخ "إس-300"وقد أعلن عن إطلاق برنامج "النفط مقابل السلع".
ويبدو في الوقت الحالي أن طهران وموسكو أفضل صديقتين. وكما قال توم نيكولس الخبير الاستراتيجي في الشؤون الروسية من الكلية البحرية في نويبورت إن "الطرفين يشددان على أن لديهم الحرية في ما يفعلان"، بالإضافة إلى أن الاتفاق النهائي حول الملف النووي الإيراني لم يتم التوصل إليه حتى الآن.
ولكن روسيا ،كما يبدو، تسرع في ردود الفعل فيما يخص الملف النووي الإيراني ليس انطلاقا من حبها إلى إيران، حيث تخشى روسيا من إضعاف موقفها على الصعيد الدولي في حال تحسن العلاقات الثنائية بين طهران وواشنطن.
وهذا ما يقوله السيد غيورغي ميرسكي الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط مجيبا على السؤال من The Washington Post:
"سمعت منذ عدة سنوات ما قاله أحد دبلوماسيينا في هذا الصدد: :"سوف تصبح إيران الموالية للولايات المتحدة الأمريكية أكثر خطرا بالنسبة لنا من إيران بسلاح نووي". وإذا نظرنا إلى عمق هذه الفكرة ندرك أن التقارب بين طهران ودول الغرب يؤدي إلى إضعاف ملحوظ للموقف الدولي لروسيا.ولذلك من الضروري اتخاذ إجراءات قوية تستهدف تحقيق الاتفاق النووي من أجل أن تدرك إيران أن روسيا هي أكثر الشركاء الدوليين موثوقية وهي قوة عالمية كبرى والوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها".
وفي ظل هذه التطورات وعند الحديث حول الاتفاق القادم ودور روسيا فيه يجب الأخذ بالاعتبار ثلاث نقاط رئيسية وهي:
1. كما يرى الصحفي والخبير في العلوم السياسية كونستانتين فون إيغيرت روسيا تفضل أن تتعامل مع إيران التي تفرض عليها العقوبات الدولية بدلا من إيران التي تدعم تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويشير إيغيرت في هذا الصدد إلى ما يلي:
"إن السلطات الروسية تدرك جيدا أنه في حالة توصل إيران إلى اتفاق ثابت مع ست قوى عالمية كبرى حول رفع العقوبات عنها ستصبح الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الشركاء الدوليين قربا للإيران من ناحية التعاون الوثيق في مجال التجارة والاقتصاد".
وبحسب رأيه بيع منظومات صواريخ إس-300 يهدف إلى تعقيد العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.
يستمع فلاديمير بوتين مع سكرتير مجلس الأمن الروسي إيغور إيفانوف إلى الرئيس إيراني حسن روحاني خلال لقائهم في الكرملين الروسي
2. يمكن أن يؤدي الاتفاق مع إيران إلى انخفاض أسعار النفط وهذا هو عامل غير مواتي بالنسبة لروسيا
بعد توصل الأطراف إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني يتم رفع العقوبات المفروضة على إيران وفي السنة القادمة قد تهبط أسعار البترول إلى مستوى 15$ للبرميل.
وتعتبر هذه الأخبار غير جيدة لأن الاقتصاد الروسي يعتمد على أسعار النفط إلى حد كبير وفي السنة الماضية تضررالاقتصاد الروسي كثيرا من هبوط حاد لأسعار البترول في الأسواق العالمية.
3. يمكن لروسيا أن تحقق نفوذها السياسي والاقتصادي في الساحة الشرق أوسطية عن طريق إيران.
بعد موجة الربيع العربي التي اجتاحت عددا من دول العالم العربي عام 2011 شهد النفود الروسي في الشرق الأوسط إضعافا بشكل ملحوظ ولذلك تعتبرموسكو إيران وسوريا التي تقوم روسيا برعايتها بشكل كبير نقاطا مرجعية في استراتيجيتها الجيوسياسية الخارجية في الشرق الأوسط ولذلك منذ عام 2012 يبذل الكرملين قصارى جهده من أجل تحسين العلاقات مع إيران.
وتصبح هذه المهمة أكثر أهمية بالنسبة للحكومة الروسية خاصة في ظل نمو التوتر في العلاقات الروسية الأوروبية عام 2014 حيث كما يلاحظ نيكولاي كوجانوف خبير من مركز كارنيغي في موسكو: " السلطات الروسية تعتقد أن الشراكة القوية التي أنشأتها موسكو مع دول المنطقة العربية تسمح لروسيا في الفترة الحالية تجنب العزلة الدولية وسوف تساعد في تعويض الخسائر الجيوسياسية والاقتصادية من العقوبات المفروضة عليها".
زيارة وزير الدفاع الروسي إلى طهران
ومن البديهي أن روسيا تكسب كثيرا من هذه الشراكة الاستراتيجية مع كل الأطراف في منطقة الشرق الأوسط أكثر مما تحصل عليه إيران. يقول كوجانوف في هذا الصدد ما يلي:
"نفوذ إيران في كل من أفغانستان والعراق وسوريا هو أكثر من النفوذ الروسي في هذه المناطق. ويمكن القول أن موسكو في مثل هذه الظروف بإمكانها تقديم إلى شركائها دعما معنويا فقط. لذلك في إمكان إيران اعتبار الكرملين مساعدا ذا أهمية محدودة يمكن الاستفادة منه في بعض المجالات والمناطق فقط (مثل ما هو في سوريا على سبيل المثال)".
موجز: تعتقد روسيا أن تحسن العلاقات الثنائية بين طهران وواشنطن يؤدي إلى إضعاف مباشر لمواقفها في الساحة الدولية وهذا هو أمر غير مرغوب فيه بالنسبة لموسكو في الفترة الحالية حيث تسعى تجنب المزيد من العزلة الدولية بكل الطرق.