تحكي إيلين تشيسا، المدير السابق لمنتج Kikstarter والمدرسة في أولين كوليج عن أهم وأمتع ما تعلمته خلال السنة الأولى من دراستها في كلية هارفارد للأعمال.
سألوني هذا السؤال خلال السنة الماضية مرات لا تحصى: «ما هو أهم ما تعلمته في هارفارد؟» لا أستطيع أن أعيد كل ما تعلمته في كلية هارفارد للأعمال، ومستحيل أن يمنحني أي كتاب هذه الخبرة. ولهذا سأحاول أن أعطيكم فكرة عن مذاق هذه المعارف.
بعضها قلب تصوراتي عن عالم المال رأساً على عقب، وبعضها الآخر صعقني لأنني لم أدرك يوماً مدى أهميته.
أريد أن أحكي لكم عن الدرس الأهم الذي استفدته من كل مقرر أساسي. قد تبدو بعض هذه الدروس بديهية، إلا أن الطريقة التي يمكن أن تؤدي إلى فهمها ليست بديهية.
يدرس كل طالب MBA في كلية هارفارد للأعمال المقررات التالية:
- مالية 1 (FIN1)
- مالية 2 (FIN2)
- القيادة والسلوك التنظيمي (LEAD)
- التكنولوجيا وإدارة العمليات (TOM)
- التقارير المالية والرقابة (FRC)
- التسويق (MKT)
- إدارة الشركات (TEM)
- الاستراتيجية (STRAT)
- قطاع الأعمال والحكومة والاقتصاد الدولي (BGIE)
- القيادة والمسؤولية المؤسساتية (LCA)
FIN1: سعر الأسهم هو مجرد مجموع كل الأموال التي سوف تستطيع الشركة كسبها خلال عمرها، وفق ما يعتقد المستثمرون، مقسومة على عدد الأسهم
كثيراً ما فكرت لماذا تتغير أسعار الأسهم كثيراً بعد نشر تقارير العائدات وأقل من ذلك بكثير بعد طرح منتج جديد، والآن عرفت أن سعر الأسهم يعكس ثمن الشركة. إحدى طرائق فهم معنى «ثمن» الشركة هو أن تتصور أنه مجموع كل الأموال التي ستكسبها خلال تاريخها، وتقارير العائدات طريقة ممتازة للتنبؤ بقوة هذه التدفقات النقدية.
وأمتع ما في الأمر أنك تستطيع إجراء الحسابات بنفسك إذا توفرت لديك نسخة من التقرير عن العائدات والخسائر ومعلومات عن شركات مشابهة يمكن استخدامها كنقاط انطلاق. تسمى هذه الطريقة «التدفق النقدي المخصوم»، اختصاراً DCF، وفكرته الرئيسية هي أن النقد المتوفر في اللحظة الراهنة قيمته أعلى من النقد الذي ستحصل عليه يوماً ما. وباستخدام هذه الطريقة تستطيع أن تقرر ما إذا كانت أسهم الشركة مسعرة أقل من قيمتها أم مبالغ في تسعيرها أم أن تسعيرها معقول.
ولفهم هذه الطريقة يجب إجراؤها حوالي 12 مرة. هناك طريقة أسرع لتقدير قيمة الأسهم بلا إجراء التحليل الكامل للتدفق النقدي المخصوم، وهي طريقة المضاعفات المالية التي يفضلها الكثيرون من زملائي.
FIN2: الدين التقني ≈ الدين المالي
هذا المقرر هو عبارة عن دراسة معمقة لمفاهيم المقرر السابق. كان من الممكن أن أحكي لكم عن تراكم الديون و«تكاليف الضائقة المالية» التي يمكن استخدامها في التدفق النقدي المخصوم، لكني لا أعتقد أن ذلك مناسب ضمن هذه المقالة.
سأحكي عوضاً عن ذلك ما أعجبني في هذا المقرر، وهي مدرِّستنا. إنها تجري بحوثاً تستخدم فيها النماذج الرياضية لنمذجة الدين التقني (التغييرات البرمجية الضرورية وغير المكتملة)، وقد تبين أن الفروق طفيفة بين طريقة عمل الدين المالي والدين التقني.
عندما بدأت العمل، كان الجميع يقولون لي أن تأثير الدين التقني على المال لا يمكن حسابه كمياً من حيث الوقت الضروري لإدخال العناصر الجديدة وعدد الساعات الضرورية للتخلص من الدين التقني، إلخ.
ولكن الأمر مختلف أحياناً. أجرت الأستاذ كارليس بولدوين دراسة نمذجة للدين التقني، وتستطيع أن تساعد الشركات في إيجاد الحل الأمثل للمسألة حول ضرورة التخلص منه الآن أم لاحقاً.
LEAD: أدرك أسوأ سماتك
غالباً ما يعرف الناس نقاط قوتهم (لأن ما أنجزوه إنما أنجزوه بفضلها). ولكن المسيرة المهنية لا تجري بسلاسة دوماً، وكيفية استجابتك للمصاعب واسترجاعك لتوازنك بعد الفشل يؤثر على كل من يحيطون بك.
من أفضل ما فعلته في هذه السنة أنني أجبت نفسي بكل صراحة عن السؤالين التاليين:
- ما هي أسوأ سماتي؟
- ما الظروف التي تظهر فيها هذه السمات؟
أسوأ سماتي هي أنني كثيرة النقد وقليلة الصبر وعنيدة وعيّابة وساخرة، وتظهر هذه السمات عندما أدرك أنني لا أستطيع التأثير على الموقف أو عندما أشعر ببخس التقدير. يحدث هذا أيضاً عندما أعتقد أنني «على حق» من حيث المبدأ، وهناك من لا يتفق معي. وإذا طال الموقف أصبح خاملة ولا أستطيع أن أفعل شيئاً.
يصعب علي تجنب هذا، لكنني تعلمت كيف أترصد مثل هذه الاستجابات، ومتى لاحظتها أعتذر من الفريق وأمضي قدماً، وفي المرات القادمة أحاول أن ألاحظ ظهورها في أبكر وقت.
TOM: افهم الموضوع
كانت الوحدة الأولى من مقرر «التكنولوجيا وإدارة العمليات» مكرسة لآلية العملية التكنولوجية (المصانع والورشات، إلخ.). المواضيع الباقية كانت بالدرجة الأولى عن الابتكارات التكنولوجية وإدارة سلاسل الإمداد.
أعجبتني الوحدة الأولى، إذ كان البحث عن مواضع وأسباب ظهور العقبات ممتعاً مثل حل مسألة رياضيات. وأمتع ما في الأمر أن مشكلة بسيطة كثيراً ما تعرقل السلسلة الإنتاجية كلها عندما تمضى واحدة من مراحلها أبطأ من اللازم، فتبطئ الباقي. ومن المهم جداً تحديد موضع الخطأ، ولكن في أحيان كثيرة أمامك بيانات معقدة متعددة تحول دون فهم المشكلة.
FRC: إنشاء «ثغرة المبادرة»
FRC هي دورة «محاسبة» في كلية هارفارد للأعمال، وقد درسنا خلالها فعلاً آلية المحاسبة، إلا أننا كذلك تعلمنا الكثير عن الدوافع والحوافز.
كانت الفكرة المحببة لدي هي «طيف المسؤولية»، أي الأمور التي يكون العامل مسؤولاً عنها، مقابل «طيف التحكم»، أي ما يتحكم به في موقعه. مثلاً، تقع على عاتق مدير المنتجات مسؤولية كبيرة (من حيث الإمدادات وغيرها) ولكن تحكمه قليل (ليس لديه مرؤوسين).
عندما تكون مسؤوليات العامل أكثر من التحكم يسمى هذا «ثغرة المبادرة»، وتنشأ هذه الثغرة بقصد التحفيز لحث العامل على تجاوز نطاق تحكمه، وأهم نقطة هي جعل نظام التحفيز يعمل بصورة صحيحة. ما هي السلوكيات التي يحث النظام عليها؟ ما هي الإمكانيات المتاحة للعاملين كي يؤثروا على النظام؟
كنت سابقاً أنوي تشغيل ناس أذكياء وأدفع لهم أجوراً «عادلة»، أما الآن فأريد تشغيل ناس أذكياء وتأمين «ثغرة مبادرة» لهم بواسطة نظام تحفيز يعود بالفائدة عليهم وعلى الشركة، وهذا أكثر عدلاً.
MKT: لا تنس عن التسعير بناء على القيمة
كان مقرر التسويق أكثر المقررات تقسيماً إلى نقاط: «خمسة C» و«أربعة P» و«ستة M» وهرم الماركة... أظن أن أهم المهارات اكتسبتها في مجال التسويق.
هناك نمطان أساسيان للتسعير، هما التسعير بناء على النفقات والتسعير بناء على القيمة. عندما تقوم بالتسعير بناء على النفقات عليك أن تحسب كم كلفتك السلعة، ثم تضيف إليها هامش ربح وتحاول بيعها للزبون بهذا السعر.
تتلخص فكرة التسعير بناء على القيمة على وجود فجوة واسعة نسبياً بين عددين:
- أولاً، المبلغ الذي تنفقه لإنتاج السلعة؛
- وثانياً، هناك المبلغ الذي تسمح سلعتك بتوفيره للشركة الأخرى (أو المبلغ الذي يزيد ربحها بقدره، أي العواقب المالية لحيازة سلعتك ككل).
يجب تحديد السعر ليقع بين هذين المؤشرين. ومع أنني متأكدة أنني لن أسعِّر المنتج بالقيمة القصوى من هذا المجال، أعرف أن علي حساب كلا المبلغين لأتأكد أنني لم أحدد ثمناً أخفض من اللازم.
TEM: انتبه لمن تثق بهم
إنها مزحة طبعاً. أنا أثق بالناس بسهولة وأعرف أن الكثيرين من أصدقائي يفعلون مثلي.
درسنا حالة YieldEx، وهو مشروع رائد لمهندس كان يوازن بين عرض بيع المشروع وبين دورة تمويل جديدة. يمكنكم أن تخمنوا أن في ذلك الوقت لم يحدث البيع، فشركة YieldEx اشترتها مؤخراً AppNexus.
لن أدخل في تفاصيل الحالة، لأن ما أريد أن أحكيه هو أن صفنا كان فيه موقفان متباينان. كنت أحاول بكل صدق أن أعطي للشخص الذي طلب العون مني نصيحة تفيده متجاهلة مصلحتي الشخصية، فأنا أحاول أن أفكر في الآخرين بنية طيبة، وأتوقع أن يتصرفوا تجاهي كما أتصرف تجاههم.
ومع أن الكثيرين في الصف كان رأيهم من رأيي، كان الرأي المعاكس له أنصاره أيضاً: «الأمور تسير أفضل إذا لحقت مصلحتك الشخصية، ويجب أن يتوقع الجميع أن الآخرين يلحقون مصالحهم الشخصية أيضاً».
هذه المناقشة أثرت بالتأكيد على قبولي للنصائح المتعلقة بمسيرتي المهنية. من المحتمل أن الشركاء المحتملين والرأسماليين المستثمرين يهتمون بمصلحتك بكل صدق… ولكن قد يكون العكس هو الصحيح. لهذا فكر ملياً في كل حالة على حدة.
STRAT: المحاسبة أساس الاستراتيجية
لكي تجد استراتيجية موفقة يجب أن تعرف ديناميكة القطاع وموقع الشركة منه.
أحلى ما يمكن أن تفعله هو أن تدرس تقارير المحاسبة لترى ما هي ميزاتك التنافسية، فربما شركتك تتصف بانخفاض تكاليف الإنتاج أو الإدارة؟ إذا كانت الشركة تتبع استراتيجية خفض التكاليف، فهل أحد مجالاتها نفقاته أعلى من المجالات الأخرى؟ ما هو هذا المجال؟ كيف حدث أنه أكثر كلفة وما تأثير ذلك على الاستراتيجية ككل؟
إن التقارير المالية تعطي فهماً أوضح بكثير للاستراتيجية مما كنت أتوقع.
BGIE: المواضيع السياسية نفسها تنطبق على كل مكان
السياسة تقرفني وأحاول ما أمكن تجنب الحديث عنها، لأنني ببساطة أشعر أنني لا أفقه فيها.
بعد دراسة أكثر من 20 حالة من شتى البلدان والمواضيع السياسية تعلمت شيئاً هاماً: هناك الكثير من نقاط الشبه بين مختلف المواقف السياسية، لذا من السهل تذكر الأساسيات لتستطيع المشاركة في الأحاديث عن العلاقات الدولية.
إليكم بعض المواضيع الشاملة: الاستعمار البريطاني والعلاقة بين الدولة والأمة والمرض الهولندي (لعنة الثروات) وصندوق الثروة السيادية وإحلال الواردات وميزان الحساب الجاري والعجز المالي وتدابير التقشف لصندوق النقد الدولي و«الثالوث المستحيل» من التدفق الحر لرؤوس الأموال واستقلال السياسة النقدية وثبات سعر الصرف.
هذه المواضيع تنطبق على كل الأماكن من أيسلندا إلى إندونيسيا إلى نيجيريا، ومن المفيد أن تفهمها، على الأقل كي لا تقعد صامتاً في ولائم الغداء.
LCA: الحاسة السادسة قد تخطئ
إن دور مقرر القيادة والمسؤولية المؤسساتية يشبه دور مقررات الأخلاقيات. في دروسنا نقوم بتطوير معاير تسمح بالتقدير السريع لعواقب هذا القرار أو ذاك، من مالية وقانونية وأخلاقية.
يتخذ الكثيرون، بما فيهم أنا، القرارات حول مدى أخلاقية التصرفات بناء على «الحاسة السادسة». يعلم مقرر LCA تقدير القرارات بالاستناد إلى معاير موثوقة للتأكد أنك لم تنس شيئاً. هذا صعب في البداية، ولكن متى شعرت أن اتخاذ القرار صار أكثر تعقيداً يمكنك أن تلجأ إلى الحاسة السادسة.
أفضل ما يلخص هذا الدرس (وفي الواقع، المقالة كلها) اقتباس منسوب إلى أوليفر ويندل هولمز:
«لن أدفع قرشاً مقابل البساطة قبل التعقيد، لكني مستعد لبذل حياتي من أجل البساطة وراء التعقيد».
وكل الدروس التي كتبت عنها هي بساطتي وراء تعقيد كلية هارفارد للأعمال.