كيفية التفوق على التكنولوجيا
الصفحة الرئيسية تحليلات

تحدث روبرت شيلر، أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل حول كيفية إصلاح نظام التعليم في المستقبل، عندما ستكون الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر قادرة على استبدال الإنسان تقريبا بالكامل، لكي لا يبقى خريجو الجامعات دون عمل.

جعلت أجهزة الكمبيوتر والروبوتات الكثير من الوظائف عديمة الفائدة في مختلف قطاعات الاقتصاد. إلى أين يجب أن يدخل الشباب للتعلم لكي لا يخشوا أنه في 20 أو 30 أو 50 عاما مقبلا من العمل ستحل محلهم آلة بلا روح؟

معظم الناس يستكملون الجزء الرئيسي من التعليم النظامي في العشرينات من عمرهم و يتوقعون أنهم سيتمتعون بثماره على مدى نصف قرن مقبل. ولكن كل المعلومات الواقعية التي نحصل عليها في المدرسة والجامعة، يستطيع جهاز كمبيوتر الحصول عليها خلال جزء من الثانية. وهناك أجيال عديدة من أجهزة الكمبيوتر ستتغير خلال حياة الإنسان...

هناك نهجان أساسيان لحل هذه المشكلة:

  • الأول يتشكل في أن المعلم يجب أن يقدم للطالب نوع التعليم الذي يعطيه الأداة المشتركة والمرونة والقدرة على التعلم، ونأمل أن الكمبيوترات لن تقدر على استبدال الإنسان من ناحية هذه الخواص.
  • ينطوي النهج الثاني على التعليم الموجه نحو الأعمال التجارية و المزيد من المعرفة العملية ووضع بداية للمبادرة الخلاقة في مجال الأعمال التجارية التي مرة أخرى، لا يمكن أن يستبدلها الكمبيوتر.

هذان النهجان ليسا متناقضان بالضرورة.

يحاول بعض العلماء فهم ما هي الوظائف التي تحملت التغير التكنولوجي أفضل من الآخرى في الماضي. و قد درس ريتشارد مورنان وفرانك ليفي في كتابهما «التقسيم الجديد للعمل» (The New Division of Labor) المجالات التي توسعت فيها عدد الوظائف في الماضي القريب أثناء ثورة المعلومات. اتضح فيما بعد أنه، على سبيل المثال، زادت فرص عمل مدير الخدمات في شركات بيع السيارات على غيار مجال خدمات الاتصالات.

تمتلك الوظائف الناجحة من حيث هذا المنظور بعض الخصائص المشتركة. يتطلب عمل هؤلاء الخبراء مهارات التواصل المعقدة والخبرات. المهم هنا هو القدرة ليس فقط على «نقل المعلومات، ولكن تفسيرها بشكل محدد». المعرفة العميقة جنبا إلى جنب مع المهارات العملية تسمح «حل مشاكل لم تواجهها من قبل».

ربما هذه الصفات في المستقبل لن تكون مفيدة جدا. ولكن، بطبيعة الحال، تقترح الدراسة أن التعليم العالي ينبغي أن يكون واسعاً ومتنوعاً. الآن، إنه يبنى في المقام الأول على توجيهات البنية التقليدية حيث يتم تعيين لجنة من قبل أستاذ معين، وكل منهم يريد أن يكون في طليعة مادتهم الضيقة. وهذه البنية الإدارية القديمة لا تزال تهيمن في الجامعات وتحدث التغييرات بصعوبة بالغة.

وكمثال على ذلك، يمكننا النظر على الجدل الدائر حول «البرامج التعليمية» في معهد هارفارد، و هو واحد من المدرستين في جامعة هارفارد، الذي يمنح درجة البكالوريوس. سبقته وثيقة يعود تاريخها إلى عام 1946. ومن المتوقع أن البرنامج الجديد سوف يحضر الطلاب لحل لجموعة واسعة من القضايا التي يمكنهم مواجهتها بعد التخرج من المعهد.

لكن المنتقدون يقولون أن تنفيذ البرنامج يمر بشكل سيء، وذلك لأن العديد من المعلمين المشاركين في ذلك، يدرسون المادة العلمية التي تتعلق فقط بتخصصهم وتتجاهل الاتساع المتوقع للمادة.

يقول أستاذ في جامعة هارفارد لويس ميناند أن التعليم، مع التركيز على التخصصات الأكاديمية الضيقة، لا يعطي الطلاب المهارات اللازمة، «أقل من 20٪ من طلابنا يذهبون للحصول على درجة علمية». العديد من الطلاب في نهاية المطاف يذهبون إلى القطاع التجاري ولا يبقون في مجال العلم.

يعتقد شون كيلي، رئيس لجنة تقييم التعليم العام أن هارفارد يجب أن يقوم بتعليم الطلاب «فن العيش».

ولكن ما هو المطلوب من المدرسين للقيام بذلك؟ ربما نحتاج إلى غرس الطلاب بالمهارات في مجال الأعمال التجارية من خلال دورات خاصة. حتى في المجالات الحيادية بالكامل من مجالات العمل التجاري يمكن أن يتم ذلك من خلال محاكاة الحالات التي سيستطيع فيها الطلاب في وقت لاحق إظهار مهاراتهم المتخصصة داخل الشركات والمنظمات غير الربحية.

وقد نشأت العديد من هذه القضايا في حياتي العلمية أيضاً. على مدى عقود، ما أقوم بتدريسه للطلاب يتغير باستمرار. وأنا أحاول مناقشة قضايا الإبداع والأخلاق التي سيواجهها الشباب عندما سيذهبون للعمل.

عندما جئت إلى جامعة ييل عام 1982 لم يكن هناك درجة بكالوريوس في مجال التمويل. في خريف عام 1985 بدأت هذه الدورة، ولا تزال موجودة اليوم. أنا أحاول خلال هذه الدورة ربط التمويل بالنظرية الرياضية في شكل التطبيقات العملية أكثر و أكثر.

حوسبة الدورة بالطبع تتزايد باستمرار. هذا ما يعطي تماما تأثير التدريب، ولكن معظم المحاضرات مكتوبة مسبقا والتدريبات والامتحانات محوسبة. وبما أن الطلاب اليوم لا يحتاجون حقا لوجود المادي جعلت جامعة ييل دورتي في متناول الجمهور على مواقع تعليمية مجانية.

أثناء إكمال الدورة لهذا النوع من التطبيقات كان لدي وقت للتفكير، لماذا يحتاجني طلابي. أكان يمكنني التنحي والسماح لهم بمشاهدة محاضراتي واستخدام المواد المحوسبة الآخرى. ولكن كنت أجد نفسي مفكراً أنني يجب أن أقوم بشيء آخر من أجلهم.

لذلك أستمر بتحديث الدورة وأفكر في كيفية تحسينها من حيث «فن العيش». أحاول أن أشرح للطلاب أن الأموال تلزمنا لتحقيق الأهداف المهمة التي يريد الناس إنجازها، وللتعاون (بما في ذلك مع الآلات) لتحقيق هذه المهام.

جنبا إلى جنب مع جامعة هارفارد وغيرها من الجامعات تفكر جامعة ييل منذ فترة طويلة حول مسألة تعميم التعليم. وقد أجريت تجربة واحدة مع دورة الأعمال التجارية للبكالوريوس، التي كانت تهدف إلى إعدادهم للحياة بعد التخرج من الجامعة، ولكن تم إلغاء البرنامج في عام 1954. في عام 1960 خلال حرب فيتنام ازداد العداء تجاه نخبة رجال الأعمال. وذكر العميد السابق لكلية ييل، جون بيري ميلر في كتابه «تهيئة الظروف للتعلم» (Creating Academic Settings) وجود العداء المفتوح تجاه فكرة التعليم الموجه تجاه رجال الأعمال في جامعة ييل.

ومع ذلك يتخرج من ييل رجال أعمال رائعون. ولكن بسبب العداء الفتوح تم افتتاح كلية إدارة الأعمال في جامعة ييل فقط في عام 1976، وحتى في ذلك الوقت تم نفي أنها مجرد كلية إدارة الأعمال. بدلا من تقديم شهادة ماجستير في إدارة الأعمال، كانت الجامعة تعطي في البداية درجة ذات تسمية أكثر نبلا: ماجستير في الإدارة العامة والخاصة. قبل عام 1976 كان هناك اتجاه اقتصادي قوي، وركز أساسا على النظرية النقية والرياضيات، بدلا من الأعمال التجارية والتعليم العملي.

يجب أن توفر التطورات الجديدة التي تهدف إلى إصلاح التعليم العالي نهجا من شأنه أن يكون فعالاً على مدى العقود المقبلة. سنضطر إلى التكيف وفقا لتطور تكنولوجيا المعلومات و إعادة تقييم الفرق بين الكمبيوتر والإنسان باستمرار، وما سيحتاجه الطلاب في رحلتهم الطويلة إلى المستقبل. وسيكون علينا أن نواجه إتقان «فن العيش» يتطلب على الأقل بعض عناصر الأعمال التجارية والتعليم.

المصدر: New York Times

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق