من البحر المتوسط إلى بحر أندامان: وجوه المهاجرين يملؤها اليأس تملأ الأخبار في التلفزيون والصفحات الأولى للجرائد.
تنشر وسائل الإعلام طول الوقت قصص المهاجرين الذين وقعوا في أيدي المهربين؛ قصص فظيعة مليئة بالجوع والعنف والموت. لا ينخفض عدد مناطق النزاعات وتتسع رقعتها. نشاهَد موجات جديدة من الهجرات الجموعية ضمن البلدان ومن بلد إلى آخر.
بلغ عدد «النازحين» في اليمن نصف مليون منذ مارس هذه السنة. ومن بوروندي هاجر إلى الدول المجاورة 100 ألف شخص منذ أبريل.
وهذه الأعداد قليلة مقارنةً بسوريا صاحبة الرقم القياسي المأساوي في عدد «المهجَّرين» من بيوتهم: 7.6 مليون. هل عدد المهاجرين اليوم أعلى من أي وقت مضى؟
تعكس الخريطة أعلاه آخر النزعات فقط، لكنها تساعد على فهم سبب كثرة عدد المهاجرين، حيث وصل في سنة 2013 إلى 232 مليون من المهاجرين الدوليين، أي الناس الذين عاشوا ما لا يقل عن سنة خارج بلد مواطنتهم، وفق تعريف الأمم المتحدة.
يشمل هذا العدد أولئك الذين يغادرون مناطق العمليات العسكرية أو يبحثون عن لجوء سياسي أو يتركون بلدهم طلباً للرزق، أي جميع من يجتاز حدود بلاده بصورة شرعية أو غير شرعية هرباً من الكوارث أو الملاحقة أو بحثاً عن حياة أفضل.
ويحتمل أن هذه الإحصائيات تعطي أرقاماً أقل من الواقع.
استقر نصف العدد الإجمالي للمهاجرين الدوليين في عشرة بلدان، وأكثرهم في الولايات المتحدة (46 مليون). في سنة 2013 كان يعيش في الولايات المتحدة 13 مليون شخص من أصل مكسيكي ولكن يلاحَظ التزايد الأسرع في أعداد الوافدين الجدد من الصين (2.2 مليون) والهند (2.1 مليون).
- تقع روسيا في المرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد الوافدين لأنها لا تزال تحافظ على علاقات وثيقة مع الجمهوريات السوفييتية السابقة، لا سيما مع أوكرانيا وكازاخستان.
- في أوروبا الغربية أعداد الوافدين هي الأكبر في ألمانيا (من تركيا) وفرنسا (من الجزائر).
- ومن جنوب شرق آسيا لا يزال الناس يفضلون السفر طلباً للرزق إلى المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج.
- في الإمارات العربية المتحدة تشكل نسبة المهاجرين الدوليين 84٪ من السكان.
فظائع البحر المتوسط
تشغل مشاهد المصائب في البحر المتوسط الصفحات الأولى لوسائل الإعلام منذ سنتين. كانت أعداد الليبيين الذين يحاولون قطع البحر المتوسط هرباً من البلاد تتناقص قبل الإطاحة بالدكتاتور الليبي معمر القذافي. قبل الحرب الأهلية كانت حقول البترول في ليبيا تخلق فرص عمل كثيرة، وكان الاتحاد الأوروبي قد أقنع معمر القذافي باتخاذ التدابير لإيقاف خروج اللاجئين.
ولكن في سنة 2011 اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا، ومنذ 2012 سادت الفوضى البلاد. وخلال سنة 2014 هاجر منها إلى إيطاليا 170 ألف شخص، رقم قياسي محزن خلال تاريخ الهجرة إلى بلد أوروبي واحد.
أصعب مصدر للهجرة غير الشرعية هو أفريقيا. بعض وسائلها تفوق التصور، إذ يقطع المهاجرون من أفريقيا الوسطى والغربية في طريقهم إلى أوروبا الصحراء الكبرى والبحر المتوسط.
يمكن أن يستغرق طريق الهجرة أسابيع أو سنوات. يضطر الشباب من غامبيا والسنغال ونيجيريا إلى اجتيار الحدود مراراً، وهذا يحتاج إلى مساعدة من المهربين.
منذ بداية هذه السنة كانت ليبيا معبراً للمهاجرين من إريتريا (الذين يهربون من الخدمة العسكرية الإلزامية مدى العمر) بالإضافة إلى الصومال ونيجيريا. وفي شرق المتوسط وصلت إلى اليونان عن طريق تركيا أعداد هائلة من السوريين والأفغان والعراقيين.
سوريا بلد النازحين
هجّرت الحرب الأهلية في سوريا نصف سكانها. وجد أكثر من 4 ملايين نسمة ملجأ في البلدان المجاورة، أما «المهجَّرون» ضمن سوريا فأعدادهم أكبر بكثير.
سوريا هي الأولى عالمياً من حيث عدد المهاجرين الذين يطلبون اللجوء في البلدان المتطورة، والحرب الأهلية من أهم أسباب تزايد أعداد المهاجرين عالمياً أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.
كما أن إيواء اللاجئين يكلف الدول النامية أكثر الآن، إذ يقع عليها 86٪ من التكاليف مقابل 70٪ منذ عشر سنوات.
سلطة المهربين
طافت صور اللاجئين في بحر أندامان شاشات العالم ولفتت الانتباه إلى مصير الناس الذين يعانون من بؤس يدفع بهم إلى أيدي المهربين. حجم المشكلة في حوض البحر المتوسط أصغر، لكنها موجودة وطبيعتها مماثلة.
من أمريكا الجنوبية إلى الشمالية
لا تزال الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك أوسع معبر هجرة في العالم. يوقف حرس الحدود في الولايات المتحدة مكسيكيين أكثر من أي مجموعة إثنية أخرى، ولكن في السنة الماضية تجاوز عدد سكان دول أمريكا اللاتينية الأخرى الموقوفين عدد المكسيكيين لأول مرة في التاريخ.
تقل دوافع المكسيكيين للهجرة إلى الولايات المتحدة لأن اقتصاد بلادهم في تحسن؛ أما في هندوراس وسلفادور وغواتيمالا فتزداد الحياة فيها خطراً فيتوجه الناس شمالاً عبر سبل ممهدة. وصل إلى الولايات المتحدة مؤخراً آلاف الأطفال بدون مرافقة من أهاليهم.
سكان العالم يتزايدون
نسبة المهاجرين الدوليين ثابتة في السنوات الأخيرة وتبلغ حوالي 3٪، إلا أن سكان العالم يتزايدون بسرعة، وبذلك يتزايد العدد المطلق للناس الذين غادروا منطقة أو بلد مولدهم.
الهجرة الداخلية أعظم من ذلك: فحتى التخمينات المحافظة تقدِّر عدد النازحين الداخليين بحوالي 740 مليون. لا يمكن عملياً معرفة أعداد الفلاحين الصينيين الذين يهاجرون سنوياً إلى المدن، ولكن أعدادهم بالملايين.
يمكن أن تتغير ديناميكا الهجرة الداخلية بسرعة. تقدَّر أعداد العراقيين النازحين في يونيو 2014 بحوالي نصف مليون.
يضطر أكثر من 27 مليون شخص سنوياً إلى النزوح نتيجة الكوارث الطبيعية في كل أنحاء العالم.
الهجرة العالمية تحمّي درجة السجالات السياسية وتختبر متانة العلاقات بين الحلفاء وتعطي عملاً ضخماً للمختصين في الإحصاء والاقتصاد.