يشكل سقوط الرمادي ،كانت المدينة الوحيدة التي تسيطر عليها الحكومة في أكبر محافظة في العراق والاستيلاء على الأرض التي تقع على بعد 400 ميلا إلى الغرب من المدينة و هي تدمر، المنطقة التي تعود إلى الحقبة الرومانية في سوريا، ليس فقط مكاسب إستراتيجية هامة و لكن انتصارات إيديولوجية دعائية مهمة. الصور المتلفزة من أطلال تدمر القديمة تكثر الآن، وعلى ما يبدو مصيرها على حافة الهاوية.
استحوذ التوسع السريع لداعش على اهتمام العالم، وشهدنا تحالفات من الدول الغربية والعربية مع إيران في محاولة لوقف توسع الجهاديين بالقوة. لكن هذه التحالفات لم تتضمن وقف الحرب في سوريا، حيث كلفت أربع سنوات من الصراع والفوضى حياة أكثر من 220.000 شخص (على الرغم من أن بعض التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى أعلى من ذلك بكثير)،و حاجة كل ثاني سوري إلى المساعدة و السماح لداعش بالنمو من فرع تنظيم القاعدة العراقي إلى منظمة متوسعة تعبر الحدود العالمية.
و على الرغم من كل هذا، قد انحسرت الطاقات الدبلوماسية التي تهدف وفق الحرب والتقليل من تأثير القتال على المدنيين إلى أدنى مستوياتها حتى الآن.
صحيح أن المقترحات السابقة لجامعة الدول العربية والخطة من ست نقاط المقترحة من قبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، ومؤتمر جينيف الثاني الذي عقد في يناير عام 2014 قد أسفرت عن الحد الأدنى من النتائج، لكن كان هناك على الأقل الشعور بالالتزام وعزيمة صارمة في ذلك الوقت.
الآن، على الرغم من الأخبار هذا الأسبوع أن المملكة المتحدة وروسيا ستقوم باستئناف المناقشات حول الأزمة، الجمود السياسي منتشر لدرجة أن مبعوث الأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا يركزب بساطة على الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة من خلال "المشاورات" و هي في جوهرها تمثل المحادثات حول إجراء المحادثات.
وبالمثل، التعاون الدبلوماسي حول قضية سوريا في مجلس الأمن للأمم المتحدة يقع في حده الأدنى، بما في ذلك في مجال تأمين الامتثال للقرارات الإنسانية الخاصة بالمجلس.
لم يقم أعضاؤها، أو الدول ذات النفوذ في سوريا بتطبيق الضغط المناسب على الأطراف المتحاربة لوقف الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية والقصف العشوائي للمناطق المكتظة بالسكان أو استمرار الاضطراب (ابتداءً بالبيروقراطية وانتهاء بالحصار) الذي يمنع ما يقارب خمسة ملايين شخص من الحصول على المساعدات.
كما تتضاعف مأساة المدنيين السوريين من خلال وجود أمر آخر مثير لليأس و هو عدم التوافق المتزايد بين احتياجاتهم والمساعدة التي يقدمها المجتمع الدولي.
كان هناك مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى مساعدة إنسانية في عام 2011. وهذا العدد يبلغ حاليا 12.2 مليون، و أكثر من نصفهم مشردون من بيوتهم. تزايدت احتياجاتهم للغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية والصرف الصحي بأكثر من ستة أضعاف من معدل التمويل المقدم منذ بداية الصراع. تم تلبية نداء العام الماضي في الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات الأساسية داخل سوريا فقط بنسبة 48٪و ذلك أقل من نسبة 68٪ في عام 2013.
التناقض بين الاحتياجات والمساعدة ينمو أيضا بين أربعة ملايين شخص فروا من سوريا. و كونهم مغتربين لسنوات عديدة الآن، استزفت أصولهم الاقتصادية والشخصية و هؤلاء اللاجئون بحاجة ماسة إلى الغذاء والماء والوقود والملبس والتعليم.
وفي الوقت نفسه، فإن الدول التي تأويهم ترزح تحت وطأة مثل هذا التدفق للأعداد الكبيرة من السكان.
تركيا أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، ذكرت أن تكلفة استضافة اللاجئين السوريين في الخريف الماضي توقفت عند 4.5 مليار دولار أمريكي. لبنان،حيث يشكل السوريون الآن ما بين ربع وثلث السكان، تحتاج إلى استثمارات ستصل الى 2.5 مليار دولار فقط لاستعادة البنية التحتية الأساسية إلى مستويات ما قبل الأزمة، وفقا لتقرير عام 2013 من البنك الدولي. الأردن، واحدة من أكثر الدول التى تعاني من نقص المياه على كوكب الأرض تستضيف ما يقارب من 630.000 لاجئ مسجل وهو ما يعادل نسبيا كمية سكان الولايات المتحدة الموجودين في المملكة المتحدة.و قد كلفتها استضافة السوريين في عام 2014 مبلغ 871 مليون دولار.
في كردستان العراق، وفي الوقت نفسه، يبحث 250.000 لاجئ سوري عن المأوى جنباً إلى جنب مع أكثر من مليون عراقي الذين طلبوا الحماية في المنطقة منذ يناير العام الماضي. السلطات الكردية ببساطة لا تستطيع أن تلبي الطلب المتصاعد لفرص العمل والخدمات الأساسية في الإقليم، حيث يبلغ معدل الفقر أكثر من الضعف خلال الأشهر الـ17 الماضية.
لكن على الرغم من هذه الحاجة الهائلة، كانت طلبات اللاجئين السوريين في الأمم المتحدة لعام 2014 ممولة فقط بنسبة 64٪ و73٪ في عام 2013، وفشلت التعهدات العالمية لإعادة توطين اللاجئين السوريين الأكثر ضعفا في بلدان خارج المنطقة واقتربت من مستوى مناسب لحجم هذه الأزمة.
الضغط على خدماتهم العامة، واقتصاداتهم ومواردهم ونسيجهم الاجتماعي يزداد لدرجة أن جيران سوريا يقومون باتخاذ خطوات للحد من تدفق اللاجئين إلى أراضيهم. فقط المواطنين الأكثر ضعفا يمكنهم أن يدخلوا في الوقت الحاضر، وهناك تقارير حول اللاجئين الذين تم ترحيلهم قسرا إلى سوريا.
إذا، كيف ينبغي للمجتمع الدولي أن يستجيب؟ حتى في حدود المنظور الإنساني، هناك أولويات واضحة وعاجلة.
أولا، يتعين على مجلس الأمن الدولي والدول التي لها تأثير على الأطراف المتحاربة في سوريا اتخاذ خطوات فورية لمحاسبة كل الذين يفشلون في الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي. يجب ممارسة الضغط على جميع الأطراف التي تقيد أو تصعب وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وغير مقيد إلى المحتاجين.
ثانياً، مع هذا التدخل المروع الذي يمكن الوصول إليه في الاعتبار، على الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكذلك اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية وقطر تعيين كبار الدبلوماسيين أو الساسة كمبعوثين إنسانيين لتوفير الموارد ودعمهم لتركيز الانتباه على العواقب الإنسانية للنزاع السوري. وينبغي أيضا أن يقوموا بتوثيق القيود التي تحد من الوصول إلى سوريا، وتوسط ومراقبة وقف إطلاق النار، ودعم جهود منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة والعمل من خلال تفاصيل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة مع جميع أصحاب المصلحة أي الأطراف المتحاربة، أعوانهم من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
وأخيرا يجب أن تمول الأمم المتحدة طلب سوريا والمنطقة لعام 2015.
يجب أن تحصل لبنان والأردن وتركيا والعراق على المساعدة المالية واستثمارات التنمية الطويلة الأجل المباشرة التي يحتاجون إليها لإصلاح البنية التحتية المتهادة، وإعادة تشغيل الخدمات العامة والبدء في خلق فرص عمل للسوريين والمجتمعات التي تستضيفهم. تقديم الدعم لهذه الدول هو النظير الضروري للدعوة الحيوية لهم لإبقاء حدودهم مفتوحة أمام المغتربين من سوريا.
لن تكون أيا من هذه الإجراءات بديلاً للتدخل السياسي والدبلوماسي والخيال اللازم لتوصيل هذا الصراع أو سلسلة من الصراعات إلى نهايته. إن امتداد الحرب في سوريا إلى العراق يعني أن الخيارات المتاحة لهم الموجودة في المجتمع الدولي و الحريصة على تأمين الاستقرار الإقليمي والعالمي هي محدودة أكثر مما كانت عليه في عام 2011. وأصبحت هذه الأزمة أكثر وأكثر تعقيدا، وتم تعيين هذه الخيارات لتصبح أضيق، وإن عواقبها لا يمكن التنبؤ بها على نحو متزايد.
ولكنها سبب إضافي لانطلاقة جديدة لإنهاء العنف. يصادف الشهر ثلاث سنوات منذ أول مؤتمر جينيف الذي كان يعتبر خريطة للطريق المغلقة لعملية الانتقال السياسي في سوريا في بيان جنيف الذي وقع في سويسرا.