كذبة الرأسمالية الرؤوف
الصفحة الرئيسية تحليلات

يحكي المستثمر د.أ. وولوك لماذا يرى الرياء في العمل الخيري لأصحاب الأعمال.

تصور دكاناً يبيع ورق التواليت بدولار لكل قطعة. سعر كلفة كل قطعة 0.6 دولار. ربح الدكان 0.4 دولار. أنت تشتري في الشهر 10 قطع، فيكسب صاحب المحل منك 4 دولارات.

تصور الآن أن رجل أعمال ما، وليكن اسمه سالم نظيف، خطرت عليه فكرة عظيمة: ورق التواليت تكمن فيه إمكانيات ضخمة غير مستثمرة! الجميع يحتاجه ولا أحد يهتم به. ماذا لو توافقت الماركة الجديدة مع الأسلوب الفريد لكل مستهلك وتصميم بيته وطبعه؟ فيسمي سالم ماركته «الشطفة» ويفتح دكاناً جنب الدكان المذكور سابقاً وفيه مئات وحدات ورق التواليت ذات رسوم ونقوش متنوعة.

من أجل اجتذاب الزبائن ومنافسة المتاجر الأخرى يبيع سالم ورقه مقابل دولار أيضاً. ولكن في جعبته حيلة أخرى: يعلن أن كل وحدة ورق تواليت يبيعها يتبرع منها 0.05 دولار لمؤسسة خيرية توفر ورق التواليت للأطفال في بنغلاديش. تكسب شركته من كل وحدة 0.35 دولار، وهذا أقل من منافسه، لكنه ليس مبلغاً سيئاً. طبعاً، سيركز تسويق «الشطفة» على المكونة الخيرية، ليقتنع المستهلكون بأنهم، إذا اختاروا «الشطفة» دون غيرها، لا يشترون ورق تواليت راقي فحسب، إنما يساهمون أيضاً في تحقيق العدل.

يسمي البعض هذه المقاربة «الرأسمالية الرؤوف».

الماركة الجديدة ستصبح هي الأولى لا محالة! سينتقل جميع زبائن الدكان القديم إلى «الشطفة». أما الشركة فسوف تستمر في النمو فتفتتح قناة إنترنت وعشرات الدكاكين في كل أرجاء أمريكا. قطعاتك العشرة ستعطي ربحاً 3.5 دولار لسالم و0.5 دولار ليتامى بنغلاديش. ولكل مليون يكسبه سالم سيرسل 143 ألفاً إلى اليتامى. وبعد خمس سنوات سيبيع مشروعه لشركة كبرى مقابل 20 مليوناً، وهذا المال كله سيكون له لأنه المالك الوحيد. نصر الرأسمالية الرؤوف في أن الجميع يكسب: المستهلك وسالم نظيف واليتامى المساكين الذين جاءهم ورق تواليت بحوالي مليون خلال خمس سنوات.

اكتسبت نماذج الأعمال الهجينة من هذا النوع شعبية كبيرة في الفترة الأخيرة. بالنسبة للناس من جيلي (وعمري 30 سنة) يبدو أنها توفق بين أنانية الرأسمالية البحتة وإيثار العمل الخيري. لقد ربينا على نظرة أوسع وأشمل للحياة مقارنة بمن سبقنا. تصل الأخبار عن الأحداث في كل العالم على أجهزتنا النقالة بعد ثوان من وقوعها. لقد تلقينا ضربة من أزمة سنة 2008 التي كانت عاقبة الجشع الرأسمالي غير المحدود. القلة المحظوظة استطاعت تجاوز المصاعب المالية، وهؤلاء الناس كأنهم خلقوا من جديد ليبحثوا عن المغزى في الحياة. أولئك الأقل حظاً تضرروا من سوق العمل التي أضعفها هبوط نسبة الموارد المستدانة والتغيرات البنيوية. أجبرت هذه التجربة الجميع على السعي نحو اقتصاد لا يكتفي بالنمو إنما ينتج أشياءً جيدة أيضاً.

للأسف، لا أعتقد أن «الرأسمالية الرؤوف» ستحل مشاكلنا، ولست الوحيد في هذا.

سلافوي جيجيك

ينتقد الفيلسوف سلافوي جيحيك وآخرون مثل هذه النماذج «الخيرية» للأعمال بسبب الحجج الكاذبة التي تتستر وراءها وتطرحها على المستهلكين جواباً على التهمة بعدم الرغبة في ملاحظة الجور العالمي. أي أن «الشطفة» تبيع للمستهلك ليس ورق التواليت فحسب، إنما كذلك ضرباً من صكوك غفران معاصرة (من النمط المسيحي) دون حل المشكلة الفعلية (في مثالنا هي غياب الوسائل الصحية المعاصرة في بنغلاديش). هذا فيه شيء من الحقيقة، لكنني أميل إلى حجة أقل منطقيةً: مثل هذا العمل الخيري لاأخلاقي بطبيعته لأنه يصرفنا عن الثورة التي يحتاجها مجتمعنا. نحن نريد بالتأكيد أن يبذل المواطنون قصارى جهدهم لعمل الخير، إلا أن جهودهم لن تؤدي إلى حل شامل لمشاكل العالم.

ما لا أقبله هو أن من يستخدمون نماذج «الرأسمالية الرؤوف» كالموصوف هنا يربحون من بيع آلام المستفيدين أكثر من الفائدة التي يتصدقون بها عليهم. أنا أعتبر أن هذا لاأخلاقي أبداً.

وإذا عدنا إلى مثالنا عن ورق تواليت «الشطفة»، من الواضح أن المستهلك لديه سببان لشرائه:

  1. أنه جميل؛
  2. أن 0.05 دولار من كل وحدة تذهب لصالح الأطفال الفقراء.

المشكلة أنه يصعب تحديد جزء المبيعات الذي يعود لكل واحد من هذين السببين. أظن أن فكرة «الأطفال الفقراء» مسؤولة عن جزء منها، مثلاً، عن 10٪. وعندها سيكون عادلاً أن يحصل اليتامى على 10٪ من الأرباح، و10٪ من ثمن الشركة أيضاً!

صحيح؟ ولهذا أقترح المبدأ العام:

جميع المبالغ التي تجنيها الشركة من استغلال العمل الخيري يجب أن تنفق على التبرعات. ويشمل هذا المبلغ جزءاً من ثمن الشركة عند بيعه (أو أثناء الاكتتاب العام).

أما الشركات التي ترتزق على حساب نموذج أعمال «الرأسمالية الرؤوف» فلا تتبع هذا المبدأ، إنما تعيش على حساب من يُفترَض أن تقدم المساعدات لهم. وهذا خطأ.

أتوقع اعتراضاً: أليست المساعدة الصغيرة أفضل من عدمها؟ هل كان أحسن لو أن شركة «الشطفة» لم تساعد اليتامى بالمرة؟ إذا كان رجال الأعمال يتبرعون طوعاً بجزء من ربحهم، فلم التصيّد والنقد الزائد فيما يتعلق بطريقتهم في التبرع؟

سأجيبكم بسؤال على سؤالكم: وماذا لو كانت الأم تيريزا تركب سيارة فيراري؟ هل كان ذلك سيزعجك؟ على الأغلب نعم، لأننا كنا شعرنا أنها تنفق الموارد التي أمنها الآخرون عليها لمساعدة الفقراء في غير محلها. يمكنها أن تنفق جزءاً من التبرعات لدعم فعالية العمل والحياة المتواضعة، ولكن إلى حد معين. نتوقع منها أن تنفق الأموال أكثر ما يمكن لخدمة الأغراض المرجوة منها.

وفي نموذج الرأسمالية الرؤوف يتشوش هذا المنطق بسبب تعذر التحديد الدقيق لنسبة المبيعات العائدة إلى الدعاية الخيرية. هل اشترى سالم سيارة فيراري لأنه استغل الأطفال المساكين أم أنه اشتراها بفضل فكرته بإنشاء ماركة ناجحة؟ لا يمكن الجزم بذلك، وهذا يؤكد الضعف الأخلاقي للموقف.

يوجد حل بسيط للرأسماليين الرؤوفين: لا تصنع دعاية من عملك الخيري. عليك ببيع سلعك وخدماتك مثل العادة ثم التبرع بجزء من أرباح شركتك أو بجزء من حصتك في هذه الأرباح.

نقدي الاتهامي موجه إلى حشد من أصحاب المشاريع في وادي السيليكون الذين جعلوا من الشعار «لنجعل العالم أفضل» عبارة مبتذلة أخرى. لا يعارض أحد هذا الهدف النبيل، بل أننا نسعى إليه. ولكن يبدو أن المجتمع قد خاب أمله في طريقة استخدام المشاريع التجارية للغة العمل الخيري. لا يريد أحد اليوم أن يكون رجل أعمال طماعاً؛ حتى مغني الراب JayZ تخلى عن هذا المظهر، مع أنه كان سابقاً مثالاً على الجشع والتكبُّر.

ربما يجب خلق المزيد من الفسحة الثقافية المنفتحة لقطاع الأعمال لكي لا يضطر من يريدون أن يصبحوا أثرياء إلى التظاهر بالإيثار؟ ثمة شيء جذاب في صراحة الرأسماليين الطموحين مقارنة بارتباك رجال الأعمال «الخيريين». قد تكون الثقافة المناسبة هي تلك التي فيها عدد من مرتبات الاحترام الموافقة لشتى الأدوار الاجتماعية.

ومع تزايد الاختراق العالمي لوسائل الاتصال والكمبيوترات والعمل ورأس المال تتزايد أهمية هذه المسائل. نعيش في عصر انضمام أغلب الناس إلى المجتمع العالمي، ويجب على الثقافة التي تنشأ خلال هذه العملية أن تعيد تقييم شتى الأعمال التجارية وغير التجارية. وأظن أن «الرأسمالية الرؤوف» هي ناتج بشع لمحاولاتنا الرامية إلى فهم هذا المستقبل.

المصدر: Medium

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق