هل جن سوق التكنولوجيا؟
الصفحة الرئيسية تحليلات, قطاع التكنولوجيا, السوق_الأمريكية

ما الذي يجري في قطاع التقانات الراقية وما ستكون نهايته؟ يشاركنا رأيه مؤسس MetaLab و Flow أندرو ويلكينسون.

يحدث في مجال التقانات الراقية شيء عجيب: مليار دولار لم تعد تبدو مبلغاً كبيراً. منذ سنتين فقط كان الجميع يندهش إذا أمكن بيع مشروع رائد مقابل 25 مليوناً، أما الآن فلا يأبه أحد بأرقام أقل من عدة مليارات.

فهل المليار هو مليون جديد؟ فالعالم يتغير أسرع وأسرع. شغل الإنترنت والتكنولوجيا النقالة مكانة مرموقة تحت الشمس ويبدو أن عصراً جديداً قد بدأ، عصر النمو الأسي للأرباح. كل يوم يطيح رواد الأعمال الجدد بملوك التاكسي وبكبار الأثرياء من السطور الأولى للتصنيفات، وذلك كله باستخدام هاتف ذكي وتجاهل سليم للقواعد.

ويبدو في هذا العالم المجنون أن في كل ثانية يمكن أن يظهر مشروع رائد بمليار دولار، سواء كان من أمثال Uber لعاملات التنظيفات أم Airbnb للكلاب.

إذا شعرت أنك رأيت كل هذا سابقاً، فالسبب هو أنه فعلاً كذلك. ففي سنة 1999، في عصر طفرة الدوت كوم، كان يحدث في كل أسبوع استحواذات واكتتابات بمليارات الدولارات، بل في أحيان كثيرة لم يكن عند الشركات حتى نماذج أعمال معقولة. من ينسى حماقة Yahoo التي دفعت 3.57 مليار دولار مقابل Geocities و5.7 مليار مقابل Broadcast.com؟ أو كيف مر المشروع الرائد لتوصيل الأكل Webvan الذي كانت عائداته 5 ملايين دولار فقط وهوامش أرباحه سلبية بالاكتتاب العام ووصلت قيمته السوقية إلى 8 مليارات دولار ليعلن عن إفلاسه بعد سنتين فقط؟

تختلف الأمور قليلاً في هذه المرة. أغلب هذه الشركات لها عائدات معينة، وبعضها مربح. عدد الشركات التي تمر بالاكتتاب العام أقل، فكلها تقريباً تحاول أن تبقى شركات خاصة أطول وقت ممكن. ولكن في جوانب كثيرة يشبه الجو تلك الحفلة الصاخبة من السنة 1999. لم يأت وقت ختام القصة بعد، ولكن هناك بالتأكيد شيء ما يختمر. كما قال مارك توين يوماً: «في التاريخ لا تشاهد التكرارات، إنما تشاهد القوافي».

عدة حقائق مسلية

  • في هذه السنة كان عدد طالبي الدعايات الجدد في اللعبة الختامية للرابطة الوطنية لكرة القدم الأمريكية أكبر من أي وقت بعد طفرة الدوت كوم، وبين هذه الكثير من المشاريع الرائدة التكنولوجية التي حصلت على تمويل استثماري.
  • يوجد اليوم 99 مشروعاً رائداً يقدر المستثمرون المغامرون قيمتها بأكثر من مليار دولار، ومنذ سنة كان عددها 40؛ ومن جديد تحصل على التقييمات العالية المشاريع الرائدة ذات مستوى ربح منخفض، مثل خدمات توصيل الأغذية والمنشآت التي تتوقف أرباحها على مشاريع رائدة أخرى ممولة خارجياً.

في الواقع، البيانات في هذا المخطط قديمة، فهي من شهرين. اليوم يجب أن يكون عدد الشركات في عمود سنة 2015 أكثر بـ29 شركة!

  • في السنة الماضية فقط أضافت مجلة Forbes إلى تصنيفها 23 مليارديراً جديداً من قطاع التكنولوجيا.
  • ارتفعت أسعار الأجار إلى السماء في سان فرانسيسكو حيث يقع وادي السيليكون. وسطي أجار شقة من غرفتين تجاوز 3 آلاف دولار في الشهر، بزيادة 15٪ على السنة الماضية.
  • متوسط راتب مبرمج في سان فرانسيسكو أعلى من 130 ألف دولار في السنة، هذا عدا عن العلاوات على شكل خيارات الأسهم. والأكثر من ذلك: بعض المبرمجين مطلوبون لدرجة أنهم يوظفون وكلاء لهم.
  • يعتبر المستثمرون الشهيرون مثل بيل غيرلي ومارك أندريسن (وقد استطاعا الخروج بسلامة من انهيار الدوت كوم) أن قيم المشاريع الرائدة مبالغ في تقديرها، وهذا يدعو للقلق. يقول بيل غيرلي:
  • «إن وادي السيليكون ككل ومجموعات رأس المال الاستثماري والمشاريع الرائدة تحديداً يقبلون في الحاضر مخاطرة زائدة. لم يحصل شيء من هذا القبيل منذ سنة 1999. من بعض النواحي هذه المخاطرة أقل حماقة، ومن نواحٍ أخرى أكثر حماقة. نسي الجميع الحذر، والكل يحاول أن يكسب أكثر ما يمكن، وهذا سينتهي لا محالة».
  • سوق الأوراق المالية مبالغ في تقديره في كل المؤشرات الممكنة، ونسبة السعر إلى الربحية يبلغ 27 بعد التصحيح للتضخم، أي في مستوى السنتين 1929 و2007، ولا يتأخر إلا عن سنة 1999. الشركات تمر بالاكتتاب العام بسرعة هائلة حتى لو لم يكن لها أرباح. في سنة 1999 كان 80٪ من الشركات خاسراً أثناء التوزيع الأولي، وفي السنة الماضية كانت نسبتها 71٪، مقارنةً بـ46٪ في سنة 2012، وهذا لا يبشر بالخير فيما يتعلق بالأرباح المستقبلية للمستثمرين.
  • بدل الاكتتاب العام الذي يتطلب التفتيش والتنظيم الصارم يجري الكثير من الشركات جولات تمويل خاص وتجلب أموالاً هائلة بناء على حسابات مشبوهة، والكثير من شركات التكنولوجيا التي أجرت اكتتاباً عاماً تتباهى بربحيتها، لكنها تبقى خاسرة وفق معايير مبادئ المحاسبة. ورغم ذلك تباع أسهمها بمعامل سعر إلى ربحية مرتفع فتتضاعف المبيعات فترتفع تقديرات قيمتها.
  • تظهر كل يوم مئات المشاريع الرائدة، لدرجة أنه قد ظهرت مشاريع رائدة تصمم تطبيقات لمتابعة المشاريع الرائدة. واحد من هذه المشاريع، ProductHunt، استجلب مؤخراً تمويلاً فحصل على ما يقدر بـ22 مليون دولار. وتعتمد خطة أعمال الكثير من هذه المشاريع على مشاريع رائدة أخرى ومؤسسين آخرين.

أرجو ألا تسيئوا فهمي

أنا أحب المشاريع الرائدة والتكنولوجيا، ومهما قلت، هناك الكثير من الأمور العجيبة، فنحن على عتبة الذكاء الاصطناعي، والسيارات بلا سائق ستدخل حياتنا قريباً، ومعجون الأسنان ستوصله قريباً طائرات بلا طيار. لا شك بأننا نعيش في عصر ابتكارات غير مسبوقة.

ولا أريد أن أقول أن جميع هذه المشاريع الرائدة ستهلك حتماً، إنما أريد التنويه إلى أن المبادئ المالية التي ترتكز عليها تؤدي إلى وضع سيؤدي غالباً إلى تصويب. موقفي الإجمالي إيجابي، فالابتكارات حية ترزق، لكني أدرك أن التقييمات الحالية غير مقبولة بتاتاً، وأن الكثير من المستثمرين والمؤسسين ومئات آلاف العاملين سيخسرون أموالهم في السنوات القليلة القادمة.

ولكن، من يعلم؟ ربما التاريخ لا يريد أن يكرر نفسه، وقد بدأ فعلاً هذه المرة النمو الأسي للتكنولوجيا. ربما Uber فعلاً ثمنه 500 مليار دولار. ربما بعد خمس سنوات سأخجل من هذه المقالة. لكني أعرف يقيناً شيئاً واحداً: سأرتدي مايوه السباحة من باب الاحتياط...

«لن تعرف من يسبح عارياً حتى ينحسر البحر».

– وارن بافيت

قواعد الدفاع

إذا كان لخبرة الشركات التي بقيت على قيد الحياة بعد الفقاعة الماضية أي قيمة، فإليكم بضعة خطوات يمكن اتخاذها لمجابهة العواصف:

1. تنويع قاعدة العملاء

إذا كان الجزء الأعظم من أرباحك يأتي من المشاريع المغامرة، يجب التركيز على منشآت أكثر نضجاً ومعولية، تلك التي لن تخسر كل شيء في لحظة.

لا داعي لإنفاق أموال أكثر مما تستطيع على النمو.

2. هناك الكثير من نماذج الأعمال التي تسمح بتحويل النقد مرة أخرى إلى جذب العملاء والنمو

لا ترفض المنافسة أبداً، ولكن يجب أن يكون هناك إمكانية تشغيل المكابح والتوقف عندما يكون البديل هو السقوط في هاوية بأقصى سرعة. كتب فريد ويلسون مؤخراً مقالة طويلة حكى فيها عن سر النجاح: يجب ألا تقل معدلات النمو السنوي مع احتساب الربح العملياتي قبل حسم الضرائب عن 40٪. وهذا يعني أنك يمكن أن تكتفي بتسريح بعض العاملين وإجراءات التقشف بدل أن تفكر في تصفية الشركة.

3. مراقبة النفقات الثابتة

يمكن تسريح العاملين، ولكن سيبقى المكتب الذي تستأجره مع صالة رياضة ومقهى وطباخ مقابل 100 ألف دولار شهرياً بموجب عقد لخمس سنوات غير قابل للفسخ. وكل دولار من النفقات الثابتة يسلبك من الموارد التي كان يمكنك الاستناد إليها متى جاءت الأزمة. يجب المحافظة على التوازن بين المكان الفسيح وصعق العاملين الجدد وبين ما هو ضروري فعلاً للعمل.

4. النقد خير الأصول

إذا كان نموذج أعمالك يعتمد على أنك تستطيع اجتذاب التمويل الإضافي في أي وقت، فيجب التفكير بتطوير خطة بديلة. فرضاً، لم تستطع إجراء جولة تمويل أخرى، فماذا يمكن أن يحدث لشركتك؟ التوازن الجيد وخفض النفقات يمنحانك الثبات الذي يساعدك على مقاومة العواصف، بينما تنفد موارد منافسيك (ولاحقاً تستطيع، إن شئت، شراء تكنولوجياتهم بأسعار زهيدة أثناء التصفية). اعتبر أن حسابك المصرفي بمثابة الخندق حول القلعة الذي يجب أن يحميك من حشود المغول.

ما سبق، في الواقع، ليس إلا أساسيات المنطق السليم في قطاع الأعمال، ولكن ما كان يدهشني دائماً هو قلة الناس في عالم التكنولوجيا الذين يعيرون اهتماماً لهذه النواحي. كانت السنوات السبع الأخيرة موفقة للمشاريع الرائدة، فكانت حفلة لا تتوقف. من السهل أن تعتقد أن التمويل السخي أو الشراء المربح أو الاكتتاب ينتظرك وراء كل زاوية، ولكن من المفيد أن تفكر أيضاً ماذا سيحصل بعد أن تنتهي الموسيقا.

المصدر: Medium

اقرأ أيضا:
الرجاء وصف الخطأ
إغلاق