تقوم ألمانيا وفرنسا بالضغط على بقية أوروبا وتدعوان إلى وضع حد للخلافات بشأن أزمة الهجرة التي سببت الانقسامات السياسية في جميع أنحاء القارة.
دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى إنشاء نظام توزيع بين بلدان الاتحاد الأوروبي للأشخاص القادمين من المناطق التي أنكبتها الحرب في الشرق الأوسط.
لم تنشأ الدعوة للعمل هذه من الصفر، في البداية واجه مئات المهاجرين الشرطة الهنغارية وبعد ذلك تم العثور على شاطئ في تركيا على صبي سوري ميت لقي حتفه في محاولة للوصول إلى الجزر اليونانية. احتلت صور هذه المأساة عناوين الصحف في جميع أنحاء أوروبا وتسببت في غضب على تقاعس السلطات في ظروف الأزمة الواضحة.
قال فرانسوا أولاند: «إنها مأساة ولكن بالإضافة إلى ذلك إنها نداء إلى ضمير الأوروبيين».
يوم الخميس قام المهاجرون الذين يسعون إلى ألمانيا باقتحام القطارات في محطة السكك الحديدية في بودابست.اضطر الكثير منهم لقضاء الليل هناك في ظروف مروعة عندما منعت هنغاريا تحركهم داخل الاتحاد الأوروبي.
نتيجة لذلك انطلق قطارتن من المحطة ولكنهما لم يعبرا الحدود كما كان يتوقع المهاجرون بل توقفوا في بلدة بيتشكي الهنغارية حيث أنشئ مخيم اكتظ باللاجئين.
أدت محاولات الشرطة لإنزال المهاجرين إلى مزيد من الفوضى وبقي أكثر من 500 شخص داخل القطارات لاجئين إلى تكتيك المقاومة السلبية.
هذا الصيف قام مئات الآلاف من الناس اللاجئين إلى تقسيم أوروبا إلى الجزء الغني والفقير، الشرقي والغربي، وإلى بلدان العبور وتلك التي تكون جديرة بالاهتمام أين سيرغبون في البقاء.
لم يتعاف الاتحاد الأوروبي بعد أزمة الديون في اليونان ويحاول التعامل بطريقة أو بأخرى مع الحرب الأهلية في أوكرانيا، وبدلا من السلام المنشود والازدهار يحصل على أكبر ثالث أزمة في العقد. وقد تكون هذه المشكلة أكثر استمرارا و تمثل أوروبا مكتَنَفا مزدهرا الذي تجاوره شعوب فقيرة يتزايد عددها بوتيرة لا تصدق.
يقول وليام سوينغ، رئيس المنظمة الدولية للهجرة والدبلوماسي الأميركي من ذوي الخبرة:
«هذا التدفق لن يستنفد. أنا لم أر أبدا مثل هذه المجموعة المتشابكة من التحديات التي لم تحل بعد والكارثة الإنسانية دون إمكانيات قصيرة ومتوسطة الأجل لحلها».
تواجه فرنسا وألمانيا مقاومة بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى التي لا تريد أن تستقبل عددا كبيرا من اللاجئين، حتى لو كان الفارون يهربون من الحرب وليس من الفقر فقط.
تفتح ألمانيا الحدود أمام الهاربين من الحرب في سوريا، ولكن في نفس الوقت تحاول جعل البلدان الأوروبية الأخرى تمد يد المساعدة أيضا.
الدول المتواجدة بعيدا عن طرق الهجرة مثل إسبانيا أو المملكة المتحدة على استعداد لقبول كمية صغيرة من اللاجئين فقط . والبلدان الأكثر فقرا في أوروبا الوسطى والشرقية، وخاصة هنغاريا وبولندا لديها خبرة أقل في استقبال المهاجرين و لذلك تقاوم استقبالهم بشكل أقوى.
أثناء كلمته في بروكسل يوم الخميس، انتقد فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الهنغاري برلين، في رأيه، يقوم الألمان بتشجيع اللاجئين من سوريا وغيرها من البلدان، وبسبب هذا، يتواجدون خلال طريقهم إلى ألمانيا على أراضي بلدان أوروبا الشرقية. ينتظر الآلاف من الناس في محطة القطار في بودابست الفرصة لمواصلة طريقهم إلى الغرب. حاولت السلطات الهنغارية إغلاق الحدود بمساعدة الأسلاك الشائكة ولكن دون جدوى.
قال أوربان:
«المشكلة ليست في الأوروبيين بل في الألمان. لا أحد يريد العيش في هنغاريا وسلوفاكيا وبولندا وإستونيا، الجميع يريدون الذهاب إلى ألمانيا ».
وقال أوربان أنه سيتم وضع سياج من الأسلاك الشائكة على طول الحدود مع صربيا. وأكد عزمه على الدفاع عن حدود هنغاريا ضد غالبية المهاجرين المسلمين، مشيرا إلى أن هوية أوروبا تقوم على الدين المسيحي. قال: «نحن لا نريد أن نستقبل في بلدنا الكثير من المسلمين». وقال في يوليو إنه يرى في المسلمين تهديدا لوجود أوروبا وأسلوب الحياة الأوروبي.
قالت رئيسة الوزراء البولندية إيفا كوباتش أن بلادها تعارض إعادة التوزيع التلقائي للمهاجرين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وأن القرار بشأن قبول عدد من اللاجئين يجب أن يتخذ من قبل الحكومة الوطنية وليس من قبل بروكسل.
وصرح دبلوماسيون أوروبيون أن هناك مقترحات تجري مناقشتها ووفقا لها سيكون ممكنا توزيع قرابة 160 ألف لاجئ في أوروبا.
قالت أنجيلا ميركل أنه سيتم إنشاء حول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مراكز استقبال للأشخاص الذين فروا من مناطق النزاع والعنف، في حين أنه لن يتم قبول المهاجرين لأسباب اقتصادية.
في حين أنه الآن يتم تقسيم أعباء استقبال الناس اليائسين بين البلدان التي كانت «نقاط الدخول» في الاتحاد الأوروبي، وهي في المقام الأول اليونان وإيطاليا و «الاتجاهات» المفضلة و هي ألمانيا والسويد.
تحاول الحكومات التي لم تتأثر بتدفقات الهجرة إلى الابتعاد عن هذه المسألة خوفا من استياء السكان ومن أن الانفتاح في السياسة الحالية للمهاجرين يمكن أن يلهم العديد من الأشخاص الآخرين لتكرار طريقهم.
في بودابست واجه الناس الذين ينتظرون مصيرهم في محطة القطارات احتجاجات الحزب اليميني الهنغاري المتطرف «جوبيك» المعارض لسياسات الهجرة بنشاط..
يسعى فرانسوا أولاند للتعامل مع الأزمة في تعاون وثيق مع ألمانيا ولكن مساحته للمناورة محدودة بازدياد شعبية القوى السياسية الغير الراضية عن الهجرة. قالت مارين لوبان، زعيمة الجناح اليميني للحزب الفرنسي «الجبهة الوطنية» هذا الاسبوع أنها «تشعر بالذهول إزاء ضعف الحكومة». قالت:
«لقد توسع حق اللجوء وأصبح مصدرا جديدا للهجرة غير الشرعية».
تعاني أنجيلا ميركل على النقيض من العديد من نظرائها الأوروبيين من ضغط سياسي داخلي ضعيف نسبيا إذ لاتتمتع الأحزاب المعارضة والمناهضة للهجرة الأساسية بنفوذ كبير على الرغم من الاحتجاجات التي تحدث بشكل شبه يومي، حسب الشرطة معظمها من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة البارزة و لكن القليلة.
في الدراسة التي أجريت في أواخر يوليو قال 57٪ من الألمان أن البلد لا ينبغي أن تقبل لاجئين أقل مما كان في الماضي. ويعتقد 38٪ أن عددهم ينبغي أن ينخفض. وأظهر الاستطلاع أيضا وجود رغبة واسعة لقبول اللاجئين الذين يعانون من الاضطهاد في مناطق القتال ووجود نسبة تسامح منخفضة مع المهاجرين لأسباب اقتصادية.
حذرت ميركل أن البلدان الأوروبية الأخرى ينبغي أن تحذو حذو ألمانيا وتوفر المأوى لللاجئين. وقالت خلال زيارتها لسويسرا:
«ينبغي أن يحصل المحتاجون على دفاعنا». وأضافت أن هذا المبدأ ينبغي أن يطبق "في جميع أنحاء أوروبا».
قال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي أن صورة الطفل الميت «مزقت قلوبنا».
وأضاف: «لقد رأينا العديد من القادة الأوروبيين قد تأثروا بذلك ولكن لم يتخذ الإجراءات إلا عدد قليل جدا منهم».