ما يتدخل به بوتين: شارك كاتب العمود في وكالة Bloomberg ليونيد بيرشيدسكي رأيه حول «الحرب الهجينة الثانية».
في الأيام الأخيرة تظهر تقارير جديدة تشير إلى أن دور روسيا في الحرب في سوريا آخذ في التوسع. لا يتم الإعلان عن هذا الدور وهو أقل أهمية مما هو عليه الحال في أوكرانيا، لكن الوضع يخلق فرص مثيرة للاهتمام بالنسبة للعلاقات الروسية الأمريكية وكذلك لتطوير الصراع الأوكراني والسوري.
قصاصات الحقائق
أدلة التدخل الروسي مجزأة. هناك فيديو حيث يمكنك أن ترى قذائف من BTR-82A الروسية ربما تم تصويره من خلال معركة بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية، وهذه نقطة مهمة استراتيجيا لنظام الأسد. في الخلفية يمكن سماع الأوامر باللغة الروسية.
هناك تقرير في الموقع الإخباري الإسرائيلي يذكر أن «قوة التدخل السريع» الروسية تتواجد الآن في سورية وتخطط لمهاجمة مواقف داعش. هناك تسجيل لمدون من الهواة الذي يتبع السفن المارة عبر مضيق البوسفور حيث أظهر صور سفينة الإنزال الروسية «نيكولاي فيلتشينكوف» المتجهة إلى الجنوب ويمكن رؤية المعدات العسكرية المغطاة بالقماش المشمع على سطح السفينة.
ذكرت الصحيفة السورية الوطن المتعاطفة مع قوى الأسد أن روسيا تناقش إمكانية بناء قاعدة عسكرية في سوريا. بالإضافة إلى ذلك تظهر الشبكات الاجتماعية العديد من آثار وجود القوات الروسية في سوريا: يتم تصوير زوجات الرجال العسكريين الذين يودعونهم وهم يتصورون على خلفية صور بوتين والأسد.
النفي الرسمي يظهر فعلا كما توقعه الكثيرون ولكنه بالتأكيد أقل وضوحا مما كان عليه في حالة أوكرانيا. في الأسبوع الماضي، عندما سئل بوتين عما إذا كانت روسيا مستعدة للمشاركة في القتال الدائر في سوريا، قال إنه من المبكر أن نتحدث عن الاستعداد، ولكن روسيا الاتحادية تدعم سوريا الآن بالأسلحة وتدرب جيشها.
مع ذلك فإن الولايات المتحدة لا تخفي قلقها. يوم السبت ويوم الإثنين أجرى وزير الخارجية الأمريكي اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف وحذره من أن الوجود العسكري المباشر لروسيا في سوريا «يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الصراع وزيادة عدد القتلى الأبرياء وتعزيز تدفق اللاجئين ومنع الإجراءات لائتلاف الدول الغربية ضد الإسلاميين من داعش».
كما طلبت الولايات المتحدة من اليونان إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات التي تحمل البضائع الروسية المخصصة لنظام الأسد..
الحرب الهجينة الثانية
في اتصال مع هذه الأحداث تكتب وسائل الاعلام الروسية عن «الحرب الهجينة الثانية» وأن روسيا «ستعلق» في سوريا كما حصل في وقت سابق في أوكرانيا وكما حدث مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
ويصف معلقون التدخل الروسي المزعوم بأنه «لعبة بوتين».
الأسبوع المقبل رئيس روسيا يشارك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المفترض أنه سيعرض هناك صفقة: روسيا تساعد في مكافحة داعش وفي المقابل تتلقى تنازلات في أوكرانيا وترفع العقوبات عنها. يكتب كيريل مارتينوف في «نوفايا غازيتا»:
«موسكو التي على عكس واشنطن ليس لديها معارضة من الرأي العام والكونغرس تتخذ مسؤولية تدمير داعش... وإذا كانت الخطة ناجحة جزئيا على الأقل فسيكون لدى السلطات الروسية كل شيء كان يمكن أن تحلم عنه. تطبيع العلاقات مع الغرب واحتمال إجراء مفاوضات حول الوضع في شبه جزيرة القرم. في نفس الوقت ستظهر قوة روسيا في العالم وعلى النقيض من الديمقراطيات الغربية الفاترة نحن قادرون حتى على مهاجمة الإرهابيين في منطقة الشرق الأوسط».
آمال روسيا
من الصعب الاعتقاد أن بوتين ساذج لهذه الدرجة. فمن غير المرجح أنه بعد عدة سنوات من مساعدة المتمردين المناهضين للحكومة ستدعم فجأة الولايات المتحدة روسيا التي تساعد الأسد. تحاول موسكو منذ فترة طويلة تقديم الأسد كأهون الشرين في هذا الصراع، ولكن الدول التي تشارك في قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لن توافق هذا الرأي أبدا.
بشار الأسد
بالنسبة لها يبدو الأسد المدعوم من قبل إيران بنفس مستوى المتعصبين من داعش تقريبا . من الناحية التكتيكية كان يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من نجاح الأسد ضد الدولة الإسلامية لكنها لن تدعمه علنا أو تراهن على نجاحه على المدى الطويل. وقد أعلن مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية مؤخرا عن الموقف الرسمي لواشنطن:
«هناك ائتلاف على استعداد للقتال مع داعش. ويحوي 37 بلدا. سنكون سعداء إذا شاركت روسيا بدور أكثر نشاطا في هذا العمل».
قد يدعو بوتين في الأمم المتحدة إلى التغيير في التحالف ولكن يجب أن لا يتوقع ردا ايجابيا أو إمكانية تخفيف العقوبات أبدا.
لكن هذا لا يعني أن الرئيس الروسي لا يدرس إمكانية المزيد من التدخل العسكري في الصراع السوري. «استعراض القوة» هي فكرة مغرية. وقد أظهرت القوات الروسية في الآونة الأخيرة فعاليتها فقط عند حدوث الصراعات الصغيرة.
قال بوتين الأسبوع الماضي أن سلسلة من الغارات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة لم تكن قادرة على وقف تقدم داعش. إذا استطاع الجيش الروسي أن يثبت فعاليته في مثل هذه الظروف، بعيدا عن منطقته الأصلية فسيكون أمرا مثيرا للإعجاب.
من ناحية أخرى إذا تمكن أعداء الأسد (داعش وغيرها من المتمردين) الاستيلاء على اللاذقية ومعها على القاعدة الروسية البحرية الصغيرة، فسيظهر ذلك ضعف روسيا ولا يمكن لبوتين سماح حدوث ذلك. أصبحت المنطقة التي كان يتواجد قيها أربعة جنود في زمن السلم الآن على ما يبدو، منزلا مؤقتا لمئات من المشاة البحرية الذين أتوا مع «نيكولاي فيلتشينكوف» وسفن مماثلة أخرى.
لا يحتاج بوتين إلى صفقة مع أوباما لتنشيط الوجود العسكري الروسي في المنطقة. يكفي فقط وقف إطلاق النار على الجبهة الأوكرانية لإرسال الجيش المتفرغ من مهمته هناك إلى سوريا، وبالفعل، هناك هدوء في الأيام الأخيرة في أوكرانيا. الأسبوع الماضي قال رئيس أوكرانيا بترو بوروشينكو أنه منذ التوقيع في فبراير ينفذ «اتفاق مينسك» للمرة الأولى فعليا.
إدخال القوات إلى سوريا هي خطوة حاسمة بنفس قدر ضم شبه جزيرة القرم. فهناك تصرف بوتين أولا ثم تفاوض بعد ذلك. العديد من القوات التي أرسلت إلى سوريا ترسل إلى هناك من القواعد العسكرية القرمية. مع ذلك داعش لا تشبه الجيش الأوكراني الضعيف وسيء التنظيم في مارس 2014. أثبتت وحداتها العسكرية مرارا القدرة القتالية في المعارك مع قوات الأسد ومع الجيش العراقي المدرب في الغرب. ربما يقول الجنرالات الروس لبوتين أنهم يمكن أن يتغلبوا على داعش تماما كما كانوا واثقين في عام 1979 عندما قالوا لبريجنيف أنهم سيتمكنوا من السيطرة على أفغانستان.
إذا قام بوتين بإدخال القوات من دون الحصول على دعم دولي سيشكل ذلك خطرا كبيرا. كتب يفغيني كيسليوف، مذيع سابق معروف على أحد القنوات التلفزيونية في موسكو، الذي يعيش الآن في كييف، في بلوقه: «ليس لدي أدنى شك في أن التدخل العسكري في سوريا هي مقامرة وخطورة قاتلة لروسيا (ولروسيا تحديدا!) ».
إذا قرر بوتين أن يتورط في هذه الحرب، فسيظهر ذلك أنه مغامر وليس براغماتيا، وبطريقة أكثر وضوحا من العدوان في أوكرانيا. دعم الشعبية من خلال العمليات العسكرية أثناء انهيار الاقتصاد ومع داعش كعدو وبدون حلفاء في الولايات المتحدة، هذا لايشبه إستراتيجية مدروسة.
من ناحية أخرى، إذا توقف بوتين عند حد توريد الأسلحة وتدريب قوات الأسد فإن الدول المجاورة لروسيا (ربما باستثناء رابطة الدول المستقلة) ستكون قادرة على التنفس بارتياح. وسيعني هذا الحل العملي أن روسيا قد تقبلت وضع القوة الإقليمية دون طموحات توسعية نابليونية.