خمسة دروس من ماركوس أوريليوس
الصفحة الرئيسية تحليلات

يقرأ الناس مؤلفات ماركوس أوريليوس منذ ما يقارب 1800 سنة، ويبدو أن أفكاره تناسب عصرنا مثلما كانت تناسب الفترة التي حكم خلالها الإمبراطورية الرومانية. فما الذي تعلمه هو وماذا يمكن أن نتعلم منه الآن؟

حكم أوريليوس الإمبراطورية الرومانية عشرين سنة تقريباً، ولكن هذا ليس الأمر الوحيد الذي اشتهر به: فقد كان الإمبراطور مؤلف الكتاب الخالد بعنوان «إلى نفسي»، أو «تأملات». يكتب غريغوري هيز في تقديمه للكتاب:

«إن عنوان "تأملات" كان رفضه أوريليوس بالتأكيد، فلم يعتبر نفسه فيلسوفاً أبداً. أكبر ما كان أن يصف نفسه به هو أنه تلميذ مثابر وممارس متواضع للفلسفة التي ابتدعها آخرون».

كل من يفتح كتاب «تأملات» – من تلاميذ المدرسة الابتدائية إلى رؤساء الدول – يستخلص منها دروساً ما. ولكن احترس: نظرة ماركوس أوريليوس إلى الحياة قاتمة إلى حد بعيد.

ويجب من أجل فهم هذا الكتاب أن نتذكر الدور الذي كانت تلعبه الفلسفة في حياة الناس في العصور القديمة. طبعاً، كان للفلسفة حينها جانب أكاديمي، ولكنها كانت إلى حد بعيد مادة تطبيقية مفادها أن تعرف كيف تتحكم بحياتك. الفلسفة هي «مجموعة قواعد من أجل الحياة». لم يكن الدين في العصور القديمة يرضي الحاجة إلى مثل هذه المجموعة من القواعد لأنه كان يضع «الطقوس قبل التعاليم ولم يكن لديه الكثير ليقدمه في مجال المبادئ الأخلاقية والمعنوية». وكانت الفلسفة معنية بملء هذه الثغرة.

يكتب هيز: «الأسئلة التي يحاول كتاب "تأملات" الإجابة عنها هي أسئلة ميتافيزيقية وأخلاقية». إنها الأسئلة الأزلية التي لا نزال نطرحها حتى يومنا. لماذا نحن هنا؟ كيف نصمد في وجه الكروب والامتحانات التي تملأ الحياة اليومية؟ ما هو التصرف الصحيح؟ كيف نتعامل مع الخسائر والآلام؟ كيف نعيش المصائب؟ كيف يمكننا أن نعيش ونحن نعلم أن في يوم من الأيام حياتنا ستنتهي؟

يتميز الكتاب الأول، القسم الخاص بعنوان «العرفان والدروس»، من الأجزاء الأخرى بكونه سيرة ذاتية. وها هي الدروس التي يمكن أن نستفيدها منه:

عدم الرغبة بالتدخل في شؤون الغير

(ممن ربّاني): … عدم الرغبة بالانضمام لا إلى حزب الخضر ولا حزب الزرق، ولا حزب التروس المستديرة ولا التروس المتطاولة؛ القدرة على التحمل والبساطة والاستقلال وعدم الرغبة بالتدخل في شؤون الغير وتجاهل النميمة.

مهارة قراءة الكتب بإمعان

(من روستيكوس): …مهارة قراءة الكتب بإمعان وعدم الاكتفاء بالأفكار العامة الشاملة، وعدم التأثر بمن يكثر من الكلام.

أطيب من أي تملق

(من سيكستوس): …السعي إلى العناية بالأصدقاء؛ التسامح مع الناس العاديين ومن يحكم بلا معرفة؛ والقدرة على التعايش مع الجميع بحيث تكون عشرتهم أطيب من أي تملق.

قسوة الاستبداد

(من فرونتو): …المعرفة عن مدى الحسد والاحتيال والنفاق التي تتصف بها دولة الحاكم المستبد؛ ومدى قسوة من نسميهم عادةً بالنبلاء.

الأفضل أن تكون قويماً

(من مكسيموس): …المفهوم أنه أفضل أن تكون قويماً أصلاً من أن تكون أعوج مقوّماً لاحقاً.

ما تعلمه أوريليوس من أبيه بالتبني

أن تكون وديعاً وثابتاً بلا تردد في قراراتك [المتخذة] بعد تمحيص وتدقيق؛ والامتناع عن الغرور والسعي وراء التكريم الباطل؛ وحب العمل والمثابرة؛ والاستعداد للاستماع إلى من يستطيع اقتراح أي شيء لمصلحة الجميع؛ ومكافأة كل واحد حسب ما يستحقه؛ والمعرفة متى تلزم الصرامة ومتى يجب التجاهل والتسامح. ...وفي المجالس الإصرار على الاستجواب التفصيلي؛ وعدم التواني عن التحقق لا الاكتفاء بأول التصورات؛ والعناية بالأصدقاء بلا أن يشعر يوماً بالملل منهم وبلا انجذاب زائد نحوهم؛ الاكتفاء الذاتي في كل شيء والمزاج المرح؛ قدرته على توقع المستقبل وبراعته في الاهتمام بالتفاصيل دون إعطائها أكثر مما تستحق؛ ونبذ المديح والتملق الموجه نحوه. ...والاقتصاد في النفقات العامة والصبر على من كانوا يذمونه على ذلك. ...ونحو الناس لم يكن عنده رغبة بإرضائهم أو كسب مودتهم أو نيل إعجاب العامة، بل بالعكس: التفكير السليم والرصانة في كل شيء بلا قلة الذوق أو السعي إلى البدع.

[…]

عند تنظيم المناظر العامة وتشييد الأبنية وتوزيع التبرعات للشعب وأمثالها من الأمور كان يبدي التعقل والاهتمام، ويركز على ما ينبغي فعله وليس على السمعة التي تلحقه نتيجة تصرفه.

[…]

كان يمكن أن ينطبق عليه ما يروى عن سقراط أنه كان يستطيع الامتناع أو الاستمتاع بما يستصعب أغلب الناس الامتناع عنه ويسعون إلى الاستمتاع به؛ كان قوياً في امتناعه فيمتنع عن الممتعات ويحافظ على رزانة عقله في كلتا الحالتين، وهذا من صفات امرئ ذي نفس سليمة قوية.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق