باراك أوباما: النتائج
الصفحة الرئيسية تحليلات, الولايات المتحدة

لن يظهر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما في قائمة مرشحي هذه السنة، ولكن خطابه الأخير إلى الأمة كان مليئاً بالحيل الانتخابية النموذجية من أجل إبقاء حزبه في السلطة.

ودعا أوباما حسب عادته إلى الأمل الذي يتغلب على الخوف. عارض الرئيس المزاج القاتم الذي يرتكز عليه خطاب الحزب الجمهوري ودعا الأمة إلى التلاحم ضد هجمات المرشح الجمهوري دونالد ترامب على المسلمين والوافدين. ونادى بالعدالة الاقتصادية، ومن الواضح أن ذلك كان من أجل توجيه الانتخابات في الاتجاه المؤاتي للديمقراطيين.

إذا شعرت أنك سمعت هذا من قبل، فهو صحيح: في خطابه، بنبرته التفاؤلية والدعوة إلى التلاحم، أصداء كلمته في سنة 2004 في الاجتماع الوطني للحزب الديمقراطي التي منحت أوباما الشهرة على مستوى البلاد.

ولكن أوباما الآن يستعد إلى الاعتزال، وخطابه يذكر بالوعود التي قطعها في سنة 2008 ولم يَفِ بها. في تلك الأيام وعد بالوحدة، وبدلاً عنها حصلت الولايات المتحدة على سبع سنوات من المجابهة الحزبية الساخنة بين الرئيس والكونغرس.

اعترف رئيس الولايات المتحدة أن ذلك كان «واحداً من الدواعي القليلة للأسف»: «أن الحقد والشكوك بين الطرفين ما ازدادت إلا قوةً».

اعترف رئيس الولايات المتحدة أن ذلك كان «واحداً من الدواعي القليلة للأسف»: «أن الحقد والشكوك بين الطرفين ما ازدادت إلا قوةً».

وبين الأمور الأخرى ذكر أوباما أن سوريا وأوكرانيا تخرجان من دائرة نفوذ روسيا:

«التهديد الرئيسي يأتي اليوم ليس من "إمبراطوريات الشر"، إنما من البلدان التي تتفكك أمام أعيننا. يمر الشرق الأوسط بفترة تحول سوف تستمر لأجيال والمتجذرة في تاريخ المنطقة العريق. وتثير المرحلة الانتقالية في اقتصاد الصين الاضطراب في كل أنحاء العالم. وروسيا تنفق موارد لا يستهان بها – رغم تدهور اقتصادها – على دعم أوكرانيا وسوريا، البلدين اللذين يخرجان من دائرة نفوذها».

البحارة المحتجزون

قبل عدة ساعات من الخطاب احتجزت إيران 10 بحارة أمريكيين، ما أضفى جو القلق على الحدث وذكّر بقلق المجتمع حول الإرهاب والتهديد الخارجي اللذين سيتطلبان تصرفات من جانب جميع المرشحين للرئاسة، بما فيهم الديمقراطيين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرس.

لم يذكر أوباما البحارة، مما أثار هجمات من جانب الجمهوريين الذين أكدوا أن الرئيس أضعف موقف الولايات المتحدة. السيناتور عن تكساس تيد كروز، من رواد سباق الترشيح للرئاسة بين الجمهوريين إلى جانب ترامب:

«لم تكن كلمة اليوم خطاباً إلى الأمة بقدر ما كانت محاولة هروب. نحتاج إلى رئيس يستطيع التغلب على الإرهاب الإسلامي المتطرف».

لا عجب أن الجمهوريين ثابتون في طرح حججهم، فرغم التأكيد على أن الولايات المتحدة هي «أقوى اقتصادات العالم وأكثرها استقراراً»، يخاطب أوباما مجتمعاً يقلقه الركود في دخل الطبقة الوسطى بالإضافة إلى خطر الإرهاب. حسب استطلاع CBS-New York Times الذي جرى من 7 حتى 10 يناير فإن 65٪ من الأمريكان يعتقدون أن البلاد تسير في غير الاتجاه الصحيح.

الليتر بأربعين روبلاً

ومع ذلك وجد أوباما ما يمكنه أن يفتخر به في خطابه الأخير، فقد ذكّر الأمريكان أن صناعة السيارات «أنهت تواً أفضل سنة في تاريخها»، ولم ينس أن يذكر أيضاً أسعار البنزين.

عندما تولى أوباما المنصب بعد الانهيار المالي بقليل كانت الولايات المتحدة تخسر 800 ألف مكان عمل كل شهر. وفي السنتين 2014 و2015 كان تزايد عدد فرص العمل مقارنة بالسنة الماضية في أعلى مستوىً له منذ حقبة الازدهار الاقتصادي في التسعينات، ونما مؤشر S&P 500 بأكثر من ضعفين، ومستوى البطالة البالغ 5٪ قريب مما يسميه الكثير من الاقتصاديين بالتشغيل الكامل للعمالة.

وبين التلميحات الكثيرة الشفافة، ولو أنها غير مباشرة، إلى خطاب حملة الجمهوريين الانتخابية، صرح أوباما:

«كل من يزعم أن الاقتصاد الأمريكي في كساد إنما يقدم خيالاته على أنها الواقع».

النتائج الاقتصادية

لتحديد النتائج الاقتصادية لفترة عمل إدارة أوباما أهمية حاسمة في مستقبل المرشح الديمقراطي الذي سيتحمل في حال انتخابه المسؤولية السياسية عن قرارات الرئيس الحالي. ومع أن كلينتون تصرّ أن حكمها لن يتحول إلى «فترة أوباما الرئاسية الثالثة»، كتبت في تويتر مساء الثلاثاء:

«صارت أمريكا أفضل بفضل قيادة أوباما لها، وأفتخر أن أسميه صديقي. لنستمر في إكمال ما شرع به».

منح الخطاب لأوباما فرصة إعادة تركيز انتباه المجتمع إلى النقاط الانتخابية للحزب الديمقراطي التي أزاحها إلى حد كبير السباق النشط ضمن الحزب الجمهوري والخطاب الاستفزازي لمرشحيها، ولا سيما ترامب وكروز.

علق ترامب أيضاً على الخطاب في تويتر، وهاجمه كعادته واصفاً خطاب أوباما بأنه «ممل وبطيء وخامل جداً».

جواب الجمهوريين

عاكست ترامب أيضاً حاكمة ولاية ساوث كارولينا نيكي هيلي التي ألقت الرد الرسمي للحزب الجمهوري على خطاب أوباما. سعى الجمهوريون حين اختاروا لهذا الدور هيلي ممثلة الشعوب الأمريكية الأصلية أن يقدموا حزبهم بأنه متنوع إثنياً ومنفتح للتوسع في حقوق وإمكانيات النساء. ورغم موقفها النقدي من أوباما، نبهت هيلي أن «في أزمنة الاضطرابات قد يجذبنا جذب أغاني الحوريات نداء أكثر الأصوات حقداً. علينا أن نقاوم هذا الإغراء».

فعل البيت الأبيض كل ما في وسعه للاستفادة القصوى من الوقت المتاح للخطاب، فدعا القناة التلفزيونية NBC من أجل البث من البيت الأبيض وروج للخطاب عبر الوسائط الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر وSnapchat وMedium.

وصف أوباما زماننا بأنه «عصر التغيرات الخارقة» وأضاف أن «هذه التغيرات من شأنها إما توسيع إمكانياتنا أو زيادة الجور. وسرعة هذه التغيرات ستبقى تتزايد شئنا أم أبينا».

«تكافؤ الفرص»

تركيزه على المحافظة على «تكافؤ الفرص» لجميع الأمريكان في ظروف التغيرات الاقتصادية السريعة بصفتها المسألة الأساسية في السنوات القادمة تكرر موضوع حملته الانتخابية ضد ميت رومني في سنة 2012. قال أوباما:

«عائلات العمال لن تحصل على فرض أكثر أو نقود أكثر لو سمحنا للبنوك وشركات النفط وصناديق التحوط بتحديد قواعدها الخاصة على حساب الآخرين. يحتاج العمال والمشاريع الرائدة والمنشآت الصغرى في هذا الاقتصاد الجديد إلى أن يكون صوتهم مسموعاً».

تستند هذه المقاربة على نقطة القوة الطبيعية للحزب الديمقراطي، إذ تشير استطلاعات الرأي بانتظام أن الناخبين يعتقدون بأغلبية ساحقة أن الديمقراطيين يستطيعون العناية بالناس العاديين أكثر من الجمهوريين.

ولكن رغم كل هذا الخطاب الراقي، لم يبتعد أوباما كثيراً عن محاولات تقويض مواقف الجمهوريين، مع أنه لم يذكر أي أسماء.

وفي تلميح واضح إلى إنكار المرشحين الجمهوريين للمعطيات العلمية حول تغير المناخ، قال أوباما:

«عندما سبقنا الروس في الفضاء أنكرنا أن القمر الصناعي موجود».

وبعد ذلك، بإشارة لا تكاد تكون مستورة إلى ترامب وكروز صرح أوباما أن الرد على التهديدات «لا يجب أن يقتصر على الإهانات أو الدعوات إلى القصف الكاسح. هذا قد يجدي في الدعاية التلفزيونية، لكنه لا ينفع في العلاقات الدولية».

اقرأ أيضا:
الرجاء وصف الخطأ
إغلاق