على حافة الهاوية.. هل ينتظر الصين مصير اليابان
Thomas Peter/Reuters
الصفحة الرئيسية تحليلات, الصين

سنحكي لماذا تخاطر الصين أن تصل إلى حافة الانهيار الاقتصادي.

الحزب الشيوعي الصيني مهتم جدا ألا يطاله مصير جاره الاتحاد السوفييتي. منذ استلامه المنصب عام 2012، قال الأمين شي جين بينغ أن مواطنو الاتحاد السوفييتي استسلموا أمام ميخائيل غورباتشوف.

لكن هناك حدث تاريخي آخر من نفس العصر، وسيتطلب اهتماما أكبر من شي جين بينغ. مر أكثر من 30 عام منذ أن بدأت في اليابان فقاعة سوق العقارات في الأسواق المالية. وانفجرت معها ثقة الناس بالدولة.

بدأ الهلع يصيب الشركات، أما الاقتصاد فكان أمام فترة استعادة طويلة وصعبة. المسألة الأهم أمام الصين الآن هي تجنب نفس المصير.

مديونية الصين تشكل 250٪ من الناتج الكلي المحلي، ومازالت في نمو. يحاول المسؤولون السيطرة على أسعار العقارات العالية، أما الحكومة فمازالت تصطدم بعواقب الفقاعة المالية في السوق المالية والتي انفجرت عام 2015. نبه شي جين بين قادة البلاد الشهر الماضي على "ضرورة تعزيز الأمن الاقتصادي".

ما هو احتمال أن تكرر الصين مصير اليابان؟ هل سيكون على الصين أن تعايش " سنوات الضياع" على الطريقة اليابانية؟

لنفترض أن هذا سيحصل، في هذه الحالة سيكون الاقتصاد العالمي أمام كارثة، لأن الصين تؤمن 40٪ من نموه السنوي. كما أن الصين تؤمن أكثر من 20٪ من الواردات الأمريكية، كما كانت اليابان في أواسط الثمانينات

اقتصادي Goldman Sachs ناوهيكو بابا والمحليين الآخرين يرون أن على بكين أن تتعلم من الأخطاء الاقتصادية اليابانية. هناك خطوط متوازية مخيفة: من مستوى مديونية الشركات انتهاء بالوقت الذي يستغرقها الموظف الصيني للوصول إلى عمله في الصين.

لكن ليسوا قلة من يرون اختلافات أكثر من التشابهات، منهم آندي روتمان المستثمر الاستراتيجي من Matthews Asia. يقول أن الفائدة الوحيدة من هذه المقارنات هي من أجل تهدئة الناس.

لكن مواطنو الصين البالغ عددهم 1.4 مليار، والمستثمرون الأجانب والتي ملياراتهم على المحك يعتبرون أنه يجب التعامل مع الفقاعة المالية المحتملة بجدية أكبر، من السذاجة التوقع أن هذه المرة سيحصل شيء آخر.

لقد سبق الصين أن مرت بعدة مراحل من المراحل التي مرت فيها اليابان بالثمانينات. من بين الأمثلة نسبة مديونية الشركات إلى الناتج الكلي المحلي، والذي وصل إلى نسبة مشابهة 155٪. وهذه أمثلة من المجال الفني: شركة التأمين اليابانية Yasuda Kasai دفعت 40 مليون دولار مقابل لوحة فان غوغ "دوار الشمس" عام 1987، أما في عام 2015 دفع الملياردير لو إيتسان 170 مليون دولار مقابل لوحة موديلياني.

مقارنة سلوك الاقتصادات "المنتفخة" أسهل ما يكون. كلا الدولتين معرضتين لنوبات تضخم الأصول مع خطوط بيانية متشابهة لحركة الأسعار بقفزاتها وانهياراتها.

وكلاهما صرفت الأموال على الأصول الأجنبية. قامت Mitsubishi Estate بدفع 900 مليون دولار مقابل 51٪ من مركز روكفلر بنيويورك عام 1989، أما CC Land فصرفت مبلغا قياسيا 1.15 مليار جنيه استرليني مقابل ناطحة سحاب بلندن، والمعروف شعبيا "بالمبرشة" ، في بداية هذا العام. وهذه صفقة واحدة فقط من الصفقات الموثقة للشركات الصينية.

يابان الثمانينات مقابل الصين الآن

1. أكبر مقتنيات الشركات في الخارج

اليابان: Sony NYSE: SNE.NYSE دفعت 3.4 مليار دولار ثمن Columbia Pictures عام 1989.

الصين: ChemChina قيد شراء شركة Syngenta SIX: SYNN.SIX مقابل 43 مليار دولار.

أثار اهتمام المحللين بالأخص تشابه "دزايتك" ، تقنية الهندسة المالية لزيادة الأرباح غير التشغيلية، والتي حفزت الاستثمارات الاحتكارية في اليابان للشركات الغير مالية، ومكافئها الصيني.

إن كانت من ملامح الفقاعة الحقيقية الأصول الغير عادية، فيجب النظر إلى أحد أفضل أنواع شاي بوار من الحصاد الربيعي. إذ زاد خلال عام بنسبة 90٪ وشكل 15 ألف يوان للكيلوغرام. بهذا أصبح أغلى من الفضة بأربع أضعاف.

حصل أمر مشابه عام 1987 والذي كان نتيجة الاستعراض والاحتكار، مع سعر الإشتراك في نادي الغولف الياباني Koganei Country Club حيث وصل إلى 3.5 مليون دولار

المقارنات تبدو أكثر إقناعا، بما أن العلامات المقلقة للفقاعة في الصين، أو حتى عدة فقاعات أصبحت أوضح خلال السنوات الأربعة الأخيرة. فريزر هاوي الخبير في النظام المالي الصيني يقول:

“خلال السنوات الثمانية الأخيرة انخفض معدل النمو في الصين، لكنها زادت من ديونها الضعف. وهذا ارتباط ليس جيد".

على الرغم من هذا، قد لا تكون المقارنة صحيحة في بعض الأشياء. يؤرخ المؤرخون الاقتصاديون بداية نمو الفقاعة في الاقتصاد الياباني بسبتمبر عام 1985 واتحاد بلازا في نيويورم. اجتمع حينها وزراء المالية الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني والياباني من أجل تخفيض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى بجهود مشتركة. وأدى ذلك لتقوية الين على حساب ارتفاعه أمام الدولار من 240 إلى 120 ين بعد ثلاث سنوات.

أما الصين فعلى العكس، تسيطر على عملتها بحذر وتتخذ إجراءات قاسية اتجاه المضاربين. تدخلت الحكومة الصينية بحزم في يونيو 2015 في العمليات الاقتصادية للبلاد لإيقاف تدهور السوق المالية، وبذلك مظهرة إمكانياتها للعالم أجمع.

2. شراء الملكية في الخارج

اليابان: شركة Mitsubishi Estate اشترت مركز روكفيلر في أكتوبر 1989 ب900 مليون دولار.

الصين: شركة Anbang اشترت عام 2014 فندق Waldorf Astoria بنيويورك ب2 مليار دولار تقريبا.

هناك اختلاف هام آخر بين البلدين، ويتجسد في قدرة الاقتصاد على التعافي بعد الهبوط الحاد لأسعار العقارات. حين حصل هذا في اليابان في بداية التسعينات، كانت التبعات كارثية، بما أن لم يكن لدى الحكومة الأدوات اللازمة لتصحيح الوضع. في حين لدى الصين هكذا أدوات.

حسب أقوال كريستوفر وود، اخصائي بالتعامل مع الأوراق المالية في بنك CLSA، في ظروف التخطيط الحكومي للاقتصاد الصيني تحاول الصين تحقيق استراتيجية والتي لم تلجأ لها اليابان يوما وهي الانتقال من اقتصاد موجه للتصدير إلى اقتصاد موجه للاستهلاك.

الاختلاف الثالث بين الصين الحالية واليابان في السابق مرتبط بطبيعة الحوكمة الصينية. ثلثي مديونية الشركات هي لشركات وبنوك حكومية. محللو شركة Macquarie لاري هو وجيري بينغ صاغوا هذا بالشكل التالي:

“دين الصين يتألف بشكل كامل من ديون مؤسسات حكومية أمام مؤسسات حكومية أخرى. التحليل العادي هنا لا علاقة له، بما أنه بإمكان الحكومة أن تقوم بإعادة تنظيم الدين داخل النظام نفسه".

لكن القطاع الخاص في الصين ينمو أسرع بكثير. حسب الأرقام التي قدمها ستيف كينغ، استاذ في جامعة كينغستون في بريطانيا، خلال ربع قرن تضاعف دين القطاع الخاص في اليابان (من 120% من الناتج الكلي المحلي إلى 220% عام 1995). أما في الصين فمديونية القطاع الخاص قفزت من 115% من الناتج الكلي المحلي إلى 210% خلال السنوات التسعة الأخيرة فقط. إيسفار براساد اختصاصي في الاقتصاد الصيني من جامعة كورنيل يقول:

لا تستطيع الصين أن تتبع قوانين الاقتصاد، تبقى شيء فريد في الكثير من المناحي".

3. اقتناء تحف الفن الأوروبي

اليابان: في مايو 1980 روي سايتو، رئيس شركة Daishowa Paper يشتري "لوحة الدكتور غاشيه" لفان غوغ بـ82.5 مليون دولار.

الصين: لو أيتسان يشتري لوحة أميديو موديلياني "العارية المستلقية" بـ170 مليون دولار.

لكن السلطات الصينية تبدأ بالقلق حين تبدأ ضجة حول أحد الأصول سواء كان النحاس أم الجينسنغ. وهذا القلق يشاركها فيه المستثمرون الأجانب.

وخاصة لأن هذا يذكر بالوضع في اليابان في الثمانينات، حين الأسعار الباهظة على العقارات والضجة في السوق المالية أعلنتا نهاية فترة النمو الاقتصادي العالي.

الفقاعة الاقتصادية لم تنفجر فقط، يقول مارتن شولتس كبير الاقتصاديين في مؤسسة فوديستسو للأبحاث، بل وتركت ورائها ندب والتي مازالت ظاهرة على شكل عجز بالميزانية من أجل "دعم الاقتصاد الوطني".

تبعات الأزمة الاقتصادية كانت موجعة جداً لليابان لأن الشركات اليابانية حتى منتصف الألفينات كانت ترفض إعلان الإفلاس وتسريح أعداد كبيرة من الموظفين. كل هذا درس قيم للصين بعنوان "ماذا نفعل إن تعرض قطاعنا المصرفي لأزمة".

هيروميتشي شيراكاوا كبير اخصائيي شركة Credit Suisse بالشأن الياباني يؤكد أن ردة الفعل المستقبلية للحكومة الصينية على الفقاعة المنفجرة أهم بكثير من انتفاخ هذه الفقاعة أم لا. هنا تحديداً يجب أن تتعلم الصين درساً ثميناً من اليابان.

“أهم مسألة ستكون إعادة الثقة بالبنوك، وإن لم يتم إغلاق بعضها فسيفشل هذا الشيء".

من وجهة النظر النفسية، التجربة اليابانية في نمو قيمة السوق المالية بين عامي 1985 و1989 بثلاثة أضعاف يذكر بما يحصل في الصين الآن: النمو الكبير للاستثمار في الأصول متعلق بالثقة بأن الاقتصاد الصيني سينمو بنفس الوتيرة.

4. عدد السياح الذين يسافرون للخارج (النسبة من عدد السكان)

اليابان: 7.85%، 9.66 مليون سائح عام 1989.

الصين: 8.56%، 122 مليون سائح عام 2016.

بيتر تاسكر، مدير صناديق ومؤلف كتب عن تاريخ الاقتصاد الياباني يقول:

“الفقاعة هي نهاية مبتهجة لفترة ازدهار طويلة. يبدأ من تفاؤل عقلاني ويتحول إلى شعود بالإمكانيات غير المحدودة. كل المستثمرين يريدون المشاركة في هذا. الناس في حالة ابتهاج مما يحصل في بلادهم. أما اليابان فقد كانت فقاعة بالمفهوم التقليدي: أسعار الأسهم والعقارات كانت تنمو بنفس الوتيرة. لقد كان هذا ليس ابتهاجاً مالياً واقتصادياً فحسب، بل وسياسية واجتماعية".

هيروميتشي شيراكاوا يعتبر أنه في اليابان والصين شعور الثقة بالطاقات مرتبط بأن كلا البلدين تمكنوا من التغلب على صعوبات كانت تبدو مستحيلة. في حالة اليابان هو "الصدمة النفطية" والذي سببه ارتفاع أسعار النفط في بداية الثمانينات، أما بالنسبة للصين التبعات الصعبة للأزمة الاقتصادية عام 2008:

“لكن هناك اختلافات أيضاً. في اليابان اتحاد بلازا (والين القوي) سمحوا لبنك اليابان دعم القروض الرخيصة لفترة طويلة. كانت البنوك تحت ضغط كبير وكانت تخاطر مخاطرة كبيرة. في الصين فالثقة بالنفس نابعة عن فكرة "أننا جذبنا إلى البلاد استثمارات ضخمة، وهذا سيستمر للأبد".

5. الناتج الكلي المحلي على الفرد

اليابان: 23.472$ عام 1989.

الصين: 8069$ عام 2015.

في كلا البلدين أدى النمو الاقتصادي الكبير إلى تغيير حياة الناس. حين وصلت أسعار الأسهم والعقارات في اليابان وصلت إلى أعلى مستوى، أصبح أجار السكن للموظفين العاديين في المدن اليابانية فوق طاقة الموظفين.

في عام 1989 كان سعر شقة متواضعة بمساحة 75 متر مربع على مسافة ساعة ونصف سفر بالمترو عن مركز طوكيو يتعدى بـ8.5 مرة على راتب الموظف الياباني العادي. وبعد ثلاثة عقود نلاحظ في العاصمة الصينية ديناميكية مخيفة أكثر. وسطي سعر شقة بمساحة 100 متر مربع في بكين هو 5 ملايين يوان، ما يتعدى بـ50 مرة وسطي الدخل السنوي للسكان المحليين.

اقرأ أيضا:
الرجاء وصف الخطأ
إغلاق