شمل جنون العملات المشفرة الكوكب بأسره، فبدأت بعض البلدان تفكر بإصدار عملاتها الافتراضية الخاصة على أساس البلوكشين. يعتبر أنصار العملات المشفرة الحكومية أنه في حال نجاح الحركة – وهذا ليس مضمومناً أبداً – سيؤدي هذا إلى التغير التام واللارجعي للمنظومة المالية العالمية. وهذا ما لا بد من معرفته حول العملات المشفرة الوطنية.
من هو النصير الأهم للفكرة؟
يروج رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو بشتى الطرق العملة المشفرة الوطنية Petro. تتعزز كل وحدة منها ببرميل واحد من النفط. حسبما قال مادورو في شهر فبراير في الأسبوع الأول من ما قبل البيع تم تقديم طلبات على الشراء بقيمة 5 مليارات دولار.
يعتقد الرئيس أن العملة المشفرة "ستؤثر كثيراً" على مصير فنزويلا إذ أن هذا سيتيح لها الوصول إلى العملات الأجنبية ما سيسمح لها شراء سلع وخدمات في السوق العالمية (إذ بسبب العقوبات الأمريكية تعاني البلاد من النقص الشديد في الدولارات).
بيد أن آلية تبديل العملات المشفرة بالنفط وغيره من الأصول المادية – التي تتضمنها خطة مادورو – في الوقت الحالي لا وجود لها. عدا ذلك أعلن مجلس الشعب – الذي تستولي عليه المعارضة – عملة Petro غير قانونية، أما رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب فوقع على مرسوم تحظر بموجبه العمليات بالعملات الرقمية أو القطع النقدية أو التوكنات الصادرة في فنزويلا.
ما هي البلدان التي قد تصدر عملتها المشفرة الخاصة؟
تخطط روسيا في منتصف عام 2019 لإصدار العملة المشفرة التي ستستخدم لجذب الاستثمارات الأجنبية. سيستخدم الروبل المشفر بمثابة المثيل الرقمي للعملة الروسية ويعادل الروبل العادي الواحد.
أما المصرف الصيني الشعبي فصرح غير مرة عن رغبته في إصدار عملته المشفرة الخاصة المنظمة. برأي الخبراء ستسمح العملة المشفرة الخاصة للمصرف الصيني الشعبي على تخفيض النفقات وتوسيع الخدمات المالية بين سكان المناطق الريفية وكذلك الرفع من فعالية السياسة المالية.
وفي السويد حيث معظم الحسابات تجري بصورة غير نقدية ينظر المصرف المركزي في إمكانية إصدار عملته المشفرة الخاصة ألا وهي الكرونة الإلكترونية. كما أن المنظم يقلق بشأن أن الانتشار الواسع لسائر العملات المشفرة – التي يتحكم بها المصممون الخاصون – قد يضر القدرة على التنافس.
أليست العملات المشفرة بحكم التعريف بريئة من سيطرة الدولة؟
حتى وقت قريب كان الأمر هكذا. فقد كان البيتكوين وهو (Bitcoin) والكثير من نظائره تتطور بغض النظر عن السلطة المركزية بتعمد. لكن البلوكشين – الذي هو أساس لمعظم العملات المشفرة – لا يستبعد المركزية. رسمياً يمكن أن تتمتع الحكومة بسيطرة أكثر بكثير على العملة الرقمية من الورقية وذلك لأن كل معاملات تحفظ في البلوكشين ما يمكّن من مراقبتها.
ماذا ستربح السلطات من إصدار العملات المشفرة؟
سيصبح تنظيم العرض المالي بواسطة تغير أسعار الفائدة – أي السياسة النقدية الائتمانية – أكثر استقامة وشفافية وسترتفع فعاليته واقتصاديته. سيستحيل التهرب من الضرائب وذلك لأن كافة المعاملات ستخضع للمراقبة.
يمكن أن يصبح إصدار العملة المشفرة الخاصة مربحاً لأية بلاد ترغب في التهرب من قيود النظام المالي العالمي (وتفسر شعبية البيتكوين بالأسباب الشبيهة). وهذا عادل بصورة خاصة بالنسبة للبلدان التي تعرضت للعقوبات الدولية.
كيف ستساعد العملات المشفرة على التهرب من العقوبات؟
توفر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الالتزام بالعقوبات عبر استثناء المصارف والشركات المتعاونة مع البلد المنبوذ من المنظومة المالية. تتم مراقبة المخالفين بالمعاملات في المنظومة المصرفية الدولية. ولكن إذا كانت لدى بلاد ما عملتها الرقمية الخاصة عندئذ تستحيل مراقبة المعاملات معها. والبيتكوين كذلك يسمح بتجاوز العقوبات بيد أن القطع النقدية المتداولة غير كافية لتمرير مبالغ ضخمة عبر الشبكة. عدا ذلك إن سعر البيتكوين غير مستقر.
ماذا يعني هذا للمنظومة المالية العالمية؟
تعتمد المنظومة المالية الدولية – التي يسيطر عليها الغرب – على الكثير من الاتفاقيات الدولية والأحكام والمؤسسات التي تسمح للبلدان التجارة مع بعضها البعض والاستثمار في بعضها البعض. تتولى الولايات المتحدة المكانة المهيمنة في هذه المنظومة بسبب شعبية الدولار وضخامة حجم القطاع المصرفي الأمريكي. ستسمح الكمية الكافية من العملات المشفرة السيادية الخروج خلف نطاق المنظومة الموجودة وتقوض من نفوذ المنظمين العالميين مثل النظام الاحتياطي الفدرالي للولايات المتحدة الأمريكية والمصرف المركزي الأوروبي.
ماذا يعني هذا للمصارف؟
سيبدل البلوكشين – الذي هو أساس العملات المشفرة الوطنية – عملية المقاصة الموجودة التي تجريها المصارف التجارية، وتحرمها من مصدر الدخل المهم. يرجح أن المصارف ستحافظ على مكانة مؤسسات ائتمان وتتركز على الرهن العقاري وسائر أشكال الائتمان.