يستمر المتحمسون في التكرار أن العملات المشفرة لا علاقة لها بالسلطات والمنظمين، ولكن في الآونة الأخيرة أخذت الشركات تظهر بالتدريج عن اهتمامها المتزايد بالتعامل مع الحكومات. نتحقق ما هو السبب وما إذا كان هذا يناقض مُثُل مجتمع العملات المشفرة.
منذ تشكل صناعة العملات المشفرة لا تتوقف لعبة الهر والفأر المستمرة بين الجهات التنظيمية والأعمال، على كل حال في الآونة الأخيرة تبدأ الشركات تظهر بالتدريج عن تزايد اهتمامها بالتعامل مع الحكومات.
مثلاً لوحظت هذه العملية في الولايات المتحدة حيث أعلنت أضخم الشركتان الأمريكيتان للعملات المشفرة Coinbase و Circle عن مشاريعهما في تشغيل التجارة المرخصة بالأوراق المالية بالعملات المشفرة.
وفقاً للمقابلة المنشورة من قبل وكالة Bloomberg أعلنت شركة Circle الممولة من قبل المصرف الاستثماري Goldman Sachs عن نيتها استلام الترخيص على النشاط المصرفي الفدرالي بغرض زيادة تشكيلة الخدمات المقدمة وكذلك التسجيل بمثابة الساحة الوسيطة والتجارية في لجنة الأوراق المالية والبورصات للولايات المتحدة (SEC).
قال جيريمي ألاير المدير العالم لـ Circle:
"حتى الآن ولا أية شركة بدأت نشاطها بالعملة المشفرة لم تنل مثل هذه المكانة في الولايات المتحدة. نعم إن استلام الترخيص المصرفي هو تحقيق قاسي، ولكن بهذا الشكل أي بتحويل نشاطنا وفقاً للقانون الفدرالي نأمل استباق الكثير من التنظيمات التي ستقرر في الفترة القريبة على مستوى الولايات المتحدة".
في 7 يونيو أعلنت Coinbase عن نفس الخطوة في مدونتها فقد قدمت الشركة الطلب إلى SEC على استلام ترخيص "التاجر الوسيط".
من أجل تقديم خدمات جديدة للمستهلك بما فيها تجارة الأوراق المالية بالعملات المشفرة والتداول بالهامش والتجارة خارج البورصة (OTC) وكذلك منتجات جديدة تتعلق ببيانات السوق اشترت Coinbase ثلاث شركات: Keystone Capital Corp و Venovate Marketplace Inc و Digital Wealth LLC (إلا أن الصفقات لا زالت تحتاج إلى استحسان SEC).
يبدو أن هذا الاستعداد على العمل المشترك متبادل، فقد خففت سلطات الولايات المتحدة من موقفها تجاه تجارة العملات المشفرة.
إذا كانت الجهات التنظيمية في السابق تنظر في قطاع العملة المشفرة وكأنها شيء موحد وكانت تفضل تجنبه فالآن وجهت مجهوداتها الأساسية نحو الكشف عن اللاعبين سيئي النية. تهتم SEC بصورة خاصة بالاحتيالات مع ICO.
نعم حتى الآن لا تريد SEC إدراج التعديلات إلى الأحكام الموجودة من أجل العملات المشفرة و ICO ومع ذلك فليس لديها ادعاءات لأولئك الذين يلتزمون بهذه الأحكام. قال جاي كلايتون رئيس SEC:
"إذا كانت لديك أسهم أو توكنات وكنت تريد بيعها ضمن إطار التوزيع الخاص التزم بالأحكام المناسبة. إذا أردت إجراء IPO مع التوكنات تعال إلينا إذ تسرنا المساعدة على إجراء توزيع كهذا إذا كانت جهة الإصدار مستعدة على الالتزام بالقانون".
مع توضح الوضع التنظيمي يقفز إلى قطار العملات المشفرة حتى كبار اللاعبين من وول ستريت الذين منذ فترة كانوا ينقدون العملات المشفرة بشدة.
منذ فترة وجيزة كانت المصاعب التنظيمية ولا سيما في البلدان الآسيوية تجبر بورصات العملات المشفرة مثل Binance و OKEx على البحث عن ملجأ في مالطا وفي أماكن أخرى مماثلة حيث السلطات ودودة أكثر، أما الآن فالبورصات الجديدة تتعاون مع السلطات وتسجل مكاتبها في البلدان التي تخطط ممارسة نشاطها فيها.
مع السعي نحو الالتزام بالأحكام شددت البورصات الكبيرة وبالدرجة الأولى Bitfinex و Poloniex (منذ فترة اشترت Circle) و Bithumb و Bittrex الإجراءات المتعلقة بالكشف عن هوية العملاء (KYC) ومكافحة غسل المال و"غسل المال" (AML). منذ فترة دخلت Bittrex في الشراكة مع المصرف الأمريكي وبدأت تقدم إمكانية تجارة أزواج العملات مع الدولار.
وبورصة كبيرة أخرى Huobi يقع مقرها بسنغافورة أعلنت في شهر أبريل عن حضورها إلى أوروبا عقب آسيا والولايات المتحدة. وقال نائب رئيس Huobi Group وقتئذ:
"نحن لا نخاف من التنظيم ولا نهرب منه. نحن لا نهتم بمالطا أو سويسرا، إنما نريد المجيء إلى السوق الأوروبية بلندن".
أما كوريا الجنوبية واليابان تقومان بتخويف بورصات العملات المشفرة ولكن تستمران في عملهما على الأحكام التي يجوز بموجبها لمراكز تبديل العملة المشفرة أن تعمل ضمن إطار القانون. في الآونة الأخيرة داهمت السلطات الكورية غير مرة مراكز التبديل ولكنها كانت تهتم قبل كل شيء بالكشف عن هوية العملاء ومكافحة غسل المال.
ثمة رأي أن شركات العملات المشفرة الهندية ستضطر إلى مغادرة البلاد، فقد وجه المصرف المركزي الهندي للمصارف مرسوماً يتضمن الحظر على التعامل مع أية أعمال تجارية تعمل بالعملات الافتراضية. ومع ذلك تطور الأحداث كهذا قليل الاحتمال، فالحكومة الهندية تنظر في إمكانية فرض الضرائب بأثر رجعي على تجارة العملات المشفرة بدلاً من الحظر.
وهكذا فإن الوضع مع التنظيم يتحسن في كل العالم ربما عدا الصين التي كما يبدو تهتم بالبلوكشين ولكن ليس بالعملات المشفرة. كما هو معروف ظهرت العملات المشفرة بزمانها تحت راية الحرية والاستقلال عن الحكومة، ولكن في الصين لا يجري الحديث عن ذلك.
يعتبر الكثيرون أن دخول الأحكام إلى الصناعة ستجعلها منظمة وآمنة أكثر للمستهلك ولكن ليس الكل موافقين مع وجهة النظر هذه. مثلاً يؤكد أندرياس أنتونوبولوس المتحمس للبيتكوين أن العملات المشفرة يستحيل تنظيمها، وقد كتب منذ سنتين:
"القضية ليس في ما إذا كانت هناك حاجة لتنظيم البيتكوين وإنما في إمكانية هذا. والجواب واحد: لا".
وأشاد بعد ذلك:
"الالتجاء إلى السلطات إجراء عتيق، هذا ليس سبيل البيتكوين".
وربما هو على حق.
في الوقت الحالي يوجد في العالم أكثر من 1600 عملة مشفرة، ويبدو أن الغياب الكامل للتنظيم هو المثالية ولا سيما إذا حسبنا كم يوجد نصابين في هذا المجال. إن إنشاء قانون يحفز على نمو الأعمال وعند ذلك يحمي المستهلك مهمة ليست بالسهلة، ولكن لا يمكننا تجاهل هذه المشكلة.