ماذا تعني الأصول الرقمية حقاً وما هو العائق الواقع على سبيل الرقمنة المطلقة.
انتشر في العالم ضلال أن المال قد أضحى رقمياً لذا يضع الكثيرون قيمة البيتكوين موضع الشك. ولكن إذا فكرنا بذلك فإن تحويل القيمة بالنظم المالية التقليدية لا يجوز تسميته بالرقمي أبداً.
"المال الرقمي" الذي تقدمه المصارف هي في حقيقة الأمر لا تحول القيمة. إنه مجرد النموذج الأولي للعمليات المقبلة دون تصرفات معينة. في أثناء إجراء الدفع غير النقدي لا يغادر المال حساب الدافع ولا يلتحق بحساب البائع (وهذا هو سبب سرعته). في حقيقة الأمر يؤمن طرفا المعاملة إيماناً أعمى بأن المصرف سينفذ فيما بعد كل العمليات المطلوبة. يجوز تسمية هذا المال الرقمي بالشكلي.
لماذا المنظومة مركبة بهذا الشكل؟
في الهيكل المالي التقليدي تبرز دوماً خمسة عناصر:
- تقوم بالتخزين مؤسسة واحدة،
- تصدر المال مؤسسة أخرى (المصرف المركزي)،
- أنظمة الدفع مستقلة تماماً،
- تقوم شركات متخصصة بالتدقيق المالي،
- تقوم الحكومة بالإشراف.
تستخدم في أية معاملة كل العناصر المذكورة أعلاه.
كما وتوجد في البيتكوين وهو (Bitcoin: BITCOIN) كل هذه العناصر، ويتحكم بها كود العملة المشفرة. تقوم شبكة البيتكوين بالمدفوعات وتتحمل المسؤولية عن الإصدار والتدقيق والمراقبة والتخزين.
تميز البيتكوين
لقد تمكن البيتكوين من التوصل إلى تحويل القيمة، ومع ظهوره أضحى المال رقمياً فعلاً. تتم حركة المال أثناء إجراء الدفع. تتم العملية دون مشاركة الأطراف الثالثة، وأساسه الأبحاث الرياضية الجادة.
إدراك هذا المفهوم قد يكون صعباً وذلك لأن الحد بين شكلي الدفع دقيق جداً. الشيء الوحيد الذي يمكن قوله بثبات هو أن البيتكوين غير البنية التحتية المالية الموجودة إلى الأبد.
البدائل
في السنوات الأخيرة تحاول الكثير من فرق المصممين نسخ تكوين البيتكوين. إنها تقدم قطع نقدية جديدة وابتكارات واعدة. كيف يؤثر نشاطهم بالذات على النظام الموجود؟
الأمر في أن كل هذه القطع النقدية والخدمات هي في حقيقة الأمر أشكال مختلفة للعملية الواحدة الهامة ألا وهي الانتقال من العصر الورقي إلى الرقمي.
كيف ستكون البنية التحتية الجديدة؟
كما ذكر أعلاه من أجل العمل الآمن لنظام الدفع لا بد من خمسة عناصر:
- المراقبة،
- الخزن،
- الإصدار والنشر،
- معالجة المعاملات،
- التدقيق المالي.
قبل ظهور البيتكوين كانت كل هذه العناصر منفصلة ومركزية.
على كل حال من أجل إصدار أصل لامركزي لا حاجة إلى لامركزية كل هذه العناصر الخمسة. مثلاً يمكن أن يكون أصل رقمي دون إمكانية التدقيق وذلك لأن بعض المستخدمين يريدون حفظ تاريخ المعاملات في السر عن المجتمع والسلطات.
وهكذا كل واحد من العناصر الخمسة المذكورة موجودة في ثلاث حالات:
- المركزية،
- اللامركزية،
- في حالة الصفر.
في النظام المالي المؤسس على المصارف المركزية كل العمليات الخمس ممركزة تماماً. نستلم في النهاية المال الرسمي الصادر من قبل السلطات.
البيتكوين هو مثال على العملة المشفرة اللامركزية تماماً.
كما أن Zcash و Monero معتمدان هما كذلك على الشبكات اللامركزية ولكن يستحيل إجراء التدقيق معها لعدم وجود تاريخ المعاملات.
يتميز Ripple بالتحكم والإصدار المركزيين (يتحمل المصممون المسؤولية عنهما) ولكن كل العمليات الأخرى لامركزية. لا يجوز تسمية Ripple بالعملة المشفرة بسبب مركزية بعض الوظائف ولكن يمكن بنعته بالعملة الرقمية مع إمكانية التدقيق.
أما Tether و Gemini Dollar معززان من قبل الدولار الأمريكي ومركزيان (وذلك لأنهما تحت إشراف منظمة الإصدار). وهكذا لا يجوز تسميتهما بالعملات المشفرة أيضاً بل إنهما مجرد شكل جديد للأصول الرقمية.
المشكلة
علينا التغلب على صعوبة أخرى ألا وهي التفاعل بين الأنظمة المذكورة أعلاه. مثلاً يمكن مشاهدة موقع ما اليوم في أي متصفح وفي أي جهاز. لكن التحكم بالمال لا يجوز إلا في المصرف حيث فتح الحساب.
كما ويستحيل تحويل المال خارج الحدود دون مشاركة الوسطاء (نظام SWIFT). ويمكن قول الشيء نفسه عن العملات المشفرة. من أجل تحويل الرأسمال من أصل إلى آخر لا بد من استخدام خدمات الأطراف الثالثة (البورصات).
النظام الحالي مماثل للحالة حين نضطر إلى فتح مختلف المواقع في متصفحات مختلفة. في آخر الأمر يجب أن تظهر بنية تحتية موحدة ألا وهي الإنترنت المالي حيث ستتفاعل الأصول كلها فيما بينها.
هل تحتاج الأصول الرقمية إلى البلوكشين؟
حين تصبح الأصول رقمية حقاً إنها ستحدد من قبل البنية التحتية (نظام الدفع) التي هي موجودة فيها.
وسبب ذلك أن أي نظام المحاسبة يجب أن يكون قبل كل شيء آمناً والبلوكشين يوفر هذا الأمن. إنه بجوهره عبارة عن آلية التوصل إلى الثقة بين عدة أطراف لا تعرف بعضها البعض. بكلمة أخرى البلوكشين يرقم الثقة وعامل الذاكرة، وكل هذا لا بد منه من أجل تحويل الأشياء القيمة.
علينا ألا ننسى أن البلوكشين هو فقط عبارة عن أداة للنظام مثل آلة التصوير للصورة أو المطرقة للمسمار أو المحرك للسيارة.
إنشاء أصول رقمية جديدة
قبل مجيء العصر الرقمي كان يتعذر حتى تصور وجود الأصول الرقمية. تسمح الرقمنة على إنشاء أصول فريدة تماماً. وقد بات هذا ممكناً بفضل ظهور حالتين جديدتين ألا وهما اللامركزية والصفر (ويحتمل أنه في المستقبل سيزداد عددها).
وهكذا توجد ثلاثة أنواع رئيسية للأصول الرقمية:
الرسمية
إنها مركزية تماماً وتحول القيمة شكلياً فقط. إنه نموذج ما معتمد على ثقتنا بالمصارف.
العملات المشفرة
وهي لامركزية تماماً. ليس ثمة مشكلة الثقة.
الهجينة
بعض عناصر بنيتها التحتية مركزية وبعضها لامركزية أو غير موجودة.
الفرق بين الأصول الرقمية والأصول الواقعية المتوكننة
لا تخلط بين توكننة الأصول الواقعية والرقمية فهما شيئان مختلفان تماماً.
تظهر الأولى منها حين يؤخذ أصل واقعي (كالعقار مثلاً) ويضاف إليه البلوكشين لمكننة عملية التحكم بالحقوق. بدلاً من استخدام خدمات المختصين بالحقوق نوحد بين أصل ما والحقوق عليه في حزمة تسمى بالتوكن. لم يصبح العقار نفسه في نتيجة هذه العملية رقمياً، وإنما تمت مكننة البنية التحتية فقط للتحكم بالحقوق بواسطة البلوكشين.
أما الثانية فهي على شكل رقمي بلا استثناء. مثلاً البيتكوين هو ليس نفس الشيء كالدولار المتوكنن. البيتكوين هو عملة مشفرة مستقلة، وهو بالذات الذي جعل طرق العمل الموجودة مع الأصول الواقعية عتيقة.
الاستنتاج
كما هو ظاهر تكتسب الأصول الرقمية مميزات معينة طبقاً للسياق. حتى الآن نقوم بتشبيها بالأصول التي نعرفها ونفهمها بشكل جيد: "البيتكوين هو ذهب جديد"، "الاثريوم دولار جديد" ومع ذلك إمكانياتها أكبر بكثير.
سينتقل المجتمع تدريجياً من الشكل الورقي إلى الرقمي. تظهر الآن بنية تحتية شاملة وشبكة غير المحتاجة إلى الثقة حيث كل الأصول "ستعاشر" بعضها البعض، و سيتمكن الناس من استخدامها الحر حسب حاجاتهم.
في نهاية المطاف سنتوقف عن إدراك الأصل الذي نستخدمه، مثلما لا نعرف على أي محضر يعمل الموقع الذي نفتحه. هل تتصور ما هي الإمكانيات التي يعدها كل هذا؟
من حظنا أننا نعيش في بداية هذا العصر.