ما هو الناتج المحلي الإجمالي بالتحديد؟
الصفحة الرئيسية اقتصاد

لا شك في أن أي نظام دون أدوات قياس التكاليف المخفية يعتبر نظاما يقوم ليس على مبادئ خاطئة فحسب ، بل مدمرة بالفعل، وهذا لسسبب بسيط جدا هو أنه لا يمكنه أن يحدد أولويات في التكاليف واستفادة فعّالة منها.

يقال أن الناتج المحلي الإجمالي هو من الأدوات المناسبة التي تُستعمل اليوم من أجل قياس النمو الاقتصادي، ولكن هذا المؤشر الاقتصادي لا يأخذ بعين الاعتبار كل التكاليف الممكنة وخصوصا حجم الرأسمال والعمالة والموارد التي تم إنفاقها في سبيل تحقيق هدف واحد لا معنى له - واسمه النمو.

على سبيل المثال هناك حوالي 50 مليون سيارة وشاحنة تقف خلال ساعات طويلة في عجقات السير ولا تتحرك بينما تحرق ملايين اللترات من الوقود. هذا تسمونه نموا؟!! كل هذا الوقود الذي يحرق في محركات السيارات بشكل غير مباشر يزداد من خلاله الناتج المحلي الإجمالي. أما كل مَن يعمل من منزله يقلص النمو لأنه لا يذهب بسيارته إلى مكان ما ولا يحرق الوقود حيث يقف في الاختناقات المرورية.

ومن المدهش جدا أن إصلاح طرق لا يستعملها أحد هو عبارة عن نمو أيضا! لننسى الأموال التي يمكن استثمارها وإنفاقها من أجل إصلاح الطرق السريعة التي يستعملها الملايين والبنية التحتية لهذه الطرق ومستخدميها لأنه في الظروف الحالية - وللأسف الشديد - يعتبر بناء الطرق والجسور إلى جهة لا يهتم بها احد ولا يطلبها أحد – مشجعا للنمو أيضا.

لا يأخذ الناتج المحلي الإجمالي بالاعتبار آلة لقياس حجم الاستثمارات غير الفعالة والتكاليف المخفية للرأسمال والعمالة والموارد التي تُنفق على مشاريع بعودة ضئيلة أو حتى سلبية.

نرى أن الإنسان يفضّل شراء ثلاجة جديدة بدلا من شراء قطعة الغيار الضرورية للثلاجة وقدرها لا يتجاوز 300 روبل، وهذا أيضا عبارة نمو! لا يقوم مؤشر الناتج المحلي الإجمالي على آلة قياس الجدوى المالية والاستفادة من الطرق والسيارات والمباني وغيرها ومن كل ما ينبغي استبداله - بالعكس نحن دائما مستعدون لشراء جهاز جديد وهذا يُشَجَّعُ أكثر لأن هذا يشجع نمو الناتج المحلي الإجمالي.

ونرى أيضا أن استبدال أدوات و أجهزة فاعلة في المنزل وحتى في المطبخ من أجل شيء أجدد وأفضل – كل هذا التغيير يؤدي فقط إلى ازدياد الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يمكن ان يقاس به انخفاض جودة الأجهزة الجديدة أو لا يمكن من خلاله تحديد جهاز أكثر فائدة وجدوى وجودة. المهم هنا الاستهلاك المتزايد من أجل النمو بلا الحدود والهدف .

كل شيء حولنا يهدف إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي: حتى تكنولوجبا التسويق والترويج المتنوعة للسلع تهدف إلى خداع المستهلكين، وهذا يؤدي بدوره إلى النمو. الأرباح الضخمة للبنوك الاستثمارية والرواتب العالية جدا للإداريين الإقتصاديين – كل هذه العناصر باعتبارها قطع من الفسيفساء الاقتصادي العالمي تسهم مساهمة كبيرة إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي.

وحتى إنشاء هيئة فيدرالية خاصة لمراقبة عمل الإداريين الاقتصاديين والإشراف عليهم – هذا أيضا من طرق تشجيع النمو. إن إنفاق أموال دافعي الضرائب على خدمات النظام البيروقراطي أيضا يزيد الناتج المحلي الإجمالي ويشجع ارتفاعه بسرعة أكبر. بجب أن ننسى أن هذا العمل دون فائدة.

ليس في مؤشر الناتج المحلي الإجمالي آلة لقياس القيمة الحقيقية للبدائل التي يمكن أن تُستخدم بأقل التكاليف من الرأسمال والعمالة والموارد للوصول إلى نفس النتائج والانجازات.

يضع الإنسان ملابسه في سلة النفايات بعد ما استخدم هذه الملابس مرة أو مرتين فقط – ليتابع آخر صرعات الموضة – هذا أيضا من أجل النمو ولا غيره! إن الناتج المحلي الإجمالي لا يأخذ بالاعتبار حجم فائدة قد نحصل عليها من الوقود التي ننفقها من أجل إرسال مجموعة جديدة من الملابس عبر المحيط الهادئ وتوصيلها إلى المستهلك أو المخزن. إذا أنفق المستهلك مبلغا ما لشراء ملابس جديدة فهذا يزيد الناتج المحلي الإجمالي نموا، وهذا ما نقيّمه ونهتمّ به دائما، للأسف، دون فهمنا لحقيقة هذا الأمر ودون أن نفكر أننا يمكننا أن نستفيد أيضا من طاقة الموارد الطبيعية غير المتجددة حيث ننفقها من أجل أن نحقق ما نريده ولا أكثر من ذلك.

المهم هنا أن الناتج المحلي الإجمالي يقوم دائما على الاستهلاك الأكثر والإنفاق المتزايد وتلبية احتياجات الطلب الكلي من أجل النمو كهدفه الوحيد.العالم يتطوّر اليوم بنجاح وفقا وطبقا لمبادئ نظرية التطوير الاقتصادي للاقتصادي الكبير كيينسي حيث تنفق الدولة مبالغ كبيرة من أجل حفر حفرة مثلا ومن ثم ردمها،وهذه هي استراتيجية ناجحة للنمو وتوليد النمو الاقتصادي والأهم من كل ذلك – ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، كما يعتقد الكثيرون.

لا يشمل مثل هذا الفهم الخاطئ فهم كيفية هذا العالم بشكل عام ولا يأخذ بالاعتبار واقع التقليل من مقدار الموارد الطبيعية غير المتجددة وإمكانية استفادة أكثر فعالية للفائدة من الرأسمال والعمالة والموارد التي يتم إتفاقها من أجل ذلك.

و من هنا من جديد نرجع إلى فهم خطر عدم الحسبان لمحدودية آفاق مثل هذه المبادئ الاقتصادية التي يقوم عليها الناتج المحلي الإجمالي واستراتيجية النمو الاقتصادي عموما دون الأخذ باعتباركل التكاليف المخفية وفهم صحيح لطرق استخدام فعالة وناجحة للرأسمال والعمالة والموارد وغيرها.هذه هي طريقة خاطئة لا تؤدي إلى الازدهار ويمكنها تدمير أسسها بنفسها.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق