نعوم تشومسكي: من داعش إلى غزة إلى أوكرانيا
الصفحة الرئيسية اقتصاد

معهد بليموث لأبحاث السلام ‎(PIPR)‎ أجرى مقابلة حول موضوع الصراعات في العالم مع نعوم تشومسكي - الصحافي السياسي وعالم اللغة والفيلسوف المشهور الذي يُعرف بمواقفه الراديكالية اليسارية في وجهات النظر السياسية.

PIPR: يصادف هذا العام مائة سنة منذ بداية الحرب العالمية الأولى. ما رأيك في هذا الحدث؟

نعوم تشومسكي : هناك نقاش ساخن حول موضوع مسؤولية إثارة الصراع الرهيب ولكن المعارضين يتفقون على شيء واحد: كان هناك مجموعة معقدة من الحالات العشوائية وغير المتوقعة؛ كان يمكن للحلول أن تكون مختلفة وكان يمكن منع الكارثة. هناك العديد من أوجه الشبه مع الأزمة النووية.

دراسة تاريخ الصراعات بإستخدام الأسلحة النووية تسمح لنا أن نفهم مدى قرب وتواتروقوف العالم على شفا التدمير الذاتي. لم يحصل ذلك حتى الآن بسبب معجزة ما ولكن المعجزات لا تحدث كل يوم. في عام 1955 وقّعت مجموعة من العلماء على البيان المناهض للحرب ودعوه بيان راسل - آينشتاين، الذي إبتدأ بالتحذير:

«القضية قاسية ورهيبة و لا مفر منها: هل يجب علينا تدمير الجنس البشري أم ستتخلى البشرية عن فكرة الحرب؟».

ملاحظة أخرى مخيفة بنفس المستوى هي الإستعداد التام لخوض الحرب من جهة جانبي الصراع. الإنتقال الآني للمثقفين(مع إستثناءات نادرة) الذين عوقب الكثير منهم على التعقل والمثابرة إلى تبرير الأعمال التي تقوم بها سلطات بلادهم يثير القلق بشكل خاص.

PIPR: الأحداث التذكارية بدأت بالتزامن مع عملية " الجرف الصامد ". أليس هناك مفارقة مأساوية في حقيقة أن في النصب التذكارية للحرب العالمية الأولى تتواجد في غزة؟ ما هي الأسباب الحقيقية للهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة؟

تشومسكي: من المهم أن ندرك أنه منذ ما يقرب من عشر سنوات تكون نظام معين الذي لا يزال ساري المفعول. يتم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار ثم توضّح إسرائيل أنها لن تتبع شروطه وتواصل الهجوم على غزة (وبشكل غير قانوني تستولي على ما تريد في الأراضي المحتلة). في الوقت نفسه، حماس (حركة المقاومة الإسلامية - ملاحظة المحرر) تتبع شروط الهدنة كما تعترف إسرائيل ثم تقوم إسرائيل بنوع من التصعيد فتتلقى إستجابة من حركة حماس والتي تعطي إسرائيل إمكانية بدء حلقة أخرى من «قص العشب» (كما يسمي الإسرائيليون هذه الأحداث بأناقة). لقد درست المحفوظات و يتبين أن هذا الترتيب في الإجراءات يتكررعبر الأحداث التاريخية بشكل واضح وعجيب. وينطبق الشيء نفسه على عملية «الجرف الصامد». في نوفمبر عام 2011، تم عقد عدد من الإتفاقات لوقف إطلاق النار. اسرائيل، كالمعتاد، تجاهلتهم في حين أن حماس واصلت بالإلتزام بهم. في أبريل 2014 في مقرهم في غزة حماس وفتح (حركة التحرير الوطني الفلسطيني - ملاحظة المحرر) أنشؤوا حكومة موحدة، التي قبلت على الفور جميع متطلبات الوسطاء الأربعة (الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا) و لم تدخل أعضاء القيادة أي عضو من أعضاء حماس أو فتح.

أثار ذلك غضب إسرائيل فبدأت العملية الوحشية على الضفة الغربية لنهر الأردن مع غزوغزة التي كانت موجهة بشكل أساسي ضد حركة حماس. كالعادة، كانت إسرائيل تمتلك حجة للعملية ولكن عند دراتسها بتمعن يتبين أنها كانت مخترعة. ونتيجة لذلك فإن عمليات القتل في قطاع غزة أثارت رد فعل حماس ومن ثم بدأت عملية «الجرف الصامد».

أسباب غضب إسرائيل مفهومة تماماً. تحاول إسرائيل لمدة 20 عاماً بفصل غزة عن الضفة الغربية و تتلقى الدعم الكامل من الولايات المتحدة و تقوم بالإنتهاك المطلق لإتفاقيات أوسلو التي تصرح أن هذين المنطقتين هما جزء واحد وغير قابل للتجزئة. عند النظر على الخريطة ستفهم أسباب هذا الإجراء. غزة هي المخرج الوحيد لفلسطينيين إلى العالم الخارجي وعند فقدان هذا المخرج ستكون أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية محاصرة تماماً.

PIPR: حكومات إسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالطبع، فرحةٌ جداً إثر ظهور داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام - ملاحظة المحرر): إنه يخلق «خطراً» جديداً الذي سوف يؤهلهم إلى إيجاد ذرائع إضافية للحرب والقمع الداخلي. ما هي أفكارك حول داعش والقصف الأخير للعراق؟

تشومسكي: المعلومات محدودة بحيث تستند إستنتاجاتنا فقط على المعلومات المجزأة. أرى ذلك كالتالي: داعش هي الوحش الحقيقي، أحد العواقب العديدة و الوخيمة لسياسة الولايات المتحدة العدوانية، ومن بين الجرائم الأخرى يحرض الصراع الديني الذي الآن قد دمرالعراق تماماً وقطّع المنطقة إلى قطع صغيرة.

هزيمة الجيش العراقي الشبه فورية كانت صدمة حقيقية. كان هذا الجيش يضم 350 آلف جندي مزود بالأسلحة الثقيلة و مدرب لأكثر من عشر سنوات من قبل الولايات المتحدة. شن الجيش العراقي حرب طويلة ومريرة مع إيران في ثمانيات القرن الماضي. بمجرد مواجهتهم بضعة آلاف من المتمردين المسلحين بأسلحةٍ طفيفة فر الضباط أما الجنود الذين إنخفضت معنوياتهم إما هربوا معهم وإما إرتدوا عن الجيش أو أُعدموا. الآن داعش تسيطر تقريباً على كامل أراضي محافظة الأنبارالتي تقع بالقرب الشديد من بغداد. و بما أن الجيش العراقي قد إختفى تقريباً بأكمله تجري القتال في العراق الميليشيات الشيعية التي تقع تحت سيطرة رجال الدين الذين يرتكبون جرائم ضد السنة بفظاعة مماثلة لجرائم داعش. بحصولهم على الدعم الحاسم من الجناح العسكري لأكراد تركيا (حزب العمال الكردستاني) تمكن أكراد العراق بإحتواء هجمة داعش. على ما يبدو، حزب العمال الكردستاني هو أيضاً القوة الأكثر أهمية التي أنقذت اليزيديين من الإبادة الكاملة وإستطاعت ردع هجمات داعش في سوريا، بما في ذلك الدفاع عن مدينة كوباني الإستراتيجية.

وفي الوقت نفسه، تكثف تركيا هجماتها على حزب العمال الكردستاني إن لم يكن بدعم فبإذعان صامت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

يتضح أن تركيا تفرح عندما ترى أعدائها - داعش والأكراد - يقتلون بعضهم البعض على بعد بضعة كيلومترات من حدود تركيا و هذا الأمر قد يؤدي إلى عواقب وخيمة إذا فشل الأكراد بردع هجومات داعش.

خصم داعش الرئيسي الآخر، إيران، إستُبعدت من قبل الولايات المتحدة من «التحالف» المنشئ لأسباب سياسية وعقائدية، وكذلك، بالطبع، إستُبعد حليفه الرئيس السوري بشار الأسد. ويشمل التحالف بقيادة الولايات المتحدة العديد من الأنظمة النفطية العربية الدكتاتورية التي تدعم الجماعات الجهادية المتنافسة. و أكبرهم المملكة العربية السعودية التي كانت المصدر الرئيسي لأموال داعش لفترة طويلة كما كانت تقوم أيضاً بالدعم الأيديولوجي، و كل هذا مهم بما فيه الكفاية. داعش هو فرع من السلفية والوهابية المتطرفة لمذاهب المملكة العربية السعودية، والتي في حد ذاتها هي نسخة متطرفة من الإسلام وتقوم بوظيفة تبشيرية بإستخدام إحتياطيات هائلة من النفط السعودي لنشر التعاليم في كثير من بلدان العالم الإسلامي. الولايات المتحدة ،و بريطانيا مسبقاً، تميلان إلى دعم الإسلام الأصولي المتطرف ضد المعارضة القومية العلمانية، والمملكة العربية السعودية هي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة منذ توطيد دكتاتورية الأسرة وإكتشاف إحتياطيات نفطية ضخمة.

الصحفي الأكثر بلاغة وخبرة في شؤون المنطقة في الوقت الراهن هو باتريك كوكبرن الذي يصف إستراتيجية الولايات المتحدة في شكلها الحالي بتصميمٍ من «أليس في بلاد العجائب» الموجه ضد داعش وضد أعدائها الأساسيين وفي نفس الوقت تستخدم الحلفاء العرب المشكوك بهم والدعم الأوروبي المقتصر. وبديل هذه الإستراتيجية يمكن أن يكون التقيد الصارم للقانون المحلي والدولي: المناقشة في مجلس الأمن الدولي والتصرف وفقاً لقراراته وكذلك البحث عن سبل سياسية ودبلوماسية للخروج من المستنقع أو على الأقل التخلص من أهواله. ولكن هذا شيء إستثنائي في الثقافة السياسية للولايات المتحدة.

PIPR: مع توسع العمليات العسكرية في العراق يستمر حلف شمال الأطلسي بزعزعة الوضع في أوكرانيا. ما رأيك في الصراع الغير المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، وإمكانية تحوله إلى حرب نووية؟

تشومسكي: هذا وضع خطير للغاية يتطور بإستمرار منذ إنتهاك واشنطن الاتفاقات الشفوية مع غورباتشوف وبداية توسع الناتو إلى الشرق مباشرة تجاه حدود روسيا مع التهديد بإنضمام أوكرانيا إلى التحالف وهي دولة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة لروسيا، وبطبيعة الحال، ترتبط ارتباطاً وثيقا معها في الناحية الثقافية والتاريخية. في المجلة الحكومية الرائدة يقدم المحلل المختص في الشؤون الخارجية جون ميرشايمر تحليلاً معقولاً للوضع بعنوان «لماذا الغرب هو المذنب في الأزمة الأوكرانية». الحكم المطلق الروسي بعيد عن البراءة ، ولكننا الآن سنعود إلى التصريحات التي أدلينا بها في وقت سابق: في الماضي كنا على خطر وشيك من حصول كارثةٍ عالمية والآن نلعب بالنار مرة أخرى. والأمرلايتعلق بعدم وجود حلول سلمية محتملة.

الفكرة الآخيرة عن السحابة السوداء المهددة والمعلقة فوق كل هذه الأسئلة: نحن كما في أسطورة القوارض (ويتحدث المؤلف عن الفكرة الخاطئة مفادها أن القوارض يقومون بالإنتحار الجماعي كل بضع سنوات عن طريق رمي أنفسهم من الهاوية - ملاحظة المحرر) نقترب بصرامة إلى أزمة بيئية ستتفوق على جميع همومنا في المستقبل القريب.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق