الحرب والسلم والناتج المحلي الإجمالي
الصفحة الرئيسية اقتصاد

لماذا يجب علينا أن نهتم بالناتج المحلي الإجمالي؟ على أية حال الناتج المحلي الإجمالي في الهند أكبر بعدة مرات مما هو عليه في هولندا ولكن مستوى المعاش الهولندي أحسن بعدة مرات من الهندي. أليس من الأفضل أن ننظر في الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد أو في مؤشر أخر أكثر دقة كمتوسط الدخل للفرد الواحد؟

وهذه ليست مجرد مسألة أكاديمية ولكنها هامة للسياسة الإقتصادية. إن إنخفاض عدد سكان اليابان لن يشكل كارثة للناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في الدولة بل سيخفّض قيمته الكلية. هل يجب على اليابان أن تزيد عدد سكانها من خلال زيادة معدل المواليد وجذب المهاجرين؟ وإذا افترضنا أن مستوى المعاش هو المهمّ فقط فيمكن أن هذه المشكلة ليست خطيرة.

ولكن يوجد سر صغير يتم تجاهله غالبا.

إن الناتج المحلي الإجمالي لا يؤثر على مستوى المعاش في البلد ولكنه مهم جداً بنسبة للقوة العسكرية.

يمكن أن تكون هولندا أغنى من الهند كثيراً ولكن لن يشك معظم الناس في نتائج الحرب الشاملة بين البلدين. إن الناتج المحلي الإجمالي هو مؤشر مركب من عدة عوامل وهي عدد سكان ومستوى التطور التكنولوجي وحجم الإحتياطات المالية وكلها مهمة جداً للإنتصار في الحروب.

يعتقد الكثير من العلماء أن حجم الناتج المحلي الإجمالي كان سبباً لإنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. قال الخبير الاقتصادي في جامعة "وريك" مارك خاريسون في كتابه "إقتصاد الحرب العالمية الثانية: ست قوى عظمى في المقارنات الدولية" ‎(The Economics of World War II: Six Great Powers in International Comparison)‎ إن بعد ما إتخذ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة جانب الحلفاء في الحرب أصبحت فرصة إنتصار كتلة هتلر مستحيلة. إن الفرق في القوة الإقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية مبين في هذا الرسم بشكل واضح:

خلال الحرب العالمية الثانية لم يحارب الحلفاء أحسن من منافسهم ولكنهم كانوا يتفوقون عليهم من حيث حجم الإنتاج الإجمالي. وهذا ما كان خلال الحرب الأهلية في أمريكا حيث تغلبت القوة الإنتاجية وعدد سكان المناطق الشمالية على قوات الاتحاد الكنفدراليعلى الرغم من جاهزيتهم الأفضل.

وبطبيعة الحال فإن القارئ المتشكك سوف يشير إلى أنه توجد الكثير من الأمثلة عندما يتغلب البلد الصغير والفقير على القوة العظيمة كما حدث في حرب فيتنام. ولكن في مثل هذه الأحوال يختلف معنى الإنتصار مما كان عليه في عصر الحرب العالمية الثانية لأن لم تتح لجنود شمال فيتنام فرصة الإستيلاء على واشنطن. في الحقيقةقدرة أمريكا على إبادة شعب فيتنام بسهولة إن رغبت كان أحد أسباب المظاهرات المناهضة للحرب.

لحسن الحظ في وقتنا الراهن لا تحارب القوات العظمى كثيراً كما كانت في الماضي ونأمل في إستمرار هذا العصر السلمي ولكن هذا لا يدل أن القوة العسكرية فقدت أهميتها. لا تزال القوى العظمى قادرة على الضغط على الدول الصغيرة. قال وزير الخارجية الصيني فان إي لزميله من سنغافورة خلال النزاع الإقليمي بين البلدين عام 2010:

“إن الصين هي بلد كبيرة أما سائر البلدان الباقية صغيرة وهذه هي الحقيقة".

في عام 2012 إستولت الصين على الأراضي الضحلة المتنازع عليها والتي كانت تنتمي إلى الفلبين وهذا هو دليل آخر على أن الحجم مهم حتى في زمن السلم.

وهذا هو سبب قلق اليابان من عدد سكانها. يقول جيريمي بيندر من صحيفة Business Insider:

“إنّ اليابان هي قاطرة التقدم الثقافي والإقتصادي لكن قدرتها لتأمين المقاومة العسكرية أثناء نهضة الصين يمكن ألا تسفر عن شيء لأنها تواجه قضية خطيرة وهي الإنهيار الديموغرافي. يقل عدد الشباب اليابانيين الذين ينضمون إلى الجيش وهذا يؤدي إلى تقلص عدد القوات المسلحة فيما تصبح الصين أكثر قوة".

لأول مرة خلال عدة قرون لا ينضم البلد ذو الإقتصاد الأضخم في العالم إلى الدول الليبرالية وينبغي أن نأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار وبشكل جاد.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق