خوف التغيير
الصفحة الرئيسية اقتصاد

ألّف وزير المالية السابق للسلفادور مانويل خايندز كتاباً عنوانه "فوز المجتمع المرن. ثورة الإتصالات ومقاومة التغيرات" («The Triumph of the Flexible Society: The Connectivity Revolution and Resistance to Change»). وفيما يلي مقطع من هذا الكتاب.

أصبحت بداية القرن الحادي والعشرين مقلقة . التوقعات لم تتحقق. كان العالم يشعر بالتفاؤل المبرر من عدة سنوات فقط. فمن المفترض أن يكون القرن الجديد من دون خلافات إيديولوجية كما كان القرن العشرين. إتفقت الشعوبعلى حرية الأسواق وأن الديمقراطية هي أساس صحة المجتمع وإختفت إحتمالات نشوب الحرب بين القوى العظمى في الأيام الماضية. كان "الإقتصاد الجديد" الناشئ والعولمة محركان لتوحيد البلدان في قرية عالمية سعيدة. قامت الدول في كل العالم بتحرير إقتصاداتها وإنضمت إلى صفوف الديمقراطية.

ولكن بعد ما جاء القرن الجديد لا تزال الحقائق المزعجة تظهر على هذه الصورة المشرقة والكثير من المشاكل التي توقعناها أن تبقى في الماضي تزعجنا من جديد. الاتجاهات السلبية في توزيع الأرباح والثروة والأزمات المالية والإرهاب والدول الإرهابية التي تحاول أن تظهر في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا والرفض الواضح لمبادئ الديمقراطية في الكثير من البلدان تشكّل إنطباعا مشتركا بأن حياتنا أصبحت فوضوية و النظام السياسي الذي إستقرّ في القرن العشرين يسقط ويبقى العالم وجهاً لوجه مع الجماعات الإسلامية المتعصبة والدول المارقة والقوى العظمى الاستبدادية والظلم في أمريكا اللاتينية . يبدو أن أحداث الماضي تعود إلينا من جديد.

ماذا يحدث؟ ما هي القواسم المشتركة مع بداية القرن الماضي؟ ما الذي يعيد لنا الكثير من المشاكل التي إعتقدنا أنها قد حلت.

عدم الإستقرار

مثل ما كان قبل مئة عام البشرية تجتاز مرحلة تكنولوجية من الثورة التي ستغير العالم كالثورة الصناعية.

تخلق طفوات تكنولوجية قوية فرص بناية المستقبل الأحسن على المدى الطويل ولكنها تؤدي إلى أعطال رهيبة خلال فترات قصيرة. إنها تسبب تخفيض قيمة رأس المال المتراكم في الأصول المادية ومعرفة الإنسان ومهاراته والأهمّ من ذلك أنها تدمّر المؤسسات التي تجمع مختلف الطبقات الإجتماعية. فالناس الذين كانوا واثقين من مستقبلهم يدركون أن مهاراتهم قد أصبحت قديمة بسبب ظهور تكنولوجيات جديدة ونمط حياة جديد. تصبح الأنشطة التي كانت أساس الإقتصاد خلال عشرات الأعوام غير مربحة فوراً لأنها لم تعد مطلوبة أو تحتاج إلى الإنتقال إلى مكان آخر لضمان ربحيتها.

هذا يؤدي إلى الإضطرابات الإقتصادية والإجتماعية المختلفة ومنها البطالة و توزيع الأرباح الخاطئ والإفلاس والأزمات المالية المتكررة والإكتئاب.

تصبح الحياة غير مستقرة والمستقبل غير متوقع تماماً.

هذا ما حدث قبل مئة عام بسبب المرحلة الأخيرة للثورة الصناعية عنما ظهرت الكهرباء والهاتف ومحرك الاحتراق الداخلي والسيارة والطائرة.

وهذا ما يحدث في وقتنا الحاضر تحت تأثير الثورة الجديدة التي بدأت من ظهور وسائل الإتصال الحديثة وطرق حل المهام الصعبة جداً عن بعد مباشرة وكل ما أُنجز بفضل الحاسبات والإتصالات ووسائل النقل السريعة. كما زادت الثورة الصناعية قوة الإنسان البدنية بالشكل نفسه فزادت القوة العقلية وهذا ينبغي أن يغير نمط الحياة تماماً.

إنّ الإنتقال إلى عالم جديد متماسك على المدى القصير يؤدي إلى أعطال وربما فقدان المهارات والإستثمارات ونمط الحياة السابق والمؤسسات الرئيسية التي تؤمّن النظام الإجتماعي، وبشكل عام كل ما خلقناه حتى الآن.

توزيع الأرباح

Twin Design/Shutterstock.com

تسبّبت الثورات التكنولوجية بطرق خاطئة في توزيع الأرباح لأن الأرباح تتجه نحو من بدأ بإستخدام إيجابيات التكنولوجيات الجديدة أولا. يصبح هذا التأثير أوضح في حالة الثورة الجارية الآن. من أجل زيادة القوة العقلية يفضل الناس التعليم وبالنتيجة زاد الفرق في أرباح الناس ذوي التعليم المختلف. أشار المسح السكاني الذي أجراه المكتب الإحصائي للولايات المتحدة إلى أن متوسط دخل موظف مع الشهادة الجامعية أكبر ب72% من دخل موظف متخرج من المدرسة الثانوية. كان حجم الفرق يبلغ 43% في السبعينات والآن دخل الناس ذوي درجة علمية أكبر ب 213% . كانت هذه القيمة تصل إلى 72% في السبعينات وكل هذه القيم تقريبية فقط. توجد فرص كسب مبالغ مذهلة في الأسواق الضخمة المعاصرة وتتاح هذه الفرصة لكل من يعرف كيف يستفيد منها.

لاحظت في مقالتي التي نشرت مؤخراً أن شركة Facebook إشترت شبكة Instagram بواحد مليار دولار. كانت تتألف الشركة التي بدأت نشاطها عام 2010 من 13 موظفا فقط. وبالتالي وزّعت 76 مليون دولار لكل منهم. وبعد ذلك في شهر فبراير من العام الجاري إشترت Facebook شركة Whatsapp ب345 مليون دولار لكل موظف.

إنّ Facebook هي شركة مشترية تأسست عام 2004 وتبلغ قيمتها السوقية 22 مليون دولار لكل موظف. وتساوي هذه القيمة في شركة Apple 14 مليون دولار و 10 ملايين دولار في شركة Google. يمكن مقارنتهم مع شركة Chiquita المتخصصة في بيع الموز وتم تأسيسها عام 1870 وا تقيّم ب50 ألف دولار لكل موظف. لاحظت في نفس المقالة أن القيمة السوقية للشركات المؤسسة على المعرفة أكثر من قيمة أصولها المادية.

نستطيع أن نأمل في إرتفاع جودة التعليم في نهاية المطاف بسبب تأثيره الإيجابي على ظروف الإقتصاد الجديد وتحسين توزيع الأرباح والثروة. ومع ذلك إنه سوف يستغرق سنوات عديدة. في نفس الوقت يعمل السياسيون بجد ليبحثوا عن طرق تخفيف ورطة المتخلفين.

الأزمات المالية

أشار راغورام راجان مدير البنك الإحتياطي الهندي في كتابه "خطوط الصدع والخصاص المخفية التي لا تزال تهدد الإقتصاد العالمي" إلى أن إختلال الإستقرار المالي عام 2008 مرتبط بتفاقم المشاكل في توزيع الأرباح.

قام السياسيون ببحث عن حل لقضية توزيع الأرباح والثروة في التسعينات "وكانوا يحاولون إبتكار دواء لجميع الأمراض عن طريق زيادة وفرة الائتمانات للمتخلفين عن التقدم التكنولوجي". ولم يستطع الفقراء تحسين أحوالهم المالية بفضل أرباح أكبر كان من الممكن خلق وهما لهم من خلال إغراقهم في الديون.

من أجل حد هذه السياسة قام السياسيون بتقليل المتطلبات التي كانت تحافظ على إستقرار النظام المالي ومن بداية التسعينات جرى سيل من القروض للمتخلفين (ذوي التاريخ الائتماني السيء أو العاطلين عن العمل بدون الربح أو الأصول) خاصة للإسكان.

لا تستطيع الإئتمانات أن تحلّ محلّ الأرباح المرتفعة ولم يستطع الناس سداد الإئتمانات وأصبحت أزمة 2008 نتيجة لسيل الإئتمانات.

الفيروس من اليابان

لم تشهد اليابان نمواً ملحوظاً قبل أزمتها الإقتصادية التي وقعت منذ أكثر من 20 سنة. لا ينمي الإقتصاد على الرغم من أن الحكومة والبنك المركزي يطبعان نقوداً لتمويل العجز المالي بكميات يمكن من خلالها نسج شراعاً ضخماً. ويحدث ذلك عندما يتم الإستيلاء على البترياق الطبيعي الذي تتناوله السوق في الحالات الصعبة ومنها إفلاس الشركات الغير مربحة التي لا تستطيع التنمية. وإنّ السيلان الغير محدد بالبنك المركزي يساعد الشركات الغير فعالة في حالة العجز عن العمل بشكل طبيعي. لا يستطيع العالم الجديد أن يحل محل العالم القديم ويستمر نمو الإقتصاد.

إنتشر الفيروس الياباني في بقية العالم خلال العقد الأول من القرن الجديد. غمرت البنوك المركزية في كل العالم إقتصادات بلدانها بسيولة غير محدودة اوالتي تدعم الحياة في الحكومات والشركات الميتة من الناحية المالية. وفي الحقيقة في نفس الوقت يعيش الإقتصاد ركودا تاما. سوف نلاحظ نتائج سلبية لطبع النقود هذا بكميات ضخمة وهي عدم الإستقرارعلى المدى المتوسط.

الأصولية والإرهاب

إن الأصولية هي عبارة عن المقاومة بشكل متطرف ضد التغيرات والنداء لعودة المجتمع إلى العادات والتقاليد ونمط حياة كان منتشراً في الماضي المثالي حيث لم تحدث التغيرات وإستطاع الناس أن يخططوا حياتهم في إطار هيكل المجتمع التقليدي.

تظهر الأصولية في ظل أية تطورات جوهرية وإكتسبت قوةً خلال مراحل فساد المجتمع الأخيرة حيث أن الناس متأكدون بأنهم يغرقون في الفوضى ويهربون من الواقع إلى الماضي ويعتقدون أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً مع المجتمع الحالي عدا القضاء على القوى التي تؤدي إلى فساده. في الأيام الماضية كانت هذه القوى هي الرأسمالية والديمقراطية وإنها في الوقت الحاضر تقاليد ونمط حياة غربي يصل إلى الشرق الأوسط عبر قنوات الإتصال الحديثة.

وليس من المصادفة أن تقوم دول هذه المنطقة بمنع جميع أنواع الإتصالات مع الغرب بما في ذلك الأفلام والتلفزيون والإذاعة وإنها ترغب بإستعادة نوع الدولة التي إختفت في الماضي وهي الخلافة الإسلامية التي تعتزم المراقبة والسيطرة على كل شيء في العالم وفرض القيود الدينية على جميع أطراف الحياة. إنّ التغيرات هي عدو الأصوليين الرئيسي.

خيبة الأمل بالرأسمالية الديمقراطية

kojoku/Shutterstock.com

مع زيادة المشاكل الخاصة بالتكيف مع العالم الجديد تنتشر خيبة الأمل بالرأسمالية الديمقراطية في كل العالم وتنسب المشاكل الناجمة عن فوضى عصر التغيرات إلى "النظام".

إن الكثير من البلدان التي كانت في الماضي أعضاء "المعسكر الاشتراكي" (بما في ذلك الصين وروسيا) و التي توقع العالم منها إنتقالاً إلى الديمقراطية والتحرير الاقتصادي تصف نظمها غير الديمقراطية بأنها أكثر فعالية من الديمقراطية ويوافق هذا الرأي الكثير من الناس. مثلاً بعض الدول في أمريكا اللاتينية التي يبدو أنها أصبحت الديمقراطية عادت إلى النظم الشعبية القديمة.

تطرح نداءات مستمرة لتشديد مراقبة الحكومة على الإقتصاد لمنع التغيرات ومنها: وقف العولمة! أو وقف إنتقال الإنتاج إلى الخارج!َ أو وقف الإفلاس! أو وقف المنافسين الأجانب! أو هيا نوقف كل ما يسبب عدم إرتياحنا! يجب على الحكومة أن تكون أكثر إستبدادية على حساب الديمقراطية.

ماذا يمكن أن نفعل؟

يوجد تناقض غريب بين رؤية الثورة الإيجابية بشكل عام والموقف السلبي حول عواقبها. يقبل الكثيرون التكنولوجية الجديدة لحماس كبير ولكنهم لا يقبلون التغيرات الناجمة عنها. يتحول السياسيون الحاليون تديجياً نحو مقاومة التغيرات كطريق لحل القضايا الرئيسية. ويطلب الناس من حكوماتهم القوية أن تقضي على كل هذه التغيرات.

ولكن محاولات الحفاظ على هيكل المجتمع الحالي بدون تحولات هي الطريق المستقيم إلى الركود والعدوان أو كليهما. إن الدول التي كانت حكوماتها تتدخل في الإقتصاد ومنها روسيا وألمانيا في القرن الماضي عانت من التغيرات أكثر ووقعت تحت تأثير النظم المدمرة في نهاية المطاف. في سبيل البحث عن الإستقرار بوسيلة النظام الإستبدادي باعت هذه الدول أرواحها إلى الشيطان ولم تحصل على الإستقرار كما كان في العصور القديمة المثالية وعادت إلى نظام العبودية وسلوكها العدواني.

كل من يؤيد إجراءات منع التغيرات يقول كلاماً صحيحاً إن المجتمع في حاجة إلى عنصر الثبات لمنع إنتشار الفوضى. ولكن هذا العنصر الذي يحتاج إليه كل المجتمع يجب أن يكون مركبا من حماية الحقوق الإنسان وليس حماية الوضع الإقتصادي الحالي أو السياسي أو أي قطاع أخر.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق