الإقتصاد حسب الشريعة الإسلامية
الصفحة الرئيسية اقتصاد

بعد قهوة الصباح، ولكن قبل المتحدث الرئيسي، جاء صوت القارئ يتلو من القرآن: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ». إلا أن حضور المنتدى العالمي للتمويل الإسلامي لم يكونوا يحتاجون إلى تذكير بأن المسلمين يفترض ألاّ يتقاضوا فائدة؛ فقطاع التمويل الذي ينطلق من هذا الافتراض يزدهر في الحاضر. حسب تقديرات شركة Ernst & Young للاستشارات والمحاسبة، فإن أصول البنوك الإسلامية قد نمت بمعدل سنوي قدره 17.6٪ بين السنتين 2009 و2013، وستنمو بمتوسط 19.7٪ سنوياً حتى سنة 2018. يسمي Khalid Howladar من مؤسسة Moody's، وهي وكالة تصنيف، يسميها «سنة تاريخية» للتمويل الإسلامي وهو ينتقل من «صنف الأصول المحدود إلى صنف أكثر... عالميّةً».

أغلب مسلمي العالم ليسوا متدينين لدرجة تجعلهم يرفضون التمويل التقليدي تماما: فحتى في المملكة العربية السعودية تشكل أصول البنوك الإسلامية حوالي نصف إجمالي أصول البنوك. ويشرح السيد Howladar أن مالكي الحسابات المسلمون يهتمون بالمنتجات والخدمات التي تقدمها البنوك أكثر من ضوابط الشريعة. إلا أن التمويل الإسلامي، يقول Howladar، أصبح راقياً بما يكفي ليظهر جذاباً من كلتا الناحيتين. يعتقد Humphrey Percy الذي يترأس Bank of London and the Middle East الذي تأسس منذ ثمان سنوات أن أغلب زبائنه جاؤوا إلى البنك ليس لأنهم أتقياء للغاية إنما «بمحض عرض القيمة».

مع أن المبادئ التي يرتكز عليها التمويل الإسلامي قديمة قدم الإسلام نفسه، لم تبدأ البنوك الحديثة بتقديم المنتجات التي تمتثل للشريعة الإسلامية قبل منتصف سبعينات القرن العشرين. ومنذ ذلك الحين نما التمويل الإسلامي ليصبح صناعة عالمية يبلغ إجمالي أصولها نحو تريليوني دولار. أغلب هذه الأصول (حوالي 80٪ حسب معطيات بنك ماليزيا المركزي) تُعهد إما إلى البنوك الإسلامية أو الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية، والباقي يأخذ شكل الصكوك، وهي المقابل الإسلامي للسندات المالية (15٪) وصناديق الاستثمار الإسلامية (4٪) والتكافل، وهو المقابل الإسلامي للتأمين (1٪). في سنة 2012 استأثرت إيران بـ43٪ من الأصول المصرفية الإسلامية عالمياً، وأتت المملكة العربية السعودية (12٪) وماليزيا (10٪) في المرتبتين الثانية والثالثة.

حفّز الطلب المتشكل نتيجة هذه الجميعة المتزايدة بسرعة من رأس المال الإسلامي نمو المنتجات التي تمتثل للشريعة. يمكن أن تتخذ هذه المنتجات أشكالاً كثيرة، لكن لا يمكن لأي منها أن تدفع أو تطالب بالفوائد، كما أنها لا تستطيع الاستثمار في الأمور المحرمة (لا كحول ولا لحوم خنزير ولا مقامرة ولا الأفلام الإباحية). مثلاً، في الرهن العقاري الإسلامي لا يقرض البنك النقود إلى الشخص الذي يشتري عقاراً، إنما يشتري البنك العقار، ويستطيع الزبون بعد ذلك إما أن يشتري العقار من البنك بسعر أعلى يسدده على دفعات (المرابحة) أو يدفع أقساطاً شهرية إلى البنك تشمل رد سعر الشراء والإيجار حتى يتملك العقار تماماً (الإجارة).

وبالمثل، فإن حامل الصكوك لا يقرض النقد لمصدرها، إنما يملك حصة اسمية مما أنفقت النقود عليه ويحصل على الدخل ليس من الفوائد بل إما من الأرباح الناتجة عن تلك الأصول أو من دفعات الإيجار التي يسددها المصدر. وفي نهاية أجل الصك يعيد المصدر رأس المال إلى المستثمر بشرائه حصته من الأصول. قد يقول الساخرون أن الفرق بين هذه البنى والسندات أو الرهن العقاري طفيف: فكلاهما يؤمن دخلاً متوقعاً لمن يقدم رأس المال.

إلا أن ذلك لا يُفقِدها جاذبيتها على ما يبدو؛ فقد أصدر مصرف البحرين المركزي أولى صكوكه السيادية في سنة 2001، وتنامى الإصدار السنوي بين 2002 و2012 بمعدل متوسط قدره 35٪، من 4 مليارات إلى 83 مليار دولار، مما جعل النمو الصحي للأصول المصرفية الإسلامية يبدو صغيراً. تصدر أغلب الصكوك بعملة المصدر وهي موجهة للمستثمرين المحليين، ولكن الإصدار الدولي في تزايد من 10٪ من الصكوك الصادرة في سنة 2010 إلى 20٪ في سنة 2014. وحسب تقديرات Moody's تشكل الصكوك السيادية 36٪ بين 296 مليار دولار من الصكوك القائمة في يوليو، وماليزيا المصدر الرئيسي لها. أصبحت بريطانيا في يونيو أول دولة غربية تصدر صكوكاً سيادية، وجذبت مبيعاتها بحجم 200 مليون جنيه استرليني (322 مليون دولار أمريكي) طلبات شراء بحجم 2.3 مليار جنيه.

تبدأ الشركات الغربية أيضاً باستخدام الصكوك لجمع الأموال. يعمل بنك Société Générale الفرنسي وبنك Tokyo-Mitsubishi UFJالياباني على تحضير الإصدارات، ويقال أن Goldman Sachs يدرس طرح عرض قدره 500 مليون دولار.

رغم النمو القوي للمنتجات المالية الإسلامية مؤخراً، لا يزال هناك مجال للمزيد من التوسع، سواء في البلدان الإسلامية ذات التغطية القليلة نسبياً بالخدمات المصرفية أم في الغرب. كما تبين من طلبات الشراء خلال الإصدار البريطاني، فإن الطلب على الصكوك السيادية قوي. تخطط هونغ كونغ وجنوب أفريقيا لإصدار صكوك بالدولار في آخر هذا الشهر؛ كما أبدت لوكسمبورغ وروسيا وأستراليا والفلبين اهتمامها أيضاً.

هناك عدد من العوائق التي قد تعرقل المسير في هذا الطريق. تعثرت محاولة سابقة قامت بها Goldman Sachs وسط اتهامات تقول أن صكوكها لا تمتثل للشريعة. واضطرت إندونيسيا إلى تقليص إصداراتها من أحد أنماط الصكوك بسبب شكاوى مماثلة. أقر العلماء الماليزيون بطاقة ائتمان إسلامية ترتكز على معاملة تسمى «بيع العينة» التي رفضها العلماء العرب لشبهها الكبير بالإقراض بفائدة.

أدت مثل هذه النزاعات إلى مناداة بزيادة التقييس الدولي، ومن هنا يأتي إنشاء هيئات ناظمة وطنية من قبل كيانات مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يصدر الإرشادات الدينية والتحوّطية، فيلعب الدور الذي تلعبه لجنة بازل بالنسبة للبنوك التقليدية. يرى Zeti Akhtar Aziz حاكم بنك ماليزيا المركزي أن ذلك سيعزز «الانسجام في طريقة ترسيم لوائح المؤسسات». ولكن بما أن الإسلام ليس فيه سلطة عليا موحدة تقوم بإقرار تشريعاته، سيبقى هناك خلافات دائماً.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق