الإقتصاد ليس علما ولا فنا
Brian Snyder/Reuters
الصفحة الرئيسية اقتصاد

في عام 1959 قام الفيزيائي البريطاني تشارلز بيرسي سنو بإلقاء محاضرة بعنوان "الثقافتين" الذي اشتكى فيها عن الإنقسام الكبير بين الثقافة الأدبية و العلماء. كان عالما في كلا المجالين لكونه مساعدا في مختبر الفيزياء وفي نفس الوقت كاتبا. كان إستنتاجه الرئيسي أن ممثلي المجال الأول لا يسعون إلى تعلم أي شيء عن العلوم و التكنولوجيا و العلماء بدورهم لا يريدون سماع شيئا عن الثقافة العالية. منذ عام 1959 أصبحت نظرية هذا "الانفصام" معروفة لسنو على نطاق واسع. في كثير من الأحيان ينقسم الطلاب أنفسهم إلى مجتمعات "التقنيين" و "الإنسانيين".

لكن يوجد نوع ثقافي ثالث لم يلاحظه سنو.

يستخدم الإقتصاديون نفس الأدوات التي يستخدمها العلماء والمهندسون وهي الجبر المصفوف والإنحدارمتعدد المتغيرات ونظرية التحكم. ولكن يستخدمونها بشكل مختلف.

غالبا يكون الهدف في الإقتصاد و خصوصا في الإقتصاد الكلي، إقناع الآخرين بصواب وجهة نظرك. هذا ما يكتبه الإقتصادي في البنك الإحتياطي الفيدرالي ، كاتريك أتريا في كتابه "الأفكار الكبيرة في الإقتصاد الكلي":

يبدو لي أنه بطريقة ما جزء من عملنا هو من "إلقاء القصص" بإستخدام أدوات منهجية للغاية في تحليل البيانات و التفكير المنطقي و في بعض الأحيان اللجوء إلى أبعد الوسائل الإقتصادية لإقناع الآخرين بفائدة افتراضاتنا وإستنتاجاتنا... كل هذا لا يفي خصائص "العلوم الدقيقة".

عموما يستخدم الكثير من الإقتصاديين أدوات العلوم من أجل تحقيق الأغراض "الأدبية" أو "القانونية". لا يوجد في الكثير من الأوضاع الإقتصادية بيانات كافية لتحديد ما يحدث بدقة. يمكنك أن تتخلى عن الأمر و تعود إلى المنزل أو أن تدع تعاطفك مع السياسية أن يأخذ الأسبقية. و تتبع العديد من الطرق البسيطة. إذا كنت حقا تريد أن تفعل شيئا جديرا بالإهتمام و أن تصف واقع الحال بجدارة في وجه عدم اليقين و عدم وجود بيانات كافية يجب عليك التأكد من أن تبريراتك معقولة ودقيقة قدر الإمكان. وهذا سوف يتطلب علم الرياضيات.

كثيرا ما ينتقد الإقتصاد لكونه إستنتاجيا جدا، بديهيا أو مليئا بإفتراضات غير واقعية. في بعض الأحيان تأتي هذه الإنتقادات من أعلى الرتب في ميدان الإقتصاد نفسه. ولكن الإقتصاد ليس بنسخة أصغر حجما و أخف من العلوم أو خيار ممل من الأدب فقط. هناك بعض الأفكار التي يمكنك الحصول عليها فقط عبر ممارسة الإقتصاد بدلا من إجراء التجارب في المختبر الفيزيائي أو قراءة شكسبير.

عنصر العشوائية موجود في العديد من الأحداث في العالم.يتعامل الإقتصاد مع أنظمة معقدة للغاية حيث أنه من المستحيل التحكم بالتجربة. إذا كنت ترغب في عزل شيء واحد عليك أن تتجاهل الكثير من المواد المهمة.

لو فكرنا بالأمر فهذا يصف العديد من المواقف التي نواجهها كل يوم. نحن نقوم بقرارات بناء على عدد قليل من المعطيات التي نأمل بأننا نفهمها و نعتبر الباقي ضجيجا. هناك اتجاه قوي لإعادة تقدير العالم. نحن نعتقد أنه يمكننا أن نفسر كل وحتى أصغر قطعة مما نراه. يدرك الإقتصاديون على الأقل أن هذا مجرد وهم. في الأمور المالية كما هو الحال في أي شيء آخر علينا الإعتماد على الإشارة في محاولتنا الإختباء من الضوضاء.

أصبح العديد من الإقتصاديين بتعاملهم مع العشوائية أقوى من العلماء. الفيزيائيون ليسوا جيدين في الإحصاءات: إذا كانت نتيجة التجربة ليست واضحة تماما، فكررها 1000 مرة. يعزز الإقتصاد فكرة الحصول على المعلومات من كل البيانات التجريبية. صممت التقنيات مثل أدوات تقدير هياكل المتغيرات و الإنحدار الذاتي من أجل التعامل مع الأوضاع الصعبة بأفضل طريقة.

هناك إختلاف آخر بين علم الإقتصاد و العلوم الأدبية وهو الهدف. يصف الأدب سلوك الإنسان بينما يقوم العلم بتجاهله. ولكن خبراء الإقتصاد يريدون أن يفهموا و يسيطروا على هذه العملية، مما يجعل الشيء المدروس ذكيا و حرا كما هم الإقتصاديون أنفسهم. إن التنبؤ بسلوك الإنسان هو أكثر تعقيدا بكثير من التنبؤ بسلوك الجسيمات. نحتاج هنا إلى إجابات عن أسئلة مثل: "ماذا علي أن أفعل في هذه الحالة؟"

لذلك يجب إضافة الإقتصاد إلى القائمة الثقافية. يمكن "للحرب المقدسة" بين الإقتصاديين والمثقفين أن تكون عنيفة بقدر الحرب بين العلماء والكتاب.

الإقتصاد هو فن قيم و فريد من نوعه.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق