الاقتصاد البشري
الصفحة الرئيسية اقتصاد

يقوم البنك الدولي باصدار التقارير عن التقدم العالمي كل سنة وهي أوصاف قصيرة للموضوعات المهمة والمثيرة في مجال التنمية الاقتصادية. ماذا جاء في تقرير هذه السنة؟

إن التقارير التي يقوم بتأليفها قسم البنك للبحوث هي نتيجة عمل الباحثين المشترك ولا تتميز بأسلوب خاص أو جرأة في الأفكار. هدف التقارير الرئيسي هو تأليف جدول التنمية الاقتصادية ولذلك هي ليست فعالة في تطوير المفاهيم والاتجاهات الجديدة (باستثناء تعريف حد الفقروهو"دولار في اليوم" الذي طرحه الخبير الاقتصادي الأسترالي مارتن رافاليون في تقرير عام 1990).

بالإضافة إلى ذلك هذه التقارير لا تتمتع باهتمام الصحافة في واشنطن حيث تصدر كل سنة لأنها تصف مسائل مهمة بصورة مختصرة فقط. أما في الدول المتنامية تثير هذه التقارير اهتمام الصحفيين المحليين كثيراً. يقال أن إجبار موظفي البنك على قراءتها صعب جداً.

لكن تقرير البنك عام 2015 بعنوان "التفكير والمجتمع والسلوك" أصبح استثناء من ذلك وهو بحث طموح يهدف إلى إظهار كيف يستطيع اقتصاد التنمية أن يستفيد من العلوم السلوكية خاصةً في مجال تطوير وتطبيق السياسة الاقتصادية مملوء بالفخاخ على مثال الهند وكولومبيا وكينيا.

على الرغم من أن هناك أفكاراً واضحة فلن يستغرب أحد عندما سيعرف أن الإنسان هو حيوان اجتماعي، نظرتنا للاشياء تتكون من خلال أفكارنا السابقة بالإضافة إلى الوقائع والحقائق. توجد في التقرير تفاصيل مدهشة وأمثلة من الحياة ليتعمق القارئ فيه كما في حالة كتاب تيم خارفورد "الاقتصادي تحت الغطاء" ويتعلم معلومات جديدة عن طبيعة الإنسان في كل صفحة. أفضل جوانب التقرير هو النقد الذاتي لأن فصل كامل مخصص لخرافات الناس الذي يؤكدون بأن ليس لديهم أية خرافات وأنهم خبراء التنمية. هذا هو أمر مفاجئ قليلاً لمنشور المنظمة التي تعتبر محافظة وتميل إلى الحفاظ على الوضع الراهن.

تأثير الطبقية

sihasakprachum/Shutterstock.com

يوجد في التقرير جزء خاص بصعوبات تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية في الهند حيث تحتفظ بهيكل المجتمع الطبقي حتى الآن. يجب على كل هندي أن يقرأ هذا الفصل لأنه كتب فيه عن ميزات نفسية للنظام الطبقي وتأثيره المدمر على الإنسان وتحويل الصور النمطية لتشبه "الواقع".

"كان الشباب من الطبقات الدنيا يحلون نفس الأحاجيج مع الشباب من الطبقات العليا عندما لم تكتشف طبقتهم الاجتماعية. ولكن في حالة اختبار في فريق متألف من ممثلي الطبقات الاجتماعية المختلفة وعند اكتشاف طبقة كل شاب قبل حلّ الأحجية لاحظ الباحثون "فرقاً طبقياً" حيث تخلف ممثلو الطبقات الدنيا ب23% عن شباب الطبقات العليا مع ثبات العوامل الأخرى. كان الاهتمام إلى طبقات الشباب سبباً لبعض العمليات النفسية التي جرت داخلهم وأدت إلى نتائج كانت أسوأ عند الشباب من الطبقات الدنيا. إذا اكتشفت الطبقة للشباب في فريق مختلط فهذا يثير في شباب الطبقة الدنيا شعور التخلف ويعتقدون أنه "ليست هناك حاجة إلى المحاولة" ويمكن للصور النمطية أن تؤثر على فرق القدرات الذي يعزز هذه الصورة ويشكل أساس التمييز وحلقة مفرغة.

ويمكن للصور النمطية أن تؤثر على فرق" القدرات الذي يعزز هذه الصورة ويشكل أساس التمييز وحلقة مفرغة".

بالإضافة إلى ذلك دعونا نأخذ نتائج التحليل حيث توجد الأدلة التجريبية أن الإنسان الأناني من الاقتصاد الكلاسيكي الحديث الذي يستفيد لأقصى حد لنفسه يسعي إلى الحفاظ على الحرية في مجال السلع العامة ويجد نفسه مستعداً للتعامل "بقدر ما يتعامل الآخرون" ويستخدم هذا المفهوم كثيراً في الاقتصاد كحجة ضد العمل الجماعي مختلف الأنواع.

يضمن التقرير بحثاً رائعاً عن تأثير سيطرة طبقة ملاكي الأراضي في المناطق الريفية في الهند على تحفيض المنافسة في الانتخابات المحلية وتدهور الحكم. ولكن بسبب التوقعات المنحفضة لا يثير هذا النظام القائم على عدم ارتياح السكان المحليين ويستمر في استقراره بشكل مدهش:

"تحكم القواعد الديمقراطية في ولاية ماهاراشترا للهند ولكن يوجد هناك فرق تاريخي في أحجام الأراضي التي يملكها ممثلو طبقة ملاكي الأراضي التقليدية. إن الأرياف التي تسيطر عليها الطبقة التقليدية (يملك ممثلوها نصف الأراضي كلها) وتتميزبنظام إقطاعي ويغيب هذا النظام في بعض الأرياف الآخرى. "يبيع" العمال أصواتهم إلى ملاكي الأراضي من الطبقة المسيطرة من أجل الحماية والوصول إلى الشبكات التجارية. يدمر بيع الأصوات المنافسة السياسية في المنطقة ويؤدي إلى تدهور الحكم في أرياف سيراليون حيث توجد منافسة محدودة وماهاراشترا التي يسيطر فيها فريق ملاكي الأراضي. يوجد هناك تقليص في البرامج الوطنية للفقراء بنسبة 100-75%. ولكن استطلاعات الرأي تظهر أن ممثلو الطبقات الدنيا مسرورون بهذا الوضع م. يقول ممثلو الطبقات الدنيا إنهم يثقون بملاكي الأراضي أكثر بنسبة 14% في الأرياف حيث يقود فيها ممثلوا الطبقة المسيطرة مقارنة مع الأرياف حيث لا يتمتع ملاكو الأراضي بالحكم. ربما لا يتوقع سكان الأرياف التقليدية كثيراً من حكوماتهم ويحصلون على كل ما يحتاجون إليه ولذلك لا يعتقدون أن الحكومة تعاملهم بشكل غير عادل".

رؤية جديدة للاقتصاد

هذا التقريرعلى المستوى العملي هو وصف تعليمي لأنواع الحوافز السلوكية المختلفة التي يمكن أن يستخدمها الخبراء في السياسة الاقتصادية لمشاريعهم التي تهدف إلى المساعدة في تجاوز العادات والتقاليد المتأصلة بعمق. إنها مفيدة حتما.

ولكن على المستوى الفكري ينسب هذا التقرير للإنسان كموضوع اقتصادي قدرا أكبر من حب المعرفة . كان أدام سميث مفكراً رائعاً وبدأنا نعتمد على نتائجه كثيراً الثاقبة من أمثلة الحياة في اسكتلندا في القرن الثامن عشر في تحليل الواقع الراهن. إن هذا التقرير هو دعوة البنك الدولي الذي كما قال ستيف دينينغ "يشكل خليطا غريبا من الجامعة والمؤسسة" إلى وجهة نظر جديدة حول عالمنا المتنوع والرائع والتفكير الأكثر حداثة.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق