لفهم أسباب صعوبة التنبؤ بالدورات الاقتصادية يجب الانطلاق من أن وجود هذه الدورات الاقتصادية هو من عداد الحقائق الغير مثبتة حتى الآن. يحدّثنا البروفيسور في العلوم الاقتصادية من جامعة ستوني بروك السيد نوا سميت في هذه المقالة عن القوانين التي تعتمد عليها الأنظمة الاقتصادية وهي ليست القوانين التي نعرفها أو يبدو لنا أننا نعرفها بالتحديد. الأمور ليست هكذا، دعونا نكتشف معا ما هي طبيعتها .
تثير كلمة الدورة في دماغنا صورة الأمواج أو تسلسل فصول السنة على سبيل المثال ولكن لا يمكن أن نعتبر الدورة الاقتصادية من الظواهر المنتظمة (لو كان هناك أي نوع من النظام لكان من السهل للغاية التنبؤ بموعد الهبوط الاقتصادي الجديد). كما يعتقد الخبراء الاقتصاديون فترات الركود الاقتصادي والازدهار الاقتصادي هي من عدد الاضطرابات الدورية العشوائية في اتجاه الاقتصاد نحو النمو الاقتصادي المستمر الطويل الأجل.
من الصعب جدا أن نختلف بين تقلبات الاقتصاد وتكون الاتجاه الجديد الذي سوف يمر الاقتصاد نحوه حيث أن الاتجاه هو عبارة عن التوجه نحو النمو المستمر ولكن بوتيرة يمكن أن تتغير حسب الظروف الحالية. بهذا السبب يكشف الاتجاه عن تسارع أو تباطؤ نمو الاقتصاد. أنظرو إلى هذا الرسم البياني لتنمية الناتج المحلي الإجمالي ومن هنا سوف تدركون مدى صعوبة التنبؤ بهذا الصدد:
من السهل الكشف عن اتجاه النمو الجديد و لكن إذا نظرنا إلى فترات الركود (وهي المساحات الرمادية في الرسم البياني).هل ترون أين مساحات الانحدار التي تأتي بعدها ارتفاعات جديدة؟ أو هذه تغيرات في نمو الاتجاه؟ من الصعب االوصول لاستنتاج دقيق من نظرة واحدة إلى هذا الرسم البياني وحتى باستخدام الأساليب الرياضية.
ويسمى أحد الأساليب الرياضية التقليدية التي قام بإنشائها العالِم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل السيد إيد بريسكوت بفيلتر هودريك بريسكوت الذي يعتمد على اختيار الأفق الزمني المحدد الذي يغطي فترة الدورة الاقتصادية ، ثلاثة أشهر أو خمس سنوات أو عشرون سنة، ومن ثم يتم التقسيم إلى التقلبات الدورية واتجاه النمو الاقتصادي. ولكن يصعب تطبيق هذا المنهج الرياضي.هذا ما يقوله في هذا السياق الاقتصادي روجير فارمير من جامعة كاليفورنيا معبرا عن قلقه بشأن استخدام هذه المنهجية الرياضية:
"يقدم السيد بريسكوت لنا إمكانية تقييم دقة نظرياته الاقتصادية حول مسايرة الدورات الاقتصادية انطلاقا من نفس المفاهيم التي يتم على أساسها تفسير نشوء الأمواج.واكتشف أن نظرياته ليست دقيقة من بعض النواحي حيث أيدها مؤيدو نظرية الاقتصادي كايسي الذي أكد على أن الاقتصاد هو نظام مستقل متمكن من إنشاء استقراره بنفسه. ولكن نظرية كايسي لا تفسر تقلبات الاقتصاد فحسب، بل تصف التغيرات الطويلة الأجل اعتمادا على بعض العوامل العامة منها مستوى البطالة وأنماط تصرف المستثمرين في السوق. وإذا كنا نستخدم هذه الأساليب التي يقدمها السيد بريسكوت فمن الصعب تقييم نفوذ التغيرات في الطلب على مستوى البطالة.هكذا خسرنا المسابقة في بدايتها".
بكلمات أخرى تفترض النظريات الحديثة أن فترات الركود الاقتصادي هي ظواهر مؤقتة لا تلحق أضرارا كبيرة بالإنتاجية الاقتصادية.وإذا كانت هذه الفكرة خاطئة نستنتج أن معظم النظريات الاقتصادية تسير فيطريق خاطئة.
سوف تتغير قواعد اللعبة الاقتصادية إذا تبين أن الركود الاقتصادي يتسبب في أضرارجثيمة حيث سوف تضطر الحكومات على تشجيع النمو الاقتصادي من أجل التغلب على الآثار السلبية للركود. و بعض الخبراء الاقتصاديون ومنهم ر غريغوري مانكيو وجون كيمبيل من جامعة غارفارد يقولون عن وجود مثل هذا التأثير من بداية الثمانينات من القرن الماضي ولكن لم تحصل هذه الافكار في ذلك الحين على دعم مطلوب.
أصبح من البديهي الآن أن الركود الاقتصادي لعام 2008 قد أدى إلى الكثير من التداعيات والعواقب الخطيرة. وتوصل الخبراء من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بعد مراجعة البيانات الإحصائية إلى أن الاقتصاد لا يمكنه الانتعاش بنفسه. هذا ما يقولونه في هذا الصدد:
" لأن فترات الركود الاقتصادي تؤدي إلى عواقب طويلة المدى والأجل فيما يتعلق بانحدار نمو الطلب ولا شك في أن الموديلات القائمة لإنعاش الاقتصاد بعد صدمات اقتصادية غير صحيحة.السؤال الآخر هو في مدى الموثوقية ببيانات احصائية حول حجم الطاقات العاطلة عند تحديد عمق الانكماش الاقتصادي حيث تصبح نتائج هذه الدراسة مفيدة جدا لأصحاب القرارات الاقتصادية لأنها لا تعطي مجالا لتحديد حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الركود الطويل الأمد فحسب، بل تساعد في تكوين ظروف ملائمة لممارسة السياسات السريعة والفعالة عند التغلب على تحديات الانكماش الاقتصادي".
ولكن هناك أيضا أخبار سيئة تقول إننا في حاجة إلى عشرات السنوات من الازدهار الاقتصادي للتغلب بشكل كامل على عواقب الكساد العظيم.
وأخبار جيدة فإذا نظرنا إلى أن التنمية الاقتصادية نرى أنها ربما لا تسير بدورات اقتصادية فهناك احتمال كبير أن الدورة الحالية أو الحالة الاقتصادية الحالية سوف تستمر في نموها وتطورها.