النظرية الاقتصادية العامة
الصفحة الرئيسية اقتصاد

لو كانت هناك نظرية الاقتصادية الشمولية كيف استفدنا من ذلك؟ تصوروا النظرية الشمولية العامة التي تضم في داخلها جوابا وتوضيحا لكل تغيرات تحدث في عالم الاقتصاد الكبير؟ وربما مثل هذه النظرية قد وجدت.

قدم الاقتصادي الأمريكي السيد بول كروغمان في إحدى مقالاته الأخيرة رسما بيانيا سماه "التاريخ المعاصر في الصورة الواحدة". حيث كما يشار في الرسم أنه على مدار العقود الأخيرة تم تسجيل زيادة الدخل في الدول التي تشهد فيها الطبقة المتوسطة تطورا تدريجيا وعلى سبيل المثال في الصين في حين الأشخاص من نفس الطبقة الاجتماعية في دول الغنية مثل الولايات المتحدة لم يخصهم هذا النمو في الدخل بشكل ملحوظ.

ومع ذلك، قدم السيد كروغمان نظريته التي يمكن تسميتها "النظرية الشمولية" والتي يمكن عن طريقها تفسير هذا الرسم البياني.

لا، ليست هذه النظرية نظرية العالم الاقتصادي كايسي التي يفتخر بها السيد كروغمان كثيرا في مقالاته في New York Times مرتين في الأسبوع. ولا نتحدث هنا عن النظرية الجديدة للتجارة العالمية التي قد اشتهر بها السيد كروغمان وبفضلها أصبح عالما أكاديميا معروفا. يدور حديثنا هنا حول النظرية الاقتصادية الجديدة التي أنشأها السيد بول كروغمان في التسعينات من القرن الماضي أثناء عمله مع الاقتصادي ماساحيسا فودزيتا من اليابان والاقتصادي أنطوني فينابلس من بريطانيا.

إن النظرية الاقتصادية الجديدة هي النظرية التي تخص المدن، وفي أساس هذه نظرية فكرة بسيطة جدا.

تسعى الشركات أن تكون أقرب إلى عملائها والعمال يبحثون عن طرق إلى أصحاب الأعمال. ولكنهم كلهم ذات الأشخاص وهذا السبب الطبيعي للاقتراب من بعضهم البعض.

والآن دعونا نرى أن قانون التوفير يعمل جيدا في الشركات، بدلا من بناء مليون مصنع صغير (مثلما حاول أن يفعل ماو تسي تونغ) من الأفضل و الأسهل وأكثر منطقية إدارة عدد قليل من المصانع الكبيرة أو المكاتب الكبيرة.

تؤسس الشركات مصانعها ومكاتبها في الأماكن التي يعيش فيها الناس والناس ينتقلون إلى المناطق التي يعتبرونها أكثر احتمالا لتوظيفهم الجيد. وهكذا تنشأ المدن. ولكن المدينة لا يمكنها أن تكون كبيرة جدا لأنها لا تزال تحتاج إلى الكثير من الأشياء كالمزارع والمناجم والغابات لتطورها (أيضا بفضل النمو السريع للأسعار على الأرض).

فهنا نبدأ فصلا أكثر متعة في كتابنا

يؤدي النمو المستمر للمدن إلى ازدهار اقتصادي بشكل تدريجي ويدور الحديث حول بناء مدينة جديدة التي تنشأ في مكان آخر. ومع مرور الوقت وبفضل التنمية الاقتصادية المستمرة يتم بناء أكثر من مدينة واحدة و تنشأ المدن الكبيرة والصغيرة.

ومن نتائج هذه النظرية هو أن المدينة الجديدة لا يتم بناؤها عادة بين مدينتين قائمتين مختلفتين حيث ترتبط المدن الكبيرة بعلاقات اقتصادية وتعاون تجاري ومن الطبيعي أن المدينتين ليستا بحاجة إلى أخ صغير بجانبهما. لذلك مثلا لن تصبح مدينة كوليج-ستايشن في ولاية تكساس الأمريكية مركزا صناعيا كبيرا، السبب هنا في أنها واقعة على الخط بين هيوستون وأوستان ودالاس.

وهنا تتحول الجغرافيا الاقتصادية الجديدة إلى النظرية الشمولية، تصوروا فقط أننا نتحدث انطلاقا من الدول وليس من المدن في حساباتنا الجديدة، ومن الطبيعي جدا أن الدول تتميز بصفات وخصائص أخرى حيث من الصعب للناس تجاوز الحدود بسبب ضرورة إجراءات إدارية دولية مختلفة ولكن الأموال والبضائع يمكنها أن تنقل وتتجاوز الحدود بين الدول بكل بساطة. ولذلك نرى هنا الديناميكية الأخرى والمختلفة بنسبة قليلة عما يصفها كروغمان وفودزيتا.

ونحصل على نتائج مذهلة فعلا. تنتشر حملة التصنيع التي على مستوى دولة واحدة عبارة عن تحضربسرعة مدهشة حيث تبدأ في دولة واحدة وتنتقل إلى دولة مجاورة أخرى مثل الفيروس أوتدخل إلى الدول التي تربطها العلاقات التجارية المتينة مع الدول المتطورة الصناعية. بدأ التصنيع في بريطانيا ومن ثم انتشر إلى كل من فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا ومن ثم إلى اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

وكل مرة عندما تبدأ دولة ما تحولها من مدينة تعتمد كثيرا على الموارد الطبيعية إلى مركز صناعي جديد يجري هذا التغير بشكل فوري.مع مرور الوقت وازدياد عدد الدول المتطورة اقتصادية التي بإمكانها إصدار القيمة الاقتصادية الجديدة تجري الحملة الصناعية الجديدة في مثل هذه الظروف بشكل أسرع بكثير بالمقارنة مع الحملات السابقة مما يؤدي إلى العجائب الاقتصادية المدهشة.

ولكن هناك نقطة واحدة يجب التركيز عليها

لأن التصنيع بشكل عام هو علمية غير متساوية حيث كل مرة عندما تشهد دولة واحدة طفرة اقتصادية مميزة تشهد الدول المتطورة الأخرى تباطؤا نسبيا في نموها الاقتصادي.بكلمات أخرى يمكن القول أن حلمة التصنيع في الولايات المتحدة الأمريكية و في ألمانيا في نهاية القرن التاسع العشر وفي بداية القرن العشرين قد أدتا إلى التباطؤ الاقتصادي النسبي في بريطانيا وفرنسا. وبنفس التأثير قد يؤثر النمو السريع للصين على التطور الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ودول المنطقة الأوروبية.

وهكذا من الممكن تطبيق الجغرافيا الاقتصادية الجديدة لتفسير الرسم البياني الذي قدمه السيد كروغمان بالإضافة إلى النمو الاقتصادي التدريجي الذي تشهده العديد من الدول المتطورة منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2000.

وبشكل عام يمكن استنتاج أن نظرية الجغرافيا الاقتصادية الجديدة تعطي أملا وتدهش في نفس الوقت حيث تقول النظرية أنه في نهاية المطاف سوف يتم توزيع إنجازات التصنيع بين جميع دول العالم والسؤال يعتمد فقط على الوقت.لكن من الناحية الأخرى تدهش بعض النتائج هذه النظرية لأنها في حقيقة الأمر تحتاج إلى الكثير من الوقت وحتى إذا سارت الأمور بشكل ناجح وبطريقة سليمة فمن الضروري الانتظار في أي حال. ومن المحتمل أن العولمة العالمية سوف تؤثر في بعض الأحيان على التباطؤ في نمو الدخل أو انخفاضه في الدول المتطورة الغنية. ويمكن نتيجة لذلك حدوث موجة حماية قد تعرقل سير العولمة بصورة ما.

في أي حال من الأحوال إذا كانت بعض الاستنتاجات لنظرية كروغمان صحيحة فسوف نشهد في قريبا تسارع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغنية الأخرى بسبب انتشار مستمر لنطاق حملة التصنيع في الصين.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق