كشف المستور في سكوتلندا
الصفحة الرئيسية اقتصاد

لو تصدِّق ما تقوله الصحف البريطانية التابعة للشركات الكبرى، فإن الإصلاح الزراعي الذي أعلنت عنه حكومة سكوتلندا في نهاية ديسمبر يعني نهاية الحضارة. ففي بلد يملك فيه 432 شخصاً نصف الأراضي سوف تُنعَت أي محاولة للتغيير بالستالينية. تنشر الدوريات البريطانية تكهنات مرعبة: إذا تم فرض الضرائب المعيارية على عقارات الصيد فسوف يختفي صيد الأيل وغيره من عناصر الحياة الفاخرة.

نعم، هذه الأراضي التي يصيد فيها أغنى البريطانيين وأمراء النفط والأوليغاركيون من بلدان أخرى الأيل وطيور الطيهوج لا تخضع حالياً لضرائب العقارات: كانت تلك هدية من حكومة جون ميجر في سنة 1994. وديفيد كاميرون لم يبخل بأموال المواطنين البريطانيين أيضاً: فقد خفض المعونات للفقراء وفي نفس الوقت ضاعف الدعم الحكومي لمستنقعات الطيهوج وجمد تكلفة ترخيص الأسلحة النارية، ما يكلف دافعي الضرائب نحو 26 مليون دولار سنوياً.

i4lcocl2/Shutterstock.com

ولكن هذا كله ليس إلا صغائر؛ فلنتحدث الآن عن الأموال الحقيقية. تدّعي الحكومة البريطانية أن هدفها دعم مجتمع رواد الأعمال والكادحين. أما في الواقع، يكافئ نظام الحوافز ملاك الأرض والعقارات. الدولة تحمي الطبقة الحاكمة. يجوز في هذا البلد أن تحبس المتظاهرين السلميين متستراً بالقانون، ويمنح قانون آخر التاج الملكي الحق في كامل ذهب وفضة سكوتلندا. في هذا البلد يجلس المذكِّر الرسمي لمدينة لندن وراء مقعد رئيس مجلس العموم فيحمي حقوق طبقة الملاك التي تشكلت قبل الغزو النورماني. إنها دولة إقطاعية.

ليس صدفةً أن الشكلين الأكثر رجعيةً لفرض الضرائب في البلد، وهما الضريبة البلدية والإعانات الحكومية، يتحيزان لصالح كبار ملاك العقارات.

تؤدي الضريبة البلدية التفاضلية إلى أن مالك شقة في لندن سعرها 150 مليون دولار يدفع ضريبة أقل من مالك بيت في بلدة صغيرة سعره 300 ألف دولار.

وبفضل الإعانات الزراعية التي ترفض الحكومة الحد منها تدفع كل أسرة في بريطانيا حوالي 400 دولار سنوياً لأغنى مالكي العقارات. ويتناسب الآجار الذي يدفعه المزارعون طرداً مع مساحة الأرض، ما يشبه الضريبة التي كان التابع يدفعها للإقطاعي.

إذا كانت الحكومة تدعم الأعمال وليس من يعيشون من أسعار الفائدة، فلماذا ضريبة الأرباح الرأسمالية (28٪) أقل من أعلى معدل لضريبة الدخل؟ لماذا يعفى أي عقار رئيسي يفترض أن مالكه يسكن فيه من الضرائب مع أن ثمنه يمكن أن يتزايد بالملايين؟ لماذا تعفى الأراضي الزراعية عادةً من ضريبة الأرباح الرأسمالية والضريبة المستحقة عن الميراث، وفي السنوات الخمس الأولى تعفى من ضريبة الربح؟ أهذا هو تشجيع الأعمال؟ هذه خدعة هدفها خلق وهمٍ بوجود الحراك الاجتماعي.

حان وقت كشف المستور

البرنامج السكوتلندي هو أول محاولة جدية لتغيير نظام ملكية الأراضي في بريطانيا العظمى منذ سنة 1909، أي من أيام ميزانية ديفيد لويد جورج. قد تبدو بعض صياغاتها راديكالية إذا لم تكن تعرف السياق. مثلاً، سيسعى البرنامج إلى اكتشاف من يملك الأرض. قد تفكر لأول وهلة: ما هذا الأمر العظيم؟ ولكن في الواقع لا يوجد في الحاضر معلومات سوى عن 26٪ من الأراضي السكوتلندية.

اذهب إلى أي بلدية في فرنسا أو في إسبانيا، وسوف تستطيع الاطلاع على السجل العقاري، وفيه تجد ما هي العقارات ومن هم مالكوها. عندما حاولت مجلة Land أن تفعل الشيء نفسه في بريطاينا، تبين أن المسح العقاري الشامل موجود ويمكن الحصول على نسخة منه مقابل 70 بنساً؛ لكن هذه النسخة تعود لسنة 1840. ولم تستطع المجلة أن تعرف مالك 1.4 كم² من الأرض حول مكتبها في دورست إلا بعد أن أنفقت عدة أسابيع وأكثر من 1500 دولار على الصراع مع البيروقراطية. تبين أن السجلات القديمة مسحوبة من النطاق العام بناء على طلب ملاك العقارات الذين يفضلون تجنب رقابة العموم مثلما يحبون الإعفاء من الضرائب. (إلا أن ملاك العقارات يتميزون بصراحة أكثر عندما يقدمون طلبات الحصول على إعانات حكومية، ولهذا السبب يوجد في الوكالة المختصة بذلك قائمة كاملة بالأملاك الزراعية، ولو أنها غير متاحة للعموم.) ما هذه الدولة التي لا يمكن فيها أن تعرف من يملك الأرض التي تمشي فوقها؟

تنوي حكومة سكوتلندا دراسة تقسيم الممتلكات الزراعية الكبرى إلى أجزاء لمصلحة السكان المحليين. ويرمي هذا الإجراء إلى تقديم تسهيلات للمجتمعات المحلية لشراء الأراضي المحيطة بها. قارنوا الوعد: «التوزيع العادل والواسع والمتساوي للأرض» مع برنامج لندن: «زيادة التنافسية، بما في ذلك عن طريق الاندماجات»، أي الاستمرار في نمو الممتلكات العقارية. ينخفض عدد العقارات في إنكلترا بمقدار 2٪ سنوياً؛ وربما لم يحدث تركيز الممتلكات بهذه السرعة منذ القرن التاسع عشر حين صدر آخر «قوانين تسوير الأراضي».

تستعد سكوتلندا للشروع في مناقشة فرض الضرائب على العقارات، ما يمكن أن يؤدي إلى النظام العادل الوحيد الممكن: الضرائب وفق ثمن الأرض.

قارنوا هذا مع «الضريبة على القصور» التي اقترحها إد ميليباند: هذه الضريبة لا تمس سوى نسبة ضئيلة من الدخل غير الناتج عن العمل لكبار ملاك العقارات، إلا أنها تثير غضبهم فيهددون بمغادرة البلاد. روحة بلا رجعة إن شاء الله.

هناك أمل أن حكومة سكوتلندا ستبدأ بمكافحة المضاربين الذين لا يستطيع الناس بسببهم الحصول على مسكن لائق. ضمن النظام الحالي تبنى مساكن بشعة مقابل أموال طائلة، وأحد أسباب ذلك ثمن الأرض الذي ارتفع من 2٪ من ثمن البيت في سنة 1930 إلى 70٪ اليوم. إذا انتقلت الأرض إلى الملكية العامة فسوف تبنى الأحياء الجديدة من قبل من يريد أن يسكن فيها ومن أجلهم، وليس كما يروق للمضاربين. وعندها ربما لن تعود جبالنا تعاني من الحرق والرعي العشوائي للماشية من قبل طبقة ملاك الأراضي الحاليين الذين لا يهمهم إلا الصيد، أي قتل أكبر عدد ممكن من الأيل والطيهوج للتباهي بذلك في نوادي لندن.

تتحول سكوتلندا تدريجياً إلى دولة معاصرة متقدمة بعد إلغاء الإقطاعية رسمياً في سنة 2000، وتسبق في ذلك إنكلترا تاركةً إياها في الماضي ما قبل الديمقراطي.

تكسر سكوتلندا حاجز الصمت الذي يخنق الحياة السياسية في بريطانيا، وتتعرض لهذا السبب للهجوم من قبل وسائل الإعلام الأوليغاركية.

بقيت بريطانيا على مدى القرون البلد المبارك لرؤوس المال الموروثة. آن الأوان للنهوض ضد الظلم والقوانين التي تشجعه. حان الوقت لنشر المبادرة السكوتلندية على باقي البلاد والابتداء بمناقشة القضايا المزعجة والخطرة.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق