الهند وأمريكا عاجزتان عن الاتفاق
الصفحة الرئيسية اقتصاد

الاتفاقية الاستثمارية الكبيرة بين الولايات المتحدة والهند تكاد لا تأتي إلى نهاية معينة.

أدت الزيارة الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الهند إلى إعادة ظهور آمال بأن البلدين سيجددان المحادثات بخصوص الاتفاق الاستثماري المتبادل ‎(BIT)‎ الذي حالياً قيد الإعداد. وهذا الاتفاق مهم بالنسبة للطرفين، فبالنسبة للولايات المتحدة هذا سيسهل من نشاط الشركات الأمريكية وإبعاد التنافس غير المنصف، أما بالنسبة للهند فهذا سيزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.

بيد أن مناقشة العثرات تحتاج إلى وقت ومجهودات كثيرة لدرجة أن التفاؤل من ذلك يتضاءل، ذلك التفاؤل الذي يحدث دوماً عند زيارة ممثلي المراتب العالية.

كل لقاء مهم بين الأشخاص الرسميين في الهند والولايات المتحدة مثلاً رئيس الوزراء ناريندرا مودي في واشنطن في شهر سبتمبر من عام 2014 ووزير الخارجية جون كيري في الهند في يونيو عام 2014 وفي يناير عام 2015، والممثل التجاري لدى الولايات المتحدة مايكل فرومان في نوفمبر عام 2014، كل هذه اللقاءات كانت تبعث الآمال تجاه BIT من جديد.

بدأ التجميد

استمرت مناقشة BIT بين البلدين منذ شهر فبراير عام 2014. انتهت الاستعدادات لتجديد المفاوضات بعد تنصيب مودي مباشرة في 26 مايو عام 2014. وقبل ذلك في شهر يناير ناقش كيري مع مودي مشروع اتفاق ضمن نطاق القمة الاستثمارية الدولية Vibrant Gujarat Summit، بيد أنه لأجل بلوغ التقدم لا بد من التغلب على كثير من العوائق.

من بين هذه العوائق هو أن الاتفاق الهندي الخاص المماثل لـ BITأي الاتفاق الثنائي حول تطوير وحماية استثمارات ‎(BIPPA)‎ مجمد. في الوقت الحالي تعدل الهند النسخة النموذجية من المستند وتستعد إلى تحرير مشروع التنسيق مع كافة الجهات المهتمة بالأمر بما في ذلك مختلف الوزارات (مثلاً وزارة المالية ووزارة التجارة ووزارة العدل ووزارة الخارجية). منذ عام 1994 وقعت الهند على 83 BIPPA ومن بينها 72 أصبحت سارية المفعول

يتم تعديل نص المستند منذ عام 2013 وذلك لأن الكثير من الشركات الدولية قد رفعت قضاياها إلى هيئات التحكيم الأجنبية ضد الحكومة الهندية، وخلال السنتين الأخيرتين فقط بدأت 17 محاكمة جديدة مبتدئة بتحد إلغاء منح تراخيص 2G وانتهاء بالمطالبات الضريبية الاستعادية. من بين الشركات التي تتحاكم مع الحكومة الهندية Deutsche Telecom و Vodafoneو White Industriesالتي تعمل وفقاً لاتفاق BIPPA بين الهند وألمانيا وهولندا وأستراليا على التوالي.

المناقشات في الدوائر

كما أن الخلافات الحكومية الداخلية أيضاً تعيق العملية. فمثلاً دائرة السياسة الصناعية والتطوير ‎(DIPP)‎ لدى وزارة التجارة تعارض BIPPA عموماً. من واجبات DIPP تطوير استراتيجية الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الهند وكذلك تشجيع هذه العمليات وتنسيقها ومعاونتها. تعتبر DIPP أنه لأجل استقطاب رأسمال أجنبي لا بد من بيئة اقتصادية وقانونية ملائمة. تؤكد الدائرة أن الاتفاقات الموجودة ستؤدي إلى ادعاءات محكمية جديدة ولهذا تقترح استخدام بند BIPPA حول فترة الصلاحية لإلغائها. ومن جهة أخرى وزارة المالية ووزارة الخارجية في الهند تؤيدان تعديل الاتفاق النموذجي بغية إدخال تعديلات إلى المستندات الثلاثة والثمانين الموجودة.

كما ويتفاقم الخلاف بمسؤولية ثنائية وذلك لأن DIPP مسؤول عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة أما وزارة المالية فمسؤولة عن إدارة اتفاقات BIPPA.

النظام المغلق لهيئة التحكيم

المحكمة العليا في الهند

يجوز أن تتوقف المحادثات بسبب البنود الجديدة تماماً المنضمة إلى نص الاتفاق، مثلاً اقتراح تخفيف نظام "ضبط الخلافات بين المستثمر والحكومة" ‎(ISDS)‎. بخلاف الاتفاقات الموجودة سيكون لدى المستثمرين الأجانب في المستقبل حق رفع القضايا إلى المحاكم الأجنبية ضد الحكومة الهندية فقط بعد المرور بكافة الجهات التحكيمية والإدارية في الهند.

من الواضح أن هذا رد على تدفق الادعاءات المحكمية الأجنبية. من المرجح أن هذا الرد الدفاعي قد استفزته عوامل خارجية. امتنعت البرازيل عن فرض ISDS أما جمهورية جنوب إفريقيا فستجري مجراها على الأرجح. تطالب القوى الاجتماعية في أستراليا بإبعاد ISDS من كل الاتفاقات (ولا سيما من الاتفاق مع الولايات المتحدة) وليس من بعضها كما هو الآن.

يجوز لهذا النظام الكامل المكون من الدوافع الجاحدة المحطية بهيئة التحكيم الدولي أن يجعل الحكومة الهندية تخفف من ISDS. فالجيوش الكاملة من المحامين المتطفلين الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة والذين أنشؤوا نموذج الأعمال من تعافي التحكيم وكذلك القضاة الذين يماطلون في القضايا وذلك لأن أجرهم بالساعة، كلهم يعلمون في نظام مغلق جداً. سيوجه نص BIPPA المعدل نحو إنشاء نظام شفاف للتحكيم وذلك بتوفير ظروف معينة.

بيد أن اتفاقية BIT التي فقدت بنود ISDS القديمة ستكون هدفاً لمقاومة المفاوضين الأمريكان والمستثمرين المتوقعين من الولايات المتحدة. انتشر رأي بأن النظام المحكمي الهندي مماطل وعديم الفعالية. ومن جهة أخرى تشك السلطات الهندية بتحيز الهيئات التحكيمية الأجنبية. من الصعب تصور توافق الآراء بين الهند والولايات المتحدة في هذا المجال ولو أن الهند تعتبر سوابق البرازيل وجنوب إفريقيا وأستراليا كأفضليتها.

IPR المؤلمة

قد يكون العائق الرئيسي هو حق الملكية الفكرية ‎(IPR)‎ وهي قضية مؤلمة بالنسبة للطرفين. الأعمال الخاصة في الولايات المتحدة غالباً ما تضغط على حكومة الولايات المتحدة كي تحظى على تنازلات لدى الهند. أما الرابطة الوطنية للمنتجين فطلبت من الممثل التجاري الأمريكي وضع الهند في قائمة "طليعة الدول الأجنبية" ويوصف بهذه الضفة فقط أخبث مخالفي IPR.

ينحصر البرهان المضاد من لدن الهند بأن نظام IPR يطابق تماماً متطلبات اتفاقية متعددة الأطراف للمنظمة التجارية العالمية "الجوانب المتعلقة بتجارة حقوق الملكية الفكرية" ‎(TRIPS)‎. لهذا السبب تعتبر الهند المستند الأمريكي الخاص «US Special 301 report» أحادي الجانب في هذا المجال.

هذا المستند هو عبارة عن منشور سنوي للمثلية التجارية للولايات المتحدة ‎(USTR)‎. وقد عددت فيه كل الحواجز التي تعيق تجارة الشركات الأمريكية وكذلك يحتوي على قائمة البلدان التي لا توفر الحماية "الملائمة والفعالة" لحقوق الملكية الفكرية.

الموقف الصحيح

ثمة قضايا أخرى غير مريحة التي قد تعيق المحادثات ألا وهي اقتراح الحذف من الاتفاق مكانة الهند كبلد أكثر صلاحاً من قبل الولايات المتحدة، وكذلك إعادة صياغة المواد المتعلقة بنزع الملكية، وإعادة نسخ النص الواقع في القسم المؤكد بأن BIT/BIPPA لن يشجع الاستثمارات الأجنبية على حساب الأعمال التجارية الوطنية.

المحادثات مثل هذه لا تخلو دوماً من الضغوطات والتنازلات المخلفة نوعاً من الحقل الاستراتيجي للمناورات. الجميع يعرفون أن هذه العملية طويلة الأمد وتعود كثير من الأمور إلى الهيئات الأمريكية وعلاقتها تجاه ممارسة الأعمال التجارية في إحدى أكبر الأسواق وأسرعها نمواً في العالم.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق