أوروبا مستاءة من ميركل
الصفحة الرئيسية اقتصاد

السياسة الاقتصادية الألمانية تضر أوروبا وكل العالم وألمانيا نفسها.

من واشنطن إلى أثينا قلما ما تجد بينهم عناصر مشتركة بين السياسيين والاقتصاديين، ومع ذلك فإنهم موافقون في الرأي أن ألمانيا تحت حكم أنغيلا ميركل تقوم غالباً بسياسة اقتصادية خاطئة.

إنهم يؤكدون أن نقاط القوة الظاهرة في الاقتصاد الألماني هي البطالة الدنيا خلال السنوات العشرين الأخيرة، وكذلك النمو المتوازن ولو البطيء، والميزانية الفدرالية المتوازنة، كل هذا يحجب النقاط الضعيفة وأخطاء القيادة.

ينحصر الخطأ الأول في الثبات في القضية بأن البلدان أمثال اليونان يجب ليس فقط أن تقوم بالإصلاحات الهيكلية لاقتصادها بل وكذلك تخفيض مصروفات المستوردات التي تضغط على الطلب.

الخطأ الثاني يخص الوضع الداخلي في البلاد. بفضل أسعار الفائدة المنخفضة يجوز استخدام الفرصة الحالية لجلب قروض واستثمارات في الاقتصاد، وهذا ما سيؤدي إلى نموه وسيأتي بالدوافع الكينزية لكل منطقة اليورو التي تنمو بخمول. بدلاً من ذلك تستمثر ألمانيا أقل مما سبق وكذلك أقل من معظم البلدان الأخرى.

إن زيادة الاستثمارات ستساعد كذلك على إزالة اختلال التوازن الآخر في الاقتصاد الألماني، ففائض الحساب الجاري هو الثاني في العالم الذي وصل في عام 2014 إلى رقم قياسي جديد قدره 220 مليار يورو أي أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي.

تجد هذه الأفكار أنصارها حتى في ألمانيا نفسها. يعتبر مارسيل فارتشير من معهد برلين للأبحاث الاقتصادية بألمانيا أن قوة اقتصاد البلاد "وهمية" إذا حسبنا "الفجوة الاستثمارية" الضخمة.

تقلصت الاستثمارات الحكومية بألمانيا الموزعة بين سلطات الاتحاد والأراضي والبلديات من 6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1970 (جمهورية ألمانيا الاتحادية) إلى ما دون 2%. الطرقات والجسور والإنترنت عريض النطاق وأشياء كثيرة غيرها كلها قد تساعد على الاستيعاب المفيد لأكثر كمية من المال.

صرح صندوق المارشال "ألمانيا - الولايات المتحدة" بأن 40% من جسور ألمانيا في "حالة خطرة". يعترف معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية أن رأسمال شركات صناعة الآلات في ألمانيا لا ينمو من حيث القيمة الحقيقية منذ عام 2008. قال ماركوس كيربير مدير الاتحاد الألماني لرجال الصناعة أنه لأجل الحفاظ على النمو "لا بد من السياسة الاستثمارية العدوانية طويلة الأمد".

رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون يرحب بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في افتتاح مؤتمر الناتو في مجمع Celtic Manor بالقرب من مدينة نيوبورت بويلز في 4 سبتمبر عام 2014

بيد أن سائر الاقتصاديين الألمان يرتابون من التصريحات حول نقص الاستثمارات. يعتبر كريستوف شميدت رئيس المجلس الألماني لخبراء الاقتصاد الذين يستشيرون الحكومة بأن الأرقام المنشورة للاستثمارات بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي قد تضل عند مقارنتها مع دلائل البلدان الأخرى أو السنوات الأخرى.

مثلاً تم بناء في فرنسا الكثير من المساكن الحكومية، ولا يوجد الشيء كهذا في ألمانيا، فهذا يغير الأرقام. أدى توحد ألمانيا سنة 1990 إلى ازدهار الاستثمار في كلا شطري البلاد. فإذا عانت بلدان أخرى من انهيار في السوق العقارية فهذا لم يحدث في ألمانبا. على الأقل في مثل هذا الحال بات تقليص المصروفات على بناء مساكن شيئاً معقولاً.

بيد أن الاتجاه نحو تقليص الاستثمارات الحكومية والخاصة يبقى واضحاً. عند إعادة الحساب وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي إن عامل الاستثمارات في ألمانيا يرتفع من 17% إلى 19% وذلك لأنها تضم كذلك نفقات الشركات على النشاط العلمي والأبحاث. لكن هذا ما زال قليلاً. ما الذي أدى إلى ذلك؟

الجزء الأكبر من الاستثمارات تقوم بها شركات خاصة. لكن الشركات الألمانية كانت خلال سنوات تفضل الاستثمار في الخارج وليس في وطنها. فراتشير يتأسف من ذلك، فهو يعترف بأن استثمارات ألمانيا الخارجية كانت تأتي خلال 20 سنة بربح سنوي حوالي 10%، في حين أن الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا كانت توفر ربحية قريبة من 15%.

قال مدير معهد كولونيا ميخايل هيوتر بأن السبب الرئيسي لقلة الاستثمارات الداخلية هو عدم اليقين والتوتر. الاضطرابات المستمرة بسبب اليونان ومنطقة اليورو تضر على وجه الخصوص.

المحتجون يهتفون بالشعارات أثناء زيارة مستشارة ألمانيا أنغيلا ميركيل إلى أثينا في 11 أبريل عام 2014. كتب على الملصق "ميركيل ارحلي" باللغة الألمانية

إن الاضطرابات في الآونة الأخيرة بصدد روسيا التي تفقد جاذبيتها الاستثمارية المتعلقة بألمانيا أكثر من غيرها من البلدان الغربية الكبيرة، أيضاً تؤدي إلى تعكر مناخ الأعمال. ومع ذلك تبقى المشكلة الأهم للكثير من رجال الأعمال هي السياسة الاقتصادية الجاهلة من لدن الحكومة.

يبدأ كل شيء هنا من "التحول في الطاقة" بألمانيا وهو مشروع الامتناع في وقت واحد عن الوقود الأحفوري وعن الطاقة الذرية. تنحصر الطريقة الأساسية في تخصيص الإعانات الضخمة على تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إن هامش الربح التي تضطر كثير من الشركات على دفعه مقابل وحدة الطاقة الكهربائية أكثر من السعر الكامل للطاقة الكهربائية للشركات في الولايات المتحدة. تؤكد نصف الشركات التي حاورها هيوتهير أن هذا يجعل أية استثمارات جديدة غير مغرية.

وكذلك يشتكي الكثيرون بأن هذا البلد الشائخ حيث يتقلص عدد السكان يفتقد العمال الخبراء رغم النظام التعليمي الممدوح في ألمانيا. أما حكومة ميركل وتحت تأثير الشركاء في الائتلاف من الحزب الديمقراطي الاجتماعي فقد عمقت هذه المشكلة أكثر، وذلك لأنها سمحت لبعض الفئات من السكان الخروج إلى التقاعد ليس في سن 67 كما كان سابقاً بل في سن 63.

ما يخص سوق الإسكان فكثير من الملاك يبتعدون عن الاستثمارات من جراء القيود في سعر التأجير النافذة في الكثير من المدن. أما الحد الأدنى الجديد للرواتب الذي حددته الحكومة الفدرالية فهو كذلك إحدى أسباب زيادة تكاليف الأعمال.

الأخطاء يجوز تصحيحها

يؤكد شميدت بأن أفضل طريقة لزيادة حجم الاستثمارات هو تصحيح الأخطاء الاستراتيجية. ففي مجال الطاقة حتى ولو كانت الحكومة تصر على القيم المستهدفة لحجم النفايات يجوز تقديم للسوق كامل الحرية في اختيار التكنولوجيات.

يجوز رفع سن التقاعد من جديد، أما الراتب الأدنى فيجوز تخفيضه. كما ولا بد من زيادة حجم الاستثمارات الحكومية. قال غوستاف هورن رئيس معهد سياسة الاقتصاد الكلي المنضم إلى الصندوق المتعلق بالنقابات بأن الرفع من الاستثمارات الحكومية في منطقة اليورو بنسبة 1% سيؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6%.

بيد أن ألمانيا ترأس مقاومة الدعوات إلى زيادة كمية الموارد الحكومية المخصصة للبرنامج الاستثماري للجنة الأوروبية. في داخل البلاد إمكانيات الحكومة محدودة بسبب التعديل الدستوري في مجال "كبح الديون" الذي أقر في عام 2009 والذي يطلب من حكومات الأراضي بموازنة الميزانيات قبل حلول عام 2020، أما الحكومات الفدرالية فقبل عام 2016.

حدد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبليه هذا الجدول الزمني فأوزن الميزانية منذ عام 2014. إنه يفتخر مع ميركل بـ"الصفر الأسود" الذي يظهر بأن ألمانيا تخضع للقواعد، وهذا ما يجب أن يفعله الباقون كذلك.

ربما تم التوصل إلى الميزان في التقارير، لكن ألمانيا ما زالت واقفة أمام طريق طويل لإزالة النقص في الاستثمارات داخل البلاد.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق